تفرض سلطات الإمارات هيمنة حكومية على القضاء ما يمكنها من تكريس قمع المعارضة السلمية في البلاد وحظر أي حرية للرأي والتعبير.
وأبرز الناشط الحقوقي الإماراتي أحمد الشيبة أن الحكومة الإماراتية تهمين بشكل كامل على القضاء، ما منحها القدرة على تمديد احتجاز المعتقلين كما تشاء.
وذكر الشيبة في تصريحات تلفزيونية تابعتها “إمارات ليكس”، أن أبوظبي تمارس سلوكا استبداديا من دون حسيب أو رقيب، خصوصاً في ظل عدم وجود مؤسسات مجتمع مدني حقيقية.
وقال إن السلطات الإماراتية مازالت تحتجز العشرات من أعضاء قضية “الإمارات 94” منذ أكثر من 11 عاماً رغم انقضاء أحكامهم القضائية منذ سنوات.
وأضاف أن سلطات أبوظبي أقرت خلال السنوات الماضية قوانين قمعية تبيح لها تمديد احتجاز المعتقلين بعد انتهاء أحكامهم القضائية، وتسمح لها بقمع جميع الأصوات المعارضة.
والشيبة هو شقيق معتقل الرأي في سجون الإمارات خالد الشيبة النعيمي، ومعارض يقيم في المنفى منذ سنوات وسبق أن أدرجته أبوظبي على قوائم “الإرهاب” رفقة عدد من المعارضين في الخارج.
وقال الناشط الإماراتي إن سلطات أبوظبي قامت بـ”اختراع ما يسمى بمراكز المناصحة، وسنت قانوناً يمكنها من تمديد احتجاز المعتقلين بلا أي حد زمني أو حواجز قانونية”.
وأشار الشيبة، أن حكومة أبوظبي ترى نفسها فوق أي مسائلة من المنظمات الحقوقية، وتعتقد أنها لا تحتاج لتبرير سلوكها الاستبدادي للمجتمع الدولي، وتستخدم المال السياسي لشراء صمت بعض الدول والمنظمات.
وأكد أن الإمارات لا تكترث بتاتاً للمجتمع الدولي، ولا لأي ضغوطات تمارسها المنظمات الحقوقية، مستشهداً بتجاهل السلطات الإماراتية لقرار البرلمان الأوروبي الذي صدر في 2021 بشأن حالة حقوق الإنسان في الإمارات.
وسبق أن هاجم مركز مناصرة معتقلي الإمارات، غياب سيادة القانون في دولة الإمارات، مبرزا أنه لا حياد في القضاء لديها وهو ما يبرز بشدة في التعامل مع ملف معتقلي الرأي في السجون.
وقال المركز إن حياد القضاء يعد أصلاً من أصول القضاء المستقل، ولذلك فإن القوانين تحرص على حياد منصة القضاء، والتأكيد على أن القاضي الذي يتولى الفصل في المنازعة ليست له أية دوافع شخصية تجعله يميل إلى هذا الطرف أو ذاك.
وذكر أن مبدأ الحياد، هو ما يجعل من القضاء جهة مقبولة لأن تكون حكماً في الخصومات والمنازعات التي تنشأ بين الجمهور عامتهم وخاصتهم، جاهلهم ومتعلمهم، حاكمهم ومحكومهم.
وأبرز أن الأصل حينما ينظر القاضي في منازعات الخصوم، أن يتنحى عن نظر القضية إذا استشعر بالحرج، أو إذا توافرت فيه حالة من حالات الرد، أو حالات عدم الصلاحية، أو حالات المخاصمة.
فالقاضي إنسان، وهو بطبيعته البشرية له عواطفه وآراؤه الخاصة التي قد يتأثر بها في قضائه، فمهما تحلّى بالعدالة والنزاهة، فهو عرضة للتأثر بعواطفه أو أهوائه، أو آرائه التي سبق وأن أبداها في النزاعات التي فصل فيها.
ومن ثم فمن العسير أن يطلب منه أن يكون مستقلاً في عمله محايداً بين الخصوم إذا وضع في موقف لابد وأن يتأثر فيه بعواطفه وآرائه.
وتأسيساً على مبدأ استقلال القضاء وحياده، فقد نظم المشرّع الإماراتي الاتحادي في المواد من 114-124 من قانون الإجراءات المدنية الاتحادي، أحكام عدم صلاحية القضاة وردهم وتنحيتهم، وأيضاً في المواد 206 و 207 من قانون الإجراءات الجزائية الاتحادي.
إذ تنص المادة من 206 من قانون الإجراءات الجزائية الاتحادي على أنه: “يمنع على القاضي أن يشترك في نظر الدعوى إذا كانت الجريمة قد وقعت عليه شخصياً”.
كما تنص الفقرة الرابعة من المادة 115 على أنه يجوز رد القاضي إذا : “إذا كان بينه وبين أحد الخصوم عداوة أو مودة يرجح معها عدم استطاعته الحكم بغير ميل”.
لكن الغريب أن القانون الإماراتي ينتهك ضمانة حياد القضاء في قانون المحكمة الاتحادية العليا، حيث تنص المادة 34 على أنه: “لا يجوز رد رئيس أو قضاة المحكمة العليا”، وهذا يعني ببساطة أن ضمانات حياد القضاء لا تسري على أعضاء المحكمة الاتحادية العليا.
وهذا الانتهاك لم يكن نظرياً فقط بل تم تطبيقه عملياً في حالة معتقل الرأي الدكتور ناصر بن غيث، حيث ترأس المحكمة قاض من الجنسية المصرية.
وقد وجهت لبن غيث تهمة “ارتكاب عمل عدائي ضد دولة أجنبية”، وكان المقصود بهذه الدولة هي مصر، وذلك بسبب التغريدات التي انتقد فيها انتهاكات حقوق الإنسان في مصر وتسيس القضاء.
والحقيقة أن إسناد القضية إلى قاض مصري ينتهك مبدأ الخصومة القضائية وحياد القضاء، وكان الأصل على القاضي المصري أن ينتحى استشعاراً للحرج.
ذلك لأن التغريدات التي كتبها بن غيث تمس بلده، وهو ما قد يؤدي إلى عداوة يرجح معها عدم استطاعته القاضي المصري الحكم بغير ميل، هذا من الجانب.
أما من الجانب الآخر، فإن إسناد المهمة إلى قاضٍ مصري في قضية تمس النظام المصري رغم توفر قضاة إماراتيين أو حتى من جنسيات أخرى، يبدو وكأنها رسالة من السلطات الإماراتية لبن غيث، أننا قمنا بإحضار قاضٍ مصري لينتقم منك.
وهو أمر لا يكشف فقط عن عدم احترام السلطات الإماراتية لمبدأ الحياد في القضاء، بل أيضاً على الطبيعة السياسية والكيدية لمحاكمة الدكتور ناصر بن غيث، والتي إضافة إلى العوار القانوني الفاضح التي اعتراها من تعذيب وانتهاكات، فإنها كانت غير قانونية.
خصوصاً أن بن غيث تمت محاكمته أمام محكمة الاستئناف في أبوظبي وليس أمام المحكمة الاتحادية العليا، وبالتالي لا مجال للقول بأنه لا يمكن رد القاضي، وكان عليه أن يتنحى في قضية بن غيث على الأقل استشعاراً للحرج، لكن يبدو أن النظام القضائي في الإمارات لا يعرف الحرج ولا الحياء.