كشفت صحيفة هآرتس الإسرائيلية سجلاً سرياً لمواعيد واتصالات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لعام 2024، وهو العام الذي شهد ذروة الحرب على قطاع غزة، واندلاع واحدة من أكثر الأزمات السياسية والإنسانية تعقيدًا في التاريخ المعاصر.
وبين تفاصيل الاجتماعات والضغوط التي مارسها نتنياهو على الكونغرس والإدارة الأميركية، تبرز مكالمة سرّية مع الرئيس الإماراتي محمد بن زايد في 29 أكتوبر 2024، لم يُعلن عنها قط، لكنها تكشف الكثير عن الدور الإماراتي في حماية إسرائيل في لحظة كانت فيها تواجه خطر العزلة الدولية، وتتصاعد فيها الضغوط لفرض عقوبات، أو حتى إصدار مذكرات اعتقال دولية بحق قادة الاحتلال.
والمكالمة التي جرت في 29 أكتوبر، في توقيت بالغ الحساسية، لم تكن — وفق مصادر الصحيفة — مجرد تواصل بروتوكولي. فقد جاءت في مرحلة شهدت:
تسارع وثائق ووثائقيات تحقيقية تثبت وقوع جرائم حرب في غزة وتحركات داخل المحكمة الجنائية الدولية لدراسة إصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وقيادات أمنية عليا إلى جانب تصاعد الحديث في الكونغرس الأميركي عن تجميد توريد السلاح لإسرائيل بسبب ارتفاع عدد الضحايا المدنيين.
في هذا السياق، تبدو المكالمة—بغياب أي إعلان رسمي عنها—جزءًا من شبكة علاقات توظفها أبوظبي لصالح حماية نتنياهو من الانهيار السياسي والقانوني. ما يثير السؤال المحوري: هل لعبت الإمارات دورًا غير مرئي في إدارة حرب غزة، عبر دعم دبلوماسي يهدف لمنع سقوط القيادة الإسرائيلية؟
شبكة النفوذ التي أنقذت شريان السلاح
يكشف السجل السري جانبًا آخر من عمليات الدعم التي تلقاها نتنياهو، إذ أجرى 7 لقاءات و9 مكالمات مع السيناتور الجمهوري المؤثر ليندسي غراهام وسلسلة اتصالات مكثفة مع رئيس مجلس النواب مايك جونسون لترتيب خطاب الكونغرس وتسريع تمرير المساعدات العسكرية.
وهذه التحركات، وفق التقرير، لم تكن ممكنة بالزخم نفسه دون شبكة دعم إقليمية توفر لإسرائيل أدوات تأثير داخل واشنطن. هنا يظهر الدور الإماراتي، فالإمارات اليوم تمتلك علاقات متينة مع الحزبين في الولايات المتحدة وحضورًا قويًا في مراكز النفوذ السياسي والإعلامي ونفوذًا اقتصاديًا واستثماريًا ضخمًا داخل الولايات المتحدة.
وعليه، يصبح واضحًا كيف يمكن لاتصال واحد من مستوى محمد بن زايد أن يساعد نتنياهو في تعبئة القنوات الأميركية لوقف أي توجه نحو تجميد السلاح أو فرض قيود على الدعم العسكري.
أبوظبي… من التطبيع إلى الشراكة الأمنية غير المعلنة
منذ توقيع اتفاقيات “أبراهام”، تحوّلت العلاقة بين الإمارات وإسرائيل من تطبيع سياسي واقتصادي إلى مستوى أكثر حساسية: التعاون الأمني والاستخباراتي. ومع بدء حرب غزة، لم تقطع أبوظبي هذه الجسور، بل حافظت على قنوات اتصال غير معلنة، بدافع:
حماية مشروع التطبيع من الانهيار الكامل نتيجة الغضب الشعبي العربي.
ضمان استمرار التعاون الأمني والتكنولوجي الذي ترى فيه الإمارات عنصرًا رئيسيًا في مشروعها الإقليمي.
منع تراجع الدور الإماراتي لصالح لاعبين آخرين في المنطقة، خاصة قطر وتركيا، اللتين تولّتا وساطة إنسانية مباشرة.
في ضوء هذا، يمكن فهم المكالمة السرية كجزء من سياسة إماراتية تهدف إلى تثبيت إسرائيل كشريك استراتيجي حتى في أحلك الظروف.
وتشير تسريبات هآرتس إلى أن أحد محاور الجهود الخفية التي قادها نتنياهو هو التصدي لمذكرات الاعتقال الدولية مستفيدا من دعم أبوظبي وعلاقاتها مع أطراف أوروبية وأفريقية عبر الاستثمارات والموانئ وصفقات السلاح.
وبالمحصلة تكشف سجلات نتنياهو لعام 2024 أن الإمارات لم تكن مراقبًا صامتًا للحرب على غزة، بل طرفًا فاعلًا في حماية القيادة الإسرائيلية خلال أخطر مرحلة سياسية مرت بها منذ عقود
إذ أن النفوذ الإماراتي لعب دورًا في منع تجميد السلاح الأميركي لإسرائيل، والعمل على تخفيف الضغوط الدولية، فضلا عن حماية نتنياهو من الملاحقة، وتأمين شبكة دعم إقليمية لإسرائيل.
