موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

ملامح جولة صراع جديدة بين الشرعية وحلفاء الإمارات في عدن اليمنية

145

في الوقت الذي كان فيه الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، يعقد اجتماعاً موسعاً في صالة مغلقة مع جنرالات وزارة الدفاع بمدينة عدن، جنوبي البلاد، يوم الأحد الماضي، كان القيادي في القوات الانفصالية المدعومة من الإمارات العميد منير اليافعي يلقي خطاباً من على منصة أمام ساحة عرض داخل أحد المعسكرات يعلن خلاله عن اتصالات تجري مع مجاميع القوات غير الخاضعة للشرعية، استعداداً لإسقاط الحكومة وطرد القوات الموالية لها و”أي قوات شمالية” في جنوب اليمن وشرقه.

وعكس ذلك ليس فقط صورة عن التمرد العسكري الذي تواجهه الحكومة في عدن، بل ليكشف أيضاً، عن مدى التوتر وحالات الانقسام التي تهدد بدورة دموية جديدة في الجنوب اليمني.

وخلال الساعات الـ48 الماضية في اليمن كانت تصريحات القيادي المعروف بـ”أبو اليمامة” قائد اللواء الأول دعم وإسناد والتابع لقوات الحزام الأمني (إماراتية التدريب والتمويل)، حديث النخبة السياسية اليمنية بعد التهديدات الجريئة التي أعلن خلالها عن الاستعداد لـ”الانقضاض والسيطرة” على مدن جنوب اليمن وشرقه، في المرحلة المقبلة، لإقامة “الدولة الجنوبية” المبنية على حدود ما قبل إعادة توحيد البلاد في عام 1990.

وقال المتحدث “نحن قادمون لإدارة دولتنا، لأنهم لم يستمعوا لصوت العقل، ولذلك فهم لا يفهمون إلا لغة واحدة وهي لغة القوة، لغة السلاح”، في تهديد مباشر وصريح للحكومة بالتحرك عسكرياً لإسقاطها.

وأثارت التصريحات ردود فعل واسعة، وأفاد مصدر مقرب من الحكومة اليمنية في عدن بأن “التصريحات وبصرف النظر عن جديتها في التدشين لتمرد عسكري جديد في الأيام المقبلة، جاءت مترافقة مع أنشطة تصعيدية من قبل الانفصاليين المحسوبين على ما يُعرف بالمجلس الانتقالي الجنوبي في الأسابيع الأخيرة.

وأكد أن ذلك يتطلب موقفاً حازماً من التحالف، ومن الإمارات على وجه خاص، بوصفها الدولة التي تدعم مختلف التشكيلات الأمنية والعسكرية، بعضها أقرب إلى مليشيات، الخارجة عن سلطة الشرعية.

وأضاف أن “الإشكالية ليس في إطلاق التهديدات والإعلان عن استعداد لتمرد عسكري، بقدر ما هي أيضاً بالوضع المختل التي تنتشر فيه المجموعات المسلحة، وأن التصريحات تنسف جهود الحكومة والتفاهمات التي سعت إلى إبرامها مع أبوظبي في الشهرين الأخيرين”.

ومن أبرز ما رفع من أهمية تصريحات “أبو اليمامة”، أنها لم تصدر في مؤتمر صحافي، بل أمام عرض عسكري في معسكر الجلاء بمنطقة البريقة، في عدن، خلال تدشين ما أُطلق عليه “المرحلة الثانية من العام التدريبي 2018 لأفراد اللواء الأول دعم وإسناد”.

واللواء هو أحد الأذرع العسكرية المشكّلة بظروف ما بعد الحرب من التشكيلات المسلحة المدعومة إماراتياً ويرفع الراية الشطرية (اليمن الجنوبي سابقاً)، ولا تتمتع قواته بصفة قانونية في الجيش اليمني، كما لم يصدر قرار حكومي بتعيين قائده، الذي يظهر كما لو أنه صاحب القرار الأول، الذي يحدد ما على الرئيس هادي فعله، ويؤكد أن الخطوة القادمة، لمن يفهم الرسائل التي وجهها بخطابه، هي “لغة السلاح”.

وكان الجزء الأكثر إثارة بخطاب القيادي الانفصالي، الهجوم اللاذع والعنيف على العميد طارق صالح، نجل شقيق الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، والذي تمكن من الإفلات من جماعة أنصار الله (الحوثيين) في صنعاء، عقب أحداث ديسمبر/ كانون الأول 2017، وانتقل إلى عدن، بالتنسيق مع القوات الإماراتية، التي قدمت له الدعم اللوجستي والعسكري، لتجميع الآلاف من المقاتلين الموالين له، قبل انتقال قواته للمشاركة في معارك الساحل الغربي، بما فيها التصعيد في الحديدة.

غير أن المعسكر الذي وفرته القوات الإماراتية للموالين له في عدن، لا يزال تحت قيادته، ومنذ أقل من أسبوع ظهر طارق صالح مخاطباً جنوده في المعسكر بعدن، ما أثار حفيظة الانفصاليين، قبل هجوم “أبو اليمامة”، بمخاطبته بأنه دخل عدن بـ”الجلباب (إشارة لغطاء المرأة)، وسيخرج منها كذلك”.

وأكد في الوقت ذاته، على أن “التصعيد العسكري ضد الحكومة سيشمل أي قوات شمالية في الجنوب، بما فيها القوات الموالية لصالح وقوات الشرعية في المنطقة العسكرية الأولى بمحافظة حضرموت”.

ومثّل الهجوم على طارق صالح، المدعوم إماراتياً، من قبل قيادي انفصالي هو الآخر مدعوم من أبوظبي، تطوراً أثار العديد من التساؤلات، التي ذهبت إلى أن التهديدات التي أطلقها ضد الشرعية لم تكن بضوء أخضر من الإماراتيين، فيما أخرى رأتها انعكاساً للأزمة التي خلقت تواجد الأول في عدن منذ انتقاله مطلع العام الحالي.

ويُنظر إليه جنوباً كأحد أبرز العسكريين في نظام الرئيس الراحل، وكان القائد الأبرز للقوات الموالية لعمه حتى مقتله أواخر العام الماضي.

وسعت أبوظبي في وقتٍ سابق، إلى حالة من التهدئة والتطمينات المتبادلة بين الطرفين، لكن الأزمة بدت أعمق مع تهديدات “أبو اليمامة” وهجومه العنيف على طارق صالح عقب ظهور الأخير في عدن، أخيراً.

إلى جانب ذلك، كان خطاب القيادي الجنوبي الانفصالي أمام حشد عسكري في مدينة موصوفة بأنها “العاصمة المؤقتة” لليمن، بمثابة صورة صادمة عن وضعية الحكومة الشرعية، وعن أي من المسؤولين، عن إخضاع شخصيات على مستوى “قادة ألوية”. قادة يطلقون التهديدات، كما لو أنهم جماعة متمردة تخوض حرباً مع الحكومة، وتصف كل من يرفع الراية اليمنية في الجنوب اليمني، بـ”العملاء” و”الخونة” و”المرتزقة”، وتكيل لهم الوعيد ومختلف الاتهامات.

ولم تقتصر الصورة القاتمة، التي رسمها هذا التطور، على الجانب المتعلق بالشرعية وسيطرتها، بل قدّمت مؤشراً خطيراً عن الوضع العسكري والسياسي في الجنوب اليمني، فظلّت الحكومة الأضعف في كل الأحوال، ولكن الصراع بين مراكز القوى الجنوبية بملامح فرز مناطقي، أعاد المخاوف من شبح دورة جديدة من الاقتتال الجنوبي – الجنوبي، على غرار ما حصل في الحرب الأهلية خلال يناير/ كانون الثاني 1986.

فهادي متحدر مع العديد من القيادات الموالية له، من محافظة أبين، في مقابل تحدر قوات الانفصاليين من محافظة الضالع ومحيطها. وقد وصف “أبو اليمامة” أحد معسكرات الجيش التي رفعت راية اليمن الواحد في محافظة أبين بأنها “مرتبطة بتنظيم القاعدة”، مستدركاً بالإشادة بدور أبناء المحافظة.