موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

علياء عبد النور .. الإماراتية التي حرمت من العدالة في وطنها

227

حقوق الإنسان في الإمارات.. حلت قبل ثلاثة أيام الذكرى السنوية الأولى لرحيل الناشطة الإماراتية علياء عبد النور، التي توفيت بعد صراع مع مرض السرطان داخل سجون النظام الحاكم.

وعرفت الراحلة علياء بأعمالها الخيرية ونشاطها الاجتماعي التطوعي ومساعدتها للمحتاجين في سوريا والإمارات والعديد من دول العالم.

لكن نشاطها الخيري، دفع قوة عسكرية من جهاز أمن الدولة لاقتحام منزلها في 28 يوليو 2015 وقامت بتكسير الباب في غياب والدها دون تقديم مذكرة تفتيش أو قبض، والاعتداء عليها بالضرب والركل وتكبيلها وتغميتها وترهيب عائلتها بالكلاب البوليسية.

ورغم النصوص القانونية فان علياء عبد النور تعرضت للإخفاء القسري وبقيت فيه لمدة أربعة أشهر ولم يسمح لها بالتواصل مع أسرتها إلا مرة واحدة طيلة فترة الاحتجاز، فوضعت في زنزانة فردية ضيقة دون سرير أو غطاء أو وسيلة تهوية، كما حرمت  من التريض والخروج إلى الشمس لمدة 3 أشهر متواصلة وغيرها من الانتهاكات.

و”الاختفاء القسري”: هو الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون.

ويحظر القانون الدولي “الاختفاء” في كل الظروف، وتنص “اتفاقية الاختفاء القسري” على أنه: “لا يجوز التذرع بأي ظرف استثنائي كان، سواء تعلق الأمر بحالة حرب أو التهديد باندلاع حرب، أو بانعدام الاستقرار السياسي الداخلي، أو بأية حالة استثناء أخرى، لتبرير الاختفاء القسري”.

وتعرضت علياء عبد النور للتنكيل في حقها خلال التحقيق الذي كان يتم وهي معصوبة العينين ومقيدة لساعات طويلة دون مراعاة لحالتها الصحية التي شهدت تدهورا منذ اعتقالها نتيجة لتعرضها للترهيب النفسي والتهديد المستمر كما تم تهديدها بقتل والديها وشقيقتها إذا لم تستجب لأوامر المحققين.

وكشفت المعتقلة في السجون الإماراتية – آنذاك – في رسالة بخط يدها عن “هول” التحقيقات بحقها، واشتكت من آلام حادة في الظهر والعظام من شدة وطول الجلوس على كرسي التحقيق (وكان التحقيق يبدأ من الصباح حتى ساعة متأخرة من الليل تمنع خلالها من الراحة وأداء الصلاة).

وفي 5 مايو 2017، حكمت المحكمة الاتحادية العليا في أبو ظبي على علياء عبدالنور، بالسجن 10 سنوات استنادا إلى مواد من قانون مكافحة الجرائم الإرهابية ومواد من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات.

واعتبرت ذات المحكمة جهد الناشطة الخيرية في جمع تبرعات للمتضررين من الحرب في سوريا وبعض الأسر المحتاجة المقيمة في الإمارات “جريمة كبيرة” ولكن ردت  “علياء” عن تلك التهم  في رسالة مسربة من داخل السجن قائلة “كنت أساعد الفقراء”.

وعلى مدار تسع جلسات ترددت على المحكمة السابقة، حرمت “علياء” من التمثيل القانوني، إذ كان يتم تهديد أي محامي يتولى الدفاع عنها، ولم تواجه بأي دليل إدانة مادي، سوى سجل المواقع الإليكترونية التي كانت تتصفحها، واتهمت أنها على علاقة بالأشخاص الذين كانت ترد أسماؤهم في تلك المواقع.

كما اتهمتها ذات المحكمة بتمويل بعض “الجماعات الإرهابية” في الإمارات.

ومجددا، عاد مرض السرطان الذي شفيت منه الراحلة عام 2008 إلى جسدها داخل سجن “الوثبة” لتجد نفسها رهينة الظلم والمرض في آن وحد.

وتفاقمت حالتها الصحية فظهرت على جسدها تورمات بالغدد الليمفاوية وتكيس وتليف بالكبد، وأصيبت بهشاشة في العظام نتيجة احتجازها مدة كبيرة بغرفة شديدة البرودة دون غطاء، عوضا عن حرمان والديها من الزيارة لأكثر من شهرين، ولم يتم مراعاة حالتها الصحية وتوفير الرعاية الطبية والغذائية اللازمة مما أدى إلى فقدان الضحية لوزنها بشكل كبير وانتشار مرض السرطان في جسدها.

ورغم عدم قدرتها على التحرك أو المشي بصورة طبيعية لم يتم توفير كرسي متحرك لتنقلها من السجن إلى سيارة الترحيلات وتعريضها للمشي تحت الشمس وهي مقيدة.

وفي مايو عام 2018، تعرّضت “علياء” للتعذيب والضرب والتقييد والحرمان من النوم، وقالت في مكالمة هاتفية مسربة: “أشعر بضيق شديد في صدري. إنهم يتعمدون استفزازي. أريد فقط أن أتصل بكم .. محبوسة في غرفة لمدة سنة، لا خروج ولا هواء، من حقي أطمئن على أمي وأبي، وأتواصل معكما”.

ووضعت الأمم المتحدة في قواعدها الدنيا النموذجية لمعاملة السجناء معايير تتضمن مبادئ توفير الرعاية الصحية أثناء السجن و ينص العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على أن السجناء لهم حق في أعلى مستوى يمكن بلوغه من الصحة البدنية والعقلية.

لكن السلطات الإماراتية لم تكترث لتلك القوانين، وتأثرت صحة المعتقلة علياء بشكل كبير بسبب ما لحقها من تعذيب وتنكيل منذ لحظة الاعتقال خاصة في ظل انتشار المرض في أجزاء من جسدها وسط غياب الرعاية ليم نقلها إلى مستشفى المفرق الحكومي رغم عدم تخصصه في علاج وضعها الحرج.

ومع ذلك تواصل تقييد المعتقلة طيلة فترة وجودها في المستشفى مع تشديد الحراسة عليها في ظروف سيئة للغاية دون السماح لأسرتها بزيارتها أو مرافقتها، كما كانت ممنوعة من  أبسط حقوقها كالخروج للشمس، ولم يسمح لها إلا بالذهاب إلى الحمام، وهو ما جعل حالتها تسوء أكثر وتتعرض للإغماء باستمرار وقد أبدت تقارير حقوقية خشيتها من تعرض علياء لما أسمته “القتل البطيء الممنهج” على يد السلطات الإماراتية، بحرمانها من حق العلاج المناسب.

وبحسب تقري منظمة “هيومن رايتس ووتش” فإن التقرير الطبي  يشير إلى أن علياء احتاجت إلى بدء العلاج الكيميائي في أعقاب عملية جراحية، لكنهم زعموا رفضها العلاج، وقد أكدت المنظمة أن عائلة علياء أكدت أن ابنتهم أخبرتهم، خلال إحدى زياراتهم إلى مستشفى المفرق، أن حارسة السجن أجبرتها على التوقيع على وثيقة تفيد برفضها العلاج.

كما أصدرت المنظمة بيانا تحدثت فيه عن ما تعانيه علياء عبد النور وتوجهها نحو الحكومة الإمارتية بضرورة الإفراج عنها وفقا لما جاء في الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان.

وفي 10 يناير 2018م نقلت السلطات الإماراتية علياء إلى “مستشفى توام” ولكن كانت تحصل على مسكنات للألم، وفي 21 يناير سُمح لبعض من أفراد أسرتها بزيارتها وقالوا: إنها كانت مقيدة بالسلاسل وتحت حراسة مشددة.

وعندما طلبوا من حراس السجن إزالة القيود التي تسبب آلامها، قالوا “إن القيود لن تُزال إلا عند وفاتها”.

وتوسلت عائلة علياء لمسؤولين إماراتيين بأن يخلوا سبيلها كي تعيش أيامها الأخيرة في بيتها، لكن كان الرفض والتجاهل هو ما تقدمه السلطات لنداءاتها.

وفي 4 مايو 2019 فارقت الشابة الإماراتية والناشطة الاجتماعية علياء عبد النور الحياة مقيدة في حبسها بمستشفى “العين توام” بعد أن قضت السلطات على كل فرصة لها للبقاء أو حتى لقضاء آخر أيامها وسط عائلتها في مخالفة للقانون الإماراتي ومبادئ حقوق الإنسان وكل الأعراف القانونية والأخلاقية.

وكانت المنظمة العربية لحقوق الإنسان – بريطانيا، اتهمت النظامَ الإماراتي بالوحشية، وقالت إن: “حالة علياء عبد النور تثبت وحشية النظام الإماراتي، وتجاوزه لكل الخطوط الحمراء في الملف الحقوقي الداخلي، ويدق ناقوس الخطر على حالات أخرى تعاني من أمراض خطيرة، كما يثبت نفاق المجتمع الدولي وعدم رغبته في الضغط على النظام الإماراتي لإطلاق سراح المعتقلين والمعتقلات”.

كما قالت منظمة العفو الدولية إن السلطات الإماراتية “فشلت في إظهار الرحمة والإفراج عن علياء لتمضي آخر أيام حياتها مع عائلتها”، فيما قال مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إن دعوات خبراء الأمم المتحدة لحقوق الإنسان للإفراج عنها لتعيش أيامها الأخيرة بكرامة، قد قوبلت بالتجاهل.

في حين، قال السيناتور ماركو بيردوكا عضو لجنة الشؤون الخارجية وحقوق الإنسان الإيطالية، “إن مأساة مثل حالة علياء عبد النور تشكل انتهاكات للمعايير الدولية وجميع مواثيق حقوق الإنسان” مضيفا أنه “يجب على الدول الأوروبية أن تتحد في شجب ما حدث ضد شخص بريء أدين دون أي دليل”.

ولا تزال تساؤلات مجموعة من كبار المحامين وخبراء حقوق الإنسان حول وفاة الناشطة الإماراتية، قائمة، وكيف انتهت في دولة التسامح والسعادة؟ وكيف طويت صفحتها في سجل الدولة دون تحقيق ولا محاسبة لكل من تسبب في معاناتها؟.