حصلت إمارات ليكس على وثائق تظهر تركيز النظام الإماراتي أطماعه الاقتصادية على سوريا من بوابة العلاقات الرسمية مع نظام بشار الأسد.
وكشفت الوثائق سعي النظام الإماراتي للترتيب مع نظام الأسد من أجل الاستحواذ على الحصة الأكبر في مشروع إعادة إعمار سوريا.
وأوضحت الوثائق أن أبوظبي توصلت إلى عدة تفاهمات مع كبار المسئولين في نظام الأسد لتأسيس شركات وكيانات اقتصادية مشتركة للسيطرة على عملية إعادة الإعمار.
وتضمن ذلك منح شعبة الأمن السياسي التابعة للنظام السوري عضو العائلة المالكة في أبوظبي رجل الأعمال صقر بن محمد آل نهيان الموافقة الأمنية لترخيص مجموعة استثمارية بنك عقاري خاص ليكون أول بنك إماراتي في سوريا.
وفي العامين الماضيين تصاعد تطبيعٍ إماراتي مع النظام السوري على مراحل، بعدما افتتحت أبوظبي رسمياً سفارتها في دمشق، التي ظلّت مغلقة لنحو سبع سنوات، في خروجٍ على الإجماع العربي بمقاطعة نظام الأسد لإيقاف جرائمه بحق أبناء الشعب السوري، والانصياع لقرارات الشرعية الدولية في التوصل لحلٍّ سياسي للقضية السورية.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، أعادت الإمارات فتح سفارتها في دمشق، بعد قطيعة دامت سبع سنوات، على خلفية أحداث الثورة السورية، وذلك في تخطٍ واضح لإجماع عربي على مقاطعة النظام السوري طالما لم ينه حربه المفتوحة على عموم السوريين المطالبين بالتغيير، وطالما لم ينصع لقراراتٍ دولية وضعت أسس الحل السياسي.
وخلال كلمة له أثناء الاحتفال بالعيد الوطني الإماراتي في السفارة الإماراتية في دمشق، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وصف القائم بالأعمال الإماراتي في سورية، عبد الحكيم النعيمي، بشار الأسد، بـ”القائد الحكيم”، مؤكداً قوة العلاقات وتميزها بين بلاده وسورية.
وقال النعيمي إن “العلاقات السورية الإماراتية متينة ومتميزة وقوية، أرسى دعائمها مؤسس الدولة، وأتمنى أن يسود الأمن والأمان والاستقرار في سورية، تحت ظل القيادة الحكيمة للدكتور بشار الأسد”.
من جهته، أكد نائب وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، خلال الحفل، أن بلاده “لن تنسى دور الإمارات في الوقوف إلى جانب سورية في حربها على الإرهاب”.
ومنذ بدء الثورة السورية عام 2011، كان واضحاً أن قادة في الإمارات اختاروا البقاء في ضفة النظام، على الرغم من هول جرائمه بحق السوريين.
واختارت بشرى الأسد شقيقة بشار الأسد، مدينة دبي دار إقامة لها عقب اغتيال زوجها آصف شوكت في منتصف عام 2012، هو الذي كان ركناً رئيسياً من أركان النظام. وكانت مصادر مطلعة قد تحدثت عن أن الإمارات منحت جنسيتها لبشرى الأسد في عام 2015.
كما كانت أنيسة مخلوف والدة الأسد، قد توفيت في مدينة دبي في فبراير/ شباط 2016، لتنقل من هناك ويجرى دفنها في ريف اللاذقية غربي البلاد، مسقط رأسها.
كما أن محمد مخلوف، وهو نجل رامي مخلوف ابن خالة بشار الأسد، يقيم في دبي، ما يعني وجود استثمارات هائلة لعائلة الأسد في دولة الإمارات التي لطالما ضيّقت الخناق على السوريين المؤيدين للثورة، خصوصاً في إمارتي دبي وأبوظبي، بل عمدت إلى ترحيل ناشطين سوريين على خلفية موقفهم المعارض للنظام. وحتى أواخر عام 2017، وصل عدد السوريين المبعدين بطريقة تعسفية من الإمارات، على خلفية معارضة النظام، إلى نحو 1070 أسرة.
وقد اعتقلت السلطات في الإمارات وعذّبت سوريين، من بينهم مستثمرون أقاموا لعقود فيها بحسب مصادر في المعارضة السورية تؤكد أن شخصياتٍ مرتبطة بالنظام، وتُعد واجهات لرئيسه بشار الأسد وشقيقه ماهر، تستثمر في الإمارات مليارات من الدولارات، نُهبت من السوريين قبيل الثورة وخلالها، مشيرة إلى أن “التقارب بين بن زايد والأسد ليس جديداً، لكنه بات علنياً أكثر من ذي قبل”.
واتخذ قادة إمارتي دبي وأبوظبي موقفاً معادياً لثورات الربيع العربي في تونس وليبيا ومصر واليمن وسورية، وأدّوا دوراً بارزاً في الثورات المضادة في دول عدة، منها سورية، إذ لعبت شخصيات سورية معارضة للنظام مرتبطة بالإمارات دوراً في تسليم الجنوب السوري كله للنظام في منتصف عام 2018، على الرغم من أن فصائل المعارضة في محافظة درعا كانت تمتلك إمكانيات الصمود لفترات طويلة أمام قوات النظام على الرغم من القصف الجوي الروسي.
ولعل خالد محاميد الذي كان عضواً بارزاً في هيئة التفاوض التابعة للمعارضة السورية، وأحمد العودة الذي كان قائد فصيل “قوات شباب السنّة”، وهو شقيق زوجة المحاميد، كانا في مقدمة الشخصيات التي سلّمت الجنوب السوري للنظام والروس في اتفاقات هشة سرعان ما انقلب النظام عليها، معيداً سيرته الأولى في الفتك والتنكيل بالمدنيين والمعارضين له.
ولم تتوقف محاولات الإمارات، إلى جانب دول أخرى منها مصر، لإعادة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية التي كانت قد جمّدت في نوفمبر/ تشرين الثاني مقعد سورية في الجامعة بسبب عدم اكتراث النظام بمبادرات عربية لإيجاد حل سياسي يجنب سورية الدمار، وهو ما حدث بعد ذلك.
لكن محاولات أبوظبي والقاهرة لم تنجح بسبب رفض أميركي معلن لعودة النظام إلى الجامعة العربية، في سياق ضغط سياسي عليه للالتزام بعملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة، والتي لا تزال متعثرة بسبب رفض النظام تسهيل مهمة المنظمة الدولية ما دام أن الحل السياسي لا يبقي بشار الأسد في السلطة.
كذلك يدخل التقارب المعلن بين الإمارات ومصر مع النظام السوري في سياق العداء مع تركيا التي باتت لاعباً بارزاً في الملف السوري، بل بات الشمال السوري منطقة نفوذ تركي بلا منازع، في ظلّ غياب أي دور عربي حقيقي وجاد داعم لمطالب السوريين في التغيير بعد تسع سنوات من القمع الذي أدى إلى مقتل وتشريد نحو نصف الشعب السوري على يد النظام وداعميه الروس والإيرانيين المستفيدين من تخاذل عربي واضح.
والإمارات لم تُخف العداء للربيع العربي منذ انطلاقته، وعدّته على الرغم من عدم وصوله إليها خطراً يهدد الحكم، لذلك، كانت رأس حربة في وأد تجاربه الفتية عبر قيادة مشروع الثورة المضادة في مصر، وتعميمها في باقي بلدان الربيع.
وعليه فإن موقف أبوظبي بالتركيز على سوريا لم يخرج عن المحددات السابقة، رغم أنها اضطرت تحت وطأة الموقف العربي والدولي ضد النظام إلى اتخاذ موقف مساند ظاهرياً، مع إبقاء قنوات التواصل الاستخباري والمعلوماتي داخلياً.
يثبت ذلك أن الإمارات كانت على الرغم من استضافتها لبعض المعارضين السوريين، وجهة اقتصادية مريحة لرجال الأعمال المرتبطين بالنظام لمزاولة نشاطهم وتجاوز العقوبات.
كما أن الإمارات بدأت منذ عام 2014 التأثير عسكرياً في الداخل السوري من خلال السعي للهيمنة على الجبهة الجنوبية، في محاولة لتأسيس جسم في الجنوب السوري يوازن النفوذ التركي في الشمال ويحد من هيمنة الفصائل الإسلامية.