يشكل قانون الجرائم الإلكترونية في الإمارات تعبيرا صريحا عن القمع والاستبداد في ظل ما يتضمنه من مواد تخنق كافة أشكال الحريات العامة وتشكل سيفا مسلطا على رقاب النشطاء والمدونيين.
وتناولت منظمة هيومن رايتس ووتش الدولية في تقرير لها، قانون الجرائم الإلكترونية الإماراتي الجديد، القانون الاتحادي رقم 34 لسنة 2021 بشأن مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية، الذي حل محل قانون الجرائم الإلكترونية القمعي لعام 2012 الذي استخدم مرات عديدة لإسكات المعارضين والصحفيين والنشطاء وأي شخص ترى السلطات أنه ينتقد الحكومة أو سياساتها أو ممثليها.
وذكرت المنظمة أن القانون الجديد، الذي يكرر أحكاما مسيئة من سابقه ويضيف أحكاما جديدة غامضة الصياغة ومقلقة، يقيّد بشكل أكبر المساحة المحدودة أصلا والمراقبة بشدة على الإنترنت، ما يشكل تهديدا خطرا لحرية المعارضين السلميين ويجعل الأمر أكثر صعوبة على المواطنين العاديين والمقيمين والزوار على حدٍ سواء لمعرفة أنواع الأنشطة عبر الإنترنت التي يمكن أن تؤدي إلى الاعتقال والمحاكمة.
المادة 1 من القانون الجديد تُعرِّف “المحتوى غير القانوني” بأنه المحتوى الذي من شأنه “الإضرار بأمن الدولة أو سيادتها أو أيا من مصالحها… أو بالعلاقات الودية للدولة مع الدول الأخرى… أو التحريض على مشاعر العداء أو الكراهية… عند نشره أو تداوله أو إعادة تداوله… أو انخفاض ثقة العامة في ممارسات… الدولة أو أي من مؤسساتها”.
إن هذا التعريف الغامض والمبالغ فيه يحظر فعليا أي تعبير يُدلى به في المنتديات العامة عبر الإنترنت أو في الدردشات الخاصة التي لا توافق عليها الحكومة.
المادة 20، التي تتطابق مع مادة غالبا ما يتم انتقادها في القانون القديم، تنص على عقوبة تصل إلى السجن المؤبد لأي شخص يستخدم الإنترنت “للدعوة إلى قلب أو تغيير نظام الحكم في الدولة أو الاستيلاء عليه، أو إلى تعطيل أحكام الدستور أو القوانين السارية، أو مناهضة المبادئ الأساسية التي يقوم عليها نظام الحكم”. ينص على نفس العقوبة لمن يحرض على أي من الأفعال المذكورة أو يسهّلها للغير.
تنص المادة 22 على أحكام بالسجن تتراوح بين ثلاثة و15 عاما لأي شخص يستخدم الإنترنت لكي “يقدم إلى أي منظمة أو مؤسسة أو هيئة أو أي شخص أو كيان معلومات … غير مصرح بنشرها أو تداولها، وكان من شأنها الإضرار بمصالح الدولة أو الإساءة إلى سمعتها أو هيبتها أو مكانتها”.
تُجرّم نسخة قديمة من هذه المادة هذا الفعل فقط إذا اعتُبرت المعلومات التي تم تداولها “غير صحيحة أو غير دقيقة أو مضللة”، لكن هذا الشرط قد ألغي.
كان هذا الحكم من بين الأحكام المستخدمة للحكم على الحقوقي البارز أحمد منصور بالسجن 10 سنوات. دخل منصور، المحتجز في سجن الصدر قرب أبو ظبي، عامه الخامس في الحبس الانفرادي.
المادة 23، المطابقة لحكم آخر في القانون القديم، تنص أيضا على عقوبات بالسجن تتراوح بين ثلاث سنوات و15 سنة وغرامة تصل إلى مليون درهم لكل من يستخدم الإنترنت “بقصد التحريض على أفعال، أو نشر أو بث معلومات أو أخبار أو رسوم كارتونية أو أي صور أخرى من شأنها تعريض أمن الدولة ومصالحها العليا للخطر أو المساس بالنظام العام”.
تنص المادة 25 على عقوبة بالحبس لا تتجاوز خمس سنوات وغرامة تصل إلى 500 ألف درهم (136 ألف دولار) لأي شخص يستخدم الإنترنت “بقصد السخرية أو الإضرار بسمعة أو هيبة أو مكانة الدولة، أو مؤسساتها، أو أي من قادتها المؤسسين أو علم الدولة أو السلام أو الشعار أو النشيد الوطني أو أي من رموزها الوطنية”.
نصت نسخة قديمة من هذا الحكم على أحكام بالحبس تتراوح بين ثلاث و15 عاما، واستخدمتها المحكمة للحكم على الصحفي الأردني تيسير النجار بالسجن ثلاث سنوات وغرامة قدرها 500 ألف درهم إماراتي (136 ألف دولار أمريكي) في عام 2017 بسبب منشورات على فيسبوك قبل سنوات انتقد فيها مصر وإسرائيل ودول الخليج أثناء إقامته في الأردن قبل أن ينتقل إلى الإمارات للعمل. توفي النجار في فبراير/شباط 2021 في الأردن، بعد عامين من إطلاق سراحه من السجن في الإمارات.
أُدرِجت مادة جديدة (المادة 28) تحظر تحديدا أي عمل من شأنه “الإساءة إلى دولة أجنبية”، في القانون وهي تنص على عقوبة بالحبس لمدة ستة أشهر كحد أدنى بالإضافة إلى غرامة لا تتجاوز 500 ألف درهم (136 ألف دولار).
يفرض القانون الجديد أيضا قيودا صارمة على الحق في التجمع السلمي وحرية تكوين الجمعيات. تُجرِّم المادة 26 مثلا استخدام الإنترنت في “التخطيط أو التنظيم أو الترويج أو الدعوة لمظاهرات أو مسيرات أو ما في حكمهما دون الحصول على ترخيص من السلطة المختصة”.
قد تكون العديد من أحكام القانون الجديد ضارة بشكل خاص لحريات وسائل الإعلام، والتي ما تزال مقيدة بشدة رغم أن وسائل الإعلام الدولية لها مكاتب في البلاد.
تنص المادة 19 على عقوبة الحبس لمدة لا تزيد عن سنة أو غرامة على كل مسؤول عن إدارة موقع أو حساب إلكتروني نشر محتوى أو بيانات أو معلومات لا تتوافق مع معايير المحتوى الإعلامي الصادرة عن السلطات المختصة.
كما تنص المادة 43 على أحكام بالحبس تصل إلى ثلاث سنوات بتهمة قذف وسب الغير وتعتبر مثل أن هذا الفعل الموجه ضد موظف عام يستحق تغليظ العقوبة.
في يناير/كانون الثاني، وافق مجلس الوزراء الإماراتي على “الإطار العام للاستراتيجية الإعلامية لدولة الإمارات”، والتي تهدف، بين أمور أخرى، إلى “إدارة سمعة الدولة”، والتي تقدم لمحة عامة عن المحتوى الممنوع من النشر في كل من الوسائط التقليدية والرقمية، بما في ذلك في مناطق التجارة الحرة، وكذلك بين مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي والمؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي.
بعض الصحفيين – المهنيين الذين يعتمد عملهم على الحق في حرية التعبير والذين تعمل مكاتبهم في المناطق الحرة – قالوا سابقا لـ هيومن رايتس ووتش إنهم يتعرضون لضغوط مستمرة تفرض عليهم الرقابة الذاتية.
يحتوي القانون على فرع جديد بالكامل بعنوان “نشر الإشاعات والأخبار الكاذبة”. تنص المادة 52 على عقوبة بالحبس لا تزيد على سنة واحدة وغرامة لا تقل عن 100 ألف درهم (27.225 دولار) لكل من يقوم بإذاعة أو نشر أو إعادة نشر أو تداول أو إعادة تداول أخبار أو بيانات كاذبة… أو مضللة أو تخالف “ما تم الإعلان عنه رسميا” أو “بث أي دعايات مثيرة من شأنها تأليب الرأي العام أو إثارته أو تكدير الأمن العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة أو الاقتصاد الوطني أو بالنظام العام أو بالصحة العامة”.
ينص على عقوبة بالحبس لمدة أقصاها سنتان إذا ارتكبت مثل هذه الأفعال بزمن الأوبئة أو الأزمات أو الطوارئ أو الكوارث.
الأحكام الجديدة تتناول أيضا ظاهرة تسليح الحسابات التي يديرها الإنسان (المتصيدون) والحسابات الآلية (الروبوتات) لنشر المعلومات المضللة والترويج لها على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، وهي ممارسة يبدو أن حكومة الإمارات نفسها انتهجتها لتعزيز أجنداتها وسياساتها السياسية.
تنص المادة 54 بشأن حسابات الروبوت الآلية على عقوبة بالحبس لا تزيد عن سنتين و/أو غرامة تتراوح بين 100 ألف ومليون درهم (272,250 دولار) لكل “من أنشأ أو عدل روبوت إلكتروني بقصد نشر أو إعادة نشر أو تداول بيانات أو أخبار زائفة في الدولة” أو تمكين الآخرين من فعل الشيء نفسه.
كما تنص المادة 55 الخاصة بالحسابات التي يديرها الإنسان على عقوبات بالسجن تصل إلى ثلاث سنوات لمن يطلب أو يقبل أو يأخذ، بشكل مباشر أو غير مباشر، عطية [هدية] أو منفعة مادية أو معنوية، أو وعد بها، مقابل نشر أو إعادة نشر محتوى غير قانوني.
يعاقب بنفس العقوبة كل من أدار أو أشرف على تشغيل حساب أو موقع إلكتروني مسيء، أو استأجر أو اشترى مساحة إعلانية عليه. تنص المادة أيضا على أنه يجوز للسلطات المختصة اعتبار موقع أو حساب إلكتروني موقعا مسيئا إذا تحقق لديها تكراره نشر بيانات زائفة أو محتوى مخالف للقانون.