ألقى تصاعد جرائم ميليشيات موالية لدولة الإمارات في اليمن لتصل حد ممارسة التهجير القسري خلال الأيام الأخيرة بظلاله على المشهد في اليمن وسط تحذيرات محلية ودولية من مخطط أبو ظبي للسيطرة على عدن.
واعتبرت أوساط يمنية رسمية وشعبية أن ما يجرى في عدن من عمليات تهجير قسري بوحشية وبشكل مروع تندرج ضمن مؤامرات أبوظبي لتعزيز فصل جنوب البلاد عن الشمال وقد تذهب الإمارات فيها بعيدا بالسيطرة على عدن.
وشهدت العاصمة اليمنية المؤقتة عدن خلال الأيام الأخيرة عمليات مداهمات للمحالّ التجارية التي يملكها مواطنون شماليون، وملاحقات لمئات الباعة المتجولين والعمال العاديين في الشوارع بعد إحراق بسطاتهم التي كانت وسيلتهم لكسب الرزق، وجمعهم من كل مكان على متن شاحنات كبيرة تحت تهديدات السلاح المصحوبة بإهانات.
وشهدت عدن عمليات انتهاكات واسعة ارتكبها أفراد الحزام الأمني الذي تدعمه الإمارات بحق مواطنين شماليين، في رد فعل على القصف الذي نفذه الحوثيون على أحد المعسكرات التابعة للحزام الأمني والذي قتل على إثره العشرات من الجنود والقيادات.
وشوهد عشرات المسلحين يقومون باحتجاز المواطنين المنتمين للمحافظات الشمالية بشكل مهين في شاحنات كبيرة، ومن ثم يجري ترحيلهم إلى خارج المدينة، بحجة الحفاظ على الأمن، بعد الهجوم الذي استهدف معسكر الجلاء وأمن مديرية الشيخ عثمان، يوم الخميس الماضي.
وعقب ذلك أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي الموالي للإمارات بمغادرة الحكومة عدن وكل مدن الجنوب فورا وإخلاء كافة أراضيه من الوحدات العسكرية الشمالية، ونقلها إلى جبهات الحرب ضد الحوثي في الشمال.
وتزامن ذلك مع تحرك القوات التابعة له (الحزام الأمني) المدعومة من الإمارات، استعدادا لاقتحام قصر المعاشيق الرئاسي والسيطرة على المؤسسات الحكومية، وفقا لما أكدته مصادر حكومية.
وذكرت مصادر يمنية أن المخطط المحتمل من المرجح أن يتبعه القيادي في المجلس الانتقالي الجنوبي هاني بن بريك، والمقرب من ولي عهد الإمارات محمد بن زايد لنشر الفوضى في عدن نهار الأربعاء، وذلك خلال تشييع جثمان قائد اللواء الأول دعم وإسناد منير اليافعي الذي قتل مع عشرات الجنود في هجوم للحوثيين مؤخرا.
ومن ضمن ترتيبات المخطط اختيار مقبرة قريبة من القصر والبدء بقنص قوات الحماية الرئاسية أثناء التشييع، من أجل تحميل ألوية الحماية مسؤولية مهاجمة المشاركين في حال قامت بأي ردة فعل.
وتصاحب ذلك إثارة القضية إعلاميا وإرسال تعزيزات من مسلحين قبليين من منطقة يافع مع قوات من الحزام الأمني للتدخل بحجة فض الاشتباكات، على أن يكون هدفها التحرك باتجاه المقرات والمؤسسات الحكومية ومنازل مسؤولي الحكومة الشرعية.
وسبق أن هدد هاني بن بريك بطرد الحكومة الشرعية في مؤتمر صحفي بمدينة عدن، كما أمهل قائد ما تسمى بالمقاومة الجنوبية أبو ھمام الیافعي الحكومة الشرعیة 72 ساعة لمغادرة أراضي الجنوب، وتوعد في كلمة ألقاها أمام أنصار المجلس الانتقالي بأن أي اعتراض لمطالب الجنوب سيواجه بالقوة.
وفي الوقت ذاته الذي خرج فيه أنصار المجلس الانتقالي للشوارع الثلاثاء برفقة بن بريك ونشر قوات قرب القصر واستقدام أنصار لهم من جبهات الساحل الغربي، بدأت بالانتشار قوات تابعة للحكومة الشرعية وألوية الحماية الرئاسية أيضا، وذلك بعد ساعات من وصول تعزيزات سعودية كبيرة إلى مدينة عدن.
وبحسب مصادر رئاسية تحدثت فإن السعودية تدخلت لتهدئة الوضع في المدينة بعد علمها بالمخطط ومن أجل إيقاف المجلس الانتقالي وملء الفراغ الذي خلفه انسحاب القوات الإماراتية من عدن دون تنسيق مع السعودية أو الحكومة الشرعية.
وطبقا للمصادر، هناك توجه سعودي لمواجهة أنصار الإمارات بعد أن تصرفت بشكل منفرد وأوعزت لأنصارها باستغلال حالة الغضب الشعبي بعد مقتل جنود الحزام الأمني.
ومن اللافت اختفاء رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي واكتفاؤه بالتقاء المبعوث الأممي مارتن غريفيث في أبو ظبي، وغياب بقية أعضاء المجلس.
ويرى مراقبون أن تصدر بن بريك للمشهد يضع احتمالا أن تكون هذه التصرفات المرتبكة هي ردة فعل منه تجاه موقف السعودية التي بدأت بالانتشار في عدن، وكذلك تصاعد المطالبات بإحالته للتحقيق، خصوصا بعد أن كشفت تقارير حقوقية عن تورطه في عمليات اغتيال علماء دين وشخصيات اجتماعية في عدن.
من جهته دان الحزب الاشتراكي اليمني ترحيل بعض أبناء المحافظات الشمالية من عدن واعتبرها تصرفات غير مسؤولة، وطالب في بيان له التشكيلات الأمنية في عدن بتخفيف حدة الاحتقان ووقف استهداف أبناء الشمال.
وقال الحزب الاشتراكي إن استمرار ما يجري في محافظة عدن سيفجر الوضع، وسيدفع الجنوب اليمني والمحافظة ثمنا باهظا.
كما دعا الحزب قيادة الشرعية اليمنية والتحالف الداعم لها إلى الوقوف الجاد والعاجل على ما يحدث من اختلالات ووضع الحلول لها في سياق حل القضية اليمنية.
في السياق ذاته قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان اليوم إن عمليات الترحيل القسري للمواطنين اليمنيين في مدينة عدن تجري بدوافع سياسية ومناطقية، وتغذّيها أطراف إقليمية بهدف فرض واقع سياسي جديد في عدن، مؤكدًا أن تلك العمليات تنتهك القانون الدولي وعلى رأسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي كفل الحق في حرية التنقل والحركة والحق في العمل.
وأوضح المرصد الأورومتوسطي ومقرّه جنيف في بيان صحفي، أن حادثة قتل مالك مطعم شعبي في مدينة إنماء السكنية غرب العاصمة المؤقتة عدن على يد مسلحين مجهولين في الرابع من الشهر الجاري هي أحدث عمليات الترحيل والقتل خارج إطار القانون التي تجري هناك.
وقال مواطنون يمنيون في إفادات وثّقها الأورومتوسطي إن مجموعات عسكرية منتشرة في عدن اقتحمت مطاعم ومتجار ومحال في سوق منطقة المنصورة وطردت البائعين، واعتقلت العديد من العمال الموجودين في السوق بشكل تعسفي ونقلتهم إلى خارج نطاق محافظتي عدن ولحج دون إبداء أي أسباب قانونية.
ونقل المرصد الحقوقي الدولي عن رجلين يمنيين شهادتهم: “لم نرتكب أي مخالفة ونتردد على المدينة منذ عقود من الزمن لكنهم (مجموعات عسكرية) اعتقلوا وضربونا وأخرجونا من هنا (عدن) وحرمونا من عملنا ..”.
وكانت مقاطع فيديو متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي أخيراً أظهر قيام مجموعات مسلحة يعتقد أنها تابعة لقوات “الحزام الأمني”، المدعومة إماراتيًا، بحرق بسطات تعود لبائعين -من سكان شمالي البلاد- في سوق منطقة المنصورة وسط عدن.
وأظهر مقطع آخر اعتداء ما يعرف بقوات “الانتقالي الجنوبي” على اليمنيين الموجودين في السوق بالضرب وتوجيه الإساءة والشتائم إليهم وتجميعهم في حافلة واحدة وترحيلهم إلى خارج المدينة، بينما أظهر مقطع ثان تعامل أحد عناصر الحزام الأمني مع الباعة والعمال بطريقة مهينة متهمًا إياهم بأنهم خلايا نائمة وجاؤوا يقاتلون الجنوبيين ووصفهم بالحيوانات. وأظهر مقطع فيديو ثالث اعتداء أحد عناصر “الحزام” على صاحب محل حلاقة كونه ينتمي للمحافظات الشمالية.
وتأتي هذه الحملات والعمليات في أعقاب استهداف الحوثيين لعرض عسكري لقوات ما يسمى “الحزام الأمني”، بصاروخ باليستي وطائرة مسيرة لمعسكر الجلاء راح ضحيته قرابة أكثر من 30 قتيلا بينهم قائد الحزام الأمني العميد منير اليافعي المعروف بـ “أبو اليمامة”.
وقال الأورومتوسطي إنه ينظر ببالغ القلق إزاء عملية الترحيل المستمرة والممنهجة بهدف فرض واقع سياسي جديد في عدن، حيث يقع مقر سلطة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي.
وأضاف المرصد الحقوقي الدولي أنه راقب رد السلطات اليمنية الشرعية إزاء تلك العمليات، لكنه لم يلمس تحركًا فاعلًا من شأنه التصدي لتلك العمليات غير القانونية وغير الإنسانية.
وبيّن الأورومتوسطي أن استمرار القوات الأمنية بمنع المواطنين القادمين من شمالي البلاد من الدخول إلى عدن وتوقيفهم والتحقيق معهم مؤشر خطير وغير مسبوق، موضحًا أنّ تلك الإجراءات ستحرم آلاف المواطنين من حقّهم في السفر لتلقي العلاج، وإكمال تعليمهم نظرا لوجود مطار عدن في المناطق التي تسيطر عليها قوات الحزام الأمني.
وأكد أنّ استمرار دعم دول التحالف العربي لتلك القوات سيخلق حالة من الفوضى، ويؤسس لفرض واقع على الأرض يفضي إلى فصل محافظة عدن ومحافظات الجنوب عن مناطق شمالي البلاد، وبالتالي سيحرم مئات آلاف المواطنين من حرية الحركة ومن حقوق أساسية أخرى، وهو أمر مخالف لأبسط قواعد القانون الدولي الإنساني.
وشدد على أن تلك الممارسات تنتهك القانون الدولي وعلى رأسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي كفل الحق في حرية التنقل والحركة والحق في العمل وهذا ما لم يتحقق نتيجة ممارسات تلك القوات.
وطالب المرصد الأورومتوسطي الحكومة اليمنية بضرورة اتخاذ خطوات ومواقف جدية تجاه تلك الإجراءات، وتوقيف المتورطين بها من أفراد الأمن في عدن، واتخاذ المقتضى القانوني بحقهم، كما حث المجتمع الدولي ومجلس الأمن على توفير الضمانات الإنسانية الكافية لحماية المواطنين اليمنيين من الانتهاكات التي يتعرضون لها على يد قوات “الحزام الأمني” والمجموعات المسلحة.