موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

مؤامرات الإمارات: استثمارات واسعة في سيناء المصرية لصالح إسرائيل

212

في الثالث من سبتمبر/ أيلول الماضي، حطت طائرة في مطار العريش شمالي سيناء في مصر، حاملةً على متنها وفداً استثمارياً إماراتياً من شركة “مصدر” المتخصصة في استثمارات الطاقة المتجددة.

الوفد الذي كان في استقباله محافظ شمال سيناء الجديد خالد مجاور وعصام العرجاني نجل رجل الأعمال المقرب من النظام إبراهيم العرجاني، تفقد عدة مواقع في مدينتي رفح والشيخ زويد القريبتين من الحدود مع قطاع غزة، بهدف إنشاء محطة “رياح” لتوليد الكهرباء.

وبحسب موقع (daraj.media) فإن السياق الذي أتت فيه الزيارة والأشخاص الذين كانوا في الاستقبال وطبيعة الاستثمار المحتمل، عبر شركة تابعة للحكومة الإماراتية تُعرف باستثماراتها السخية في إسرائيل، وتوقيت الزيارة الذي يأتي بينما تواصل إسرائيل احتلالها معبر رفح وتمسكها بالبقاء في محور صلاح الدين/ فيلادلفيا؛ يطرح الكثير من التساؤلات حول الأهداف الخفية لهكذا زيارة.

ماذا نعرف عن شركة “مصدر”؟

في عام 2006، أسست الحكومة الإماراتية شركة “مصدر” بهدف تعزيز ريادتها في مجال الطاقة العالمي. وفي عام 2021، اشترت ثلاث شركات طاقة إماراتية بارزة هي “أدنوك” و”مبادلة” و”طاقة” حصصاً في “مصدر” التي تعمل الآن على تطوير مشاريع تنتشر في أكثر من 40 دولة في ست قارات، كما تستثمر في مشاريع عالمية بقيمة إجمالية تتجاوز 30 مليار دولار، بحسب موقعها الرسمي.

يترأس إدارة الشركة سلطان بن أحمد الجابر وزير الصناعة والتكنولوجيا الإماراتي، فيما يعمل محمد جميل الرمحي كرئيس تنفيذي للشركة، أما علي الشمري الذي ترأس الوفد الإماراتي في سيناء، فهو رئيس المشاريع الخاصة وعمليات توليد وتوزيع الطاقة في الشركة.

وقد شكّلت “مصدر” أول أداةً استثمارية للإمارات للتطبيع مع إسرائيل بعد “الاتفاق الإبراهيمي”، إذ عقب خمسة أشهر فقط من توقيع الاتفاق أعلنت “مصدر” وشركة “إي دي إف رينوبلز” توقيع اتفاقية استراتيجية لاستكشاف فرص الطاقة المتجددة ودعم أهداف الطاقة النظيفة في إسرائيل.

وبموجب الاتفاقية، تسعى الشركتان إلى التعاون في مشاريع الطاقة المتجددة الحالية والمشاريع قيد التطوير، مع استكشاف المشاركة المتبادلة في البرامج الجديدة التي أعلنتها حكومة إسرائيل. وهو ما وصفه وزير الطاقة الإسرائيلي آنذاك بأنه “الثمار الأولى لاتفاقيات إبراهيم”.

ومع نهاية عام 2021، توسعت المحفظة الاستثمارية ل”مصدر” عبر انتقال ملكيتها إلى الشركات الثلاثة “أدنوك” و”مبادلة” و”طاقة”، التابعة للصندوق السيادي لأبو ظبي، قبل أن تلعب الشركة دور رأس الحربة في اتفاق تبادل الطاقة والمياه بين الأردن وإسرائيل.

ويهدف المشروع، الذي أُطلق عليه اسم “مشروع الازدهار”، إلى تصدير 600 ميجاواط من الطاقة الشمسية إلى إسرائيل وإرسال 200 مليون متر مكعب من المياه المحلاة إلى الأردن. وفي سبتمبر/ أيلول 2023، التقى وزير الطاقة الإسرائيلي مع الرئيس التنفيذي لشركة “مصدر”؛ للمضي قدماً في صفقة المياه مقابل الطاقة مع الأردن.

فيما لعبت شركة “مبادلة”، إحدى الشركات المالكة ل”مصدر”، دوراً في تعميق التعاون التجاري بين الإمارات وإسرائيل عبر استثمار مئات الملايين من الدولارات في شركات التكنولوجيا الإسرائيلية، كما استثمرت في أكثر من صندوق استثماري إسرائيلي.

ويُعد استثمارها الأهم هو شراؤها نحو 22 في المائة من حقل الغاز الطبيعي البحري “تمار” مقابل أكثر من مليار دولار، قبل أن تنخفض لاحقاً إلى 11 في المائة.

وهنا النقطة الجديرة بالملاحظة، وهي أن حقل “تمار” هو الحقل الذي يمد مصر باحتياجاتها الأساسية من الغاز الطبيعي، وقد بات اعتماد القاهرة عليه متزايداً في ظل نقص حاجتها المحلية، مما شكل ورقة ضغط إسرائيلية على مصر.

وأخيراً، فإن لشركة “مصدر” علاقاتها مع اللوبي اليهودي الأميركي، وبحسب وثيقة إفصاح اتحادية قُدمت إلى وزارة العدل الأميركية بتاريخ 8 أبريل/ نيسان 2023، فإن شركة العلاقات العامة “فيرست إنترناشيونال ريسورسز”، التي يرأسها الخبير الإستراتيجي السياسي زيف فورست، كانت تعمل لدى شركة “مصدر” للطاقة المتجددة في أبو ظبي.

وفورست هو المدير السابق لرابطة مكافحة التشهير في إسرائيل، ويشغل حالياً منصب رئيس مجلس إدارة شركة “كادوجان” للبترول ورئيس المجلس الدولي لمركز “بيريز” للسلام في يافا.

ويشير العقد بين “مصدر” و”فيرست إنترناشيونال ريسورسز” إلى أهداف تعزيز “السمعة والمكانة العامة” لدولة الإمارات وسلطان الجابر رئيس الشركة “بين الجماهير الغربية”، والاستفادة من هذه “السمعة المحسنة” من أجل “تحصين” الجابر من أي انتقاد محتمل في مؤتمر المناخ COP 28.

وقد تنامت استثمارات شركة “مصدر” في مصر خلال الأعوام الماضية، إذ وقّعت عدة اتفاقيات لإنتاج الكهرباء عبر الطاقة المتجددة في كل من رأس غارب في خليج السويس والمنطقة الاقتصادية في قناة السويس ومجمع “بنبان” للطاقة الشمسية في أسوان.

إذاً هذا ما نعرفه عن الحضور المحتمل بالقرب من الحدود مع غزة لشركة شكّلت أداة هامة في سياسة الإمارات للتطبيع عبر الاستثمار، ونسجت علاقاتها مع شبكات التجارة والتكنولوجيا الصهيونية واستخدمت شركاتها في حملات العلاقات العامة، وتملك أسهماً في حقل الغاز الذي يمد القاهرة باحتياجاتها. لكن ماذا عمن حضروا في استقبالها؟.

العرجاني كواجهة للأجهزة الأمنية

في الوقت ذاته الذي استقبل فيه نجل العرجاني الوفد الإماراتي، كان حاضراً في استقبالهم خالد مجاور محافظ شمال سيناء الذي تولى مهمته في يوليو/ تموز الماضي.

وكان مجاور قائداً سابقاً في الجيش الثاني الميداني ومديراً للمخابرات الحربية خلال ذروة تمرد الجماعات الجهادية في شمال سيناء، كما عمل كملحق عسكري في واشنطن حيث استطاع نسج علاقات قوية مع الدوائر الأميركية لدرجة أنه كان بمثابة “السفير الفعلي” حينها.

وبحسب مصدر يعمل كباحث في شؤون سيناء ومطّلع على تفاصيل الميدان، فإن مجاور تجمعه علاقة جيدة بالعرجاني نتيجة التعاون الذي جمع بينهما خلال السنوات الماضية “بحكم وجود مجاور في مناصب مهمة في الجيش في سيناء كان يعرف العرجاني جيداً، لأن مجاور كان مسؤولاً مباشراً عن المناديب، وهم كانوا يعملون بالأساس تحت إمرة العرجاني وتحت مظلة اتحاد قبائل سيناء”.

ويقول المصدر؛ الذي فضّل عدم ذكر اسمه لاعتبارات السلامة الشخصية إن مجاور هو أحد أهم من تولى مهمة “المناديب” لدرجة أنه أُطلق عليه لقب “أبو المناديب”.

وتقول منظمة “هيومن رايتس ووتش” إن “المناديب” هو الاسم الذي تُطلقه السلطات المصرية على ميليشيات مسلحة تمزج بين وظيفة جمع المعلومات الاستخباراتية وعمل الشرطة، وهي الميليشيات التي عملت بالأساس تحت إمرة العرجاني.

وقد كانت قفزتها الأكبر في منتصف 2021 حينما طلبت المخابرات الحربية، التي كان يرأسها مجاور آنذاك، من وجهاء قبائل السواركة والترابين والرميلات تكوين مجموعات مسلحة من عشائر القبائل، تم تمويلهم من رجال أعمال تابعين لهذه القبائل، وجرى تدريبهم في مقرات تابعة للجيش في العريش وبئر العبد، بحسب مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان.

يرى الباحث في شؤون سيناء أن العلاقة الجيدة بين مجاور والعرجاني ربما تلعب دوراً في سيناء، لكنه يعتقد أن نفوذ العرجاني تجاوز تماماً خالد مجاور “ومن على شاكلته، ممكن كانت علاقته به مهمة وقوية في فترة ما خلال السنين الماضية، فالعرجاني منذ عام 2022 أصبح شخصاً آخر تماماً”.

يقول المصدر السيناوي إن العرجاني هو الواجهة، بينما العقل المدبر الحقيقي هو اللواء أركان حرب لؤي زمزم الرئيس الأسبق للمخابرات الحربية في شمال سيناء خلال الفترة بين 2011 و2012، قبل أن يخرج على المعاش في 2014، وهو الشخص الذي “أخذ العرجاني بيده وصعدا إلى السماء”، في دلالة على تنامي نفوذهما، ويعمل زمزم الآن كنائب للعرجاني في رئاسة مجموعة “العرجاني جروب”.

“لؤي زمزم هو الذي يدير شركة سيناء للاستثمار وكذلك شركة أبناء سيناء، وأي شغل “للعرجاني جروب” في سيناء يتولاه زمزم ويعمل على التنسيق مع الأجهزة الأمنية”، يقول المصدر السيناوي، مُضيفاً “إذا أردت معرفة كيف يتحرك العرجاني ومدى حدود علاقاته وقوته وسيطرته وأي أمر جديد يظهر فيه، يجب تتبع زمزم”.

قرية الشلاق كهدف للشركة الإماراتية

خلال زيارته شمال سيناء، تفقد وفد شركة “مصدر” الإماراتية منطقة قرية الشلاق الواقعة على ساحل مدينة الشيخ زويد، بحسب تصريحات فايز أبو حرب عضو مجلس الشيوخ الذي رافق الوفد، لموقع “مدى مصر“.

وفق صور الأقمار الصناعية، فإن قرية الشلاق تبعد نحو 20 كيلومتراً عن الحدود مع غزة، لكن الأهم أن القرية يوجد فيها محطة محولات مسؤولة عن توزيع الكهرباء في المناطق المجاورة وهي الأقرب لغزة.

“محطة الشلاق هي المسؤولة عن توزيع الكهرباء في الشيخ زويد ورفح وحتى كرم أبو سالم والعوجة والنقب والأماكن المجاورة، وطبيعي لو أن هناك كهرباء ستدخل إلى غزة مستقبلاً فستكون عبر محطة محولات الشلاق”، يوضح الباحث في شؤون سيناء.

وكان محافظ شمال سيناء السابق قد قال في عام 2021 مع بدء أعمال بناء المحطة إنها سوف تغذي 30% من احتياجات قطاع غزة من الكهرباء، مندون أن يتم تنفيذ ذلك على أرض الواقع، رغم تشغيل المحطة منذ منتصف 2022.

في هذا الإطار، يرى يزيد صايغ الباحث المتخصص في العلاقات المدنية العسكرية المصرية، أن الإمارات لن تنظر إلى سيناء مطلقاً كموقع استثماري “بل إن أي نشاط هناك سيرتبط بالضرورة بمبادرات تتعلّق بغزة”.

ويعتقد صايغ أن “المحطة الكهربائية المحتملة في الشلاق قد تشير إلى توقّع استضافة نازحين فلسطينيين من غزة، من دون أن يمنع ذلك إمكانية استخدام المحطة لتوفير الكهرباء لغزة في حال توقف الحرب وبدء إعادة البناء”.

هل لعب تغيير قيادات الجيش دوراً؟

لا يمكن فصل سياق عودة اتحاد القبائل العربية إلى الواجهة مجدداً بعد أشهر من تجميد أنشطته، عن عودة عائلة العرجاني إلى الظهور كراعٍ لاستثمار خليجي محتمل في مناطق نفوذها.

فالاتحاد الذي يجمع القبائل العربية المصرية تحت رئاسة العرجاني، أُريد له أن يشكّل ظهيراً واسعاً في سيناء في ظل التوترات الحدودية مع إسرائيل، أو الحديث عن نزوح محتمل للفلسطينيين.

لكن الاتحاد واجه انتقادات واسعة مع ظهوره ورفضاً من المعارضة المدنية، مما جمّد أنشطته، قبل أن يعود قبل أسابيع إلى الظهور مجدداً عاقداً لقاءات مع العديد من القبائل من محافظات مصر المختلفة.

وتأتي تلك العودة وزيارة الوفد الإماراتي بعد أسابيع قليلة من تغيير قيادات الصف الأول في الجيش المصري، التي أشارت تقارير إلى أنها نتيجة خلافات مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، حول إدارة ملف الحرب في غزة واحتلال إسرائيل محور فيلادلفيا.

وقد عيّن السيسي وزيراً للدفاع خرج من الخدمة العسكرية قبل سنوات وكان محافظًا لمدينة السويس وطامحاً لتولي منصب وزير الإدارة المحلية.

هذا بالإضافة إلى صفقة رأس الحكمة على ساحل البحر الأبيض المتوسط “التي يراها الكثيرون داخل الجيش تشكل خطراً على الساحل الشمالي لمصر، وتمهد لدخول جنسيات أخرى إلى هذه المنطقة على رأسهم الإسرائيليون”، بحسب ما جاء في تقرير لموقع “الحرة“.

يرافق ذلك أيضاً مقاومة من المؤسسة العسكرية لبيع حصص مملوكة لها إلى المستثمرين الخليجيين، بحسب ما أشار مركز “كارنيجي الشرق الأوسط“، الذي أوضح أن التغييرات التي أجراها السيسي مؤخّراً في صفوف القيادة العسكرية تأتي على خلفية خلافاته مع جنرالاته بشأن تأجير الأراضي والمنشآت في منطقة قناة السويس للمستثمرين الأجانب، ومؤخّراً بشأن إعادة التوطين المحتملة للفلسطينيين من غزة في مصر، التي يُعتقَد أن السيسي يوافق عليها والمؤسسة العسكرية والأمنية تعارضها.

تقول رانيا المشاط وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي في مصر، إن “رئيس الجمهورية مهتم بأن تكون الصناديق العربية هي المسؤولة عن المساهمة في برامج تنمية شبه جزيرة سيناء”.

لكن يزيد صايغ يعتبر أن الأمر أصبح مقلوباً إذ “يبدو أن السيسي سلّم الوساطة بخصوص غزة إلى الإمارات، وبالتالي فإن أي خطوات تتخذها الإمارات في سيناء، خلافاً لمنطقة قناة السويس الاقتصادية، تخدم المشروع السياسي وليس التجاري بالمقام الأول”.