تعيش الإمارات على وقع فصيحة فساد كبرى ضربت البلاد ووصلت إلى القضاء الذي أصدر أحكام مغلظة بالسجن وسط مطالبات من نشطاء حقوقيين لكشف عشرات ملفات الفساد الأخرى المرتبطة بكبار المسئولين في الدولة.
وأصدرت محكمة جنايات أبوظبي، الحكم بالسجن 15 سنة على رئيس مجلس إدارة سابق لإحدى الشركات الحكومية بإمارة أبوظبي، و10 سنوات لمدير تنفيذي في الشركة ذاتها، مع إلزامهما بالتضامن بينهما برد مبلغ 149 مليون يورو للشركة المجني عليها، وتغريمهما 149 مليون يورو، ومبلغ 51 ألف درهم كتعويض مؤقت للشركة المدعية بالحق المدني، مع الإبعاد عن الدولة للمتهم الثاني.
وأدان الحكم المتهم الأول باستغلال وظيفته والاستيلاء بغير حق على مبلغ 149 مليون يورو، بعد بيعه أسهم مملوكة له لصالح الشركة التي يترأس مجلس إدارتها، مخفياً حقيقة ملكيته لها، بمبلغ 210 مليون يورو، وبقيمة تزيد على قيمتها السوقية.
كما أدانت المحكمة المتهم الثاني في القضية، بتهمة استغلال وظيفته وتسهيل استيلاء المتهم الأول على أموال الشركة.
وكانت نيابة الأموال الكلية بإمارة أبوظبي، باشرت التحقيق في هذه الجرائم بعد أن تم الكشف عنها في سياق تحقيقات بشأن قضايا فساد تورط فيها كلا المتهمين الأول والثاني.
وعليه قامت بإحالتهما إلى محكمة الجنايات، إذ وجّهت للمتهم الأول تهم استغلال الوظيفة والاستيلاء على المال العام، ووجهت للمتهم الثاني تهمة تسهيل الاستيلاء على المال العام، إضافة إلى تهمة الاضرار بمصالح الشركة المجني عليها لكلا المتهمين.
كما اتضح للمحكمة، أن الأدلة الفنية وشهادة الشهود، أكدت قيام المتهم الثاني بخداع مجلس إدارة الشركة المجني عليها، بعدما أوصى بالموافقة على صفقة شراء الأسهم، مدعياً أنها مملوكة لأحد البنوك، وأن شراء هذه الأسهم سيعطي الشركة العديد من المميزات والفرص الاستثمارية التي قد يطرحها البنك مستقبلاً، من دون أن يبيّن حقيقة ملكية المتهم الأول للأسهم، إضافة إلى عدم حصول الشركة على أي من المميزات المزعومة التي أوردها المتهم الثاني بتوصيته.
وتبين كذلك للمحكمة أن تحويل قيمة الأسهم لحساب المتهم الأول، تضمنت العديد من الخطوات والتعقيدات بهدف تمويه حقيقة ملكية الأسهم بالتعاون مع أحد البنوك، إذ قام المتهم الأول بعقد اتفاقية استثمار مع البنك للمبلغ المتحصل من الجريمة، في مقابل عمولة بلغت مليون يورو للبنك، و15 مليون يورو للشركة الوسيطة، التي شاركت في تمويه مصدر الأموال المستولى عليها.
وتساءل ناشطون عن مصير قضايا فساد أخرى قالت تحقيقات ماليزية وأمريكية أن سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة تورط فيها في عملية وصفت بأنها أكبر عملية احتيال في التاريخ.
ويضرب الفساد أركان دولة الإمارات في وقت تحاول فيه السلطات باستمرار التغطية عليه من خلال مواقف حازمة تقتصر على الجانب الدعائي.
وصرح حارب العميمي رئيس ديوان المحاسبة ورئيس منظمة الانتوساي بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفساد العام الماضي بأن “الدولة تعمل بالمشاركة مع بقية دول العالم على مناهضة الفساد وتجفيف منابعه من خلال سن القوانين والتشريعات وإرساء مبادئ الشفافية والمساءلة وتعزيز أنظمة العدالة الجنائية لملاحقة الفاسدين ومحاسبتهم بما في ذلك فتح باب التعاون مع دول العالم من أجل تبادل المعلومات وملاحقة الأموال المتأتية من أعمال الفساد”.
ولكن مراقبين يؤكدون أن ديوان المحاسبة الذي نص على أعماله وصلاحياته الدستور تقتصر ولايته وصلاحيته على بعض المؤسسات الاتحادية ولا يستطيع الرقابة على المؤسسات المحلية وهي التي يقول المراقبون إنها تشمل خروقات واسعة من الفساد وعدم الشفافية.
فالعميمي نفسه، ومنذ 2011، يطلق تصريحات للصحافة المحلية ويكررها كل عام، من أن هناك قضايا بمليار درهم فساد، وأنه تم استرداد 200 مليون درهم، ويسكت!
وبحسب “تقرير الثابت والمتحول 2015” الصادر عن مركز الخليج لأبحاث التنمية، فإنه لا توجد في الإمارات جهةٌ مستقلة كلّياً يمكن أن تنشرَ مُعدّلات الشّفافيّة والفساد بنزاهة، ولكن خلال السّنوات الأخيرة اهتمّت الدّولة بكشْف عددٍ من المسئولين المُتّهمين بالفساد المالي والإداري، وقيادات أخرى في القطاع شبه الحكومي، وتمّ تقديم عددٍ منهم إلى المحاكمات.
وأضاف التقرير، كما في باقي الدول فإنّ الفساد في الإمارات يُمارَس بطرقٍ مختلفة، منها الفساد المُباشر، من قبيل تلقّي الرّشاوي، وقد تصاعد معدّل هذه الظّاهرة في السّنوات الأخيرة، وتمّ رصد عددٍ من موظّفي الدّولة، وخاصة في شئون العمل، والهجرة والجوازات والأمن والدّوائر الاقتصاديّة والبلديات.
ومن مظاهر الفساد، وفق التقرير، استغلال المنصب والنّفوذ عبر العقود الخاصة مع مؤسّساتٍ حكوميّةٍ، وبخاصةٍ في قطاعات الإسكان والشّرطة والقوّات المسلّحة، وعقود المُشتريّات والتوريد وغيرها.
وأكد التقرير، هناك تزاوجٌ غير شرعي بين المال والمنصب الحكومي، وهو ما عطّل كثيراً من القرارات الحكوميّة والقوانين إزاء محاربة الفساد، واحتكار الخدمات.
وتابع التقرير، الفساد في الإمارات يتضمّن شقّين: الاتّحادي والمحلّي. وتتضاءل صور الفساد ومعدّلاته في الشّقّ الاتّحادي، وذلك بسبب ارتفاع معدّل آليّات المراقبة والمحاسبة. بينما تزداد حدّته في الحكومات المحلّيّة نظراً لغياب أو ضعف دور المؤسّسات التّشريعيّة والرّقابيّة.
وما يتناقله بعض المستثمرين ورجال الأعمال من قضايا فساد؛ تُشير إلى وجود عمليّات فساد واحتيال غير موثقة، وخاصة في قطاعات البنوك والدّوائر العماليّة والاقتصاديّة والأمنيّة، بحسب التقرير.
ويبقى ما يُعرف ب “الفساد الكبير”، وهو المتعلّق بالنّفوذ السّياسي الممزوج بالاقتصادي، وخاصة فيما يخصّ بأموال النفط وصفقات السلاح والأراضي؛ يبقى هذا الفساد ضبابيّاً، ويفتقرُ إلى المعلومات وجهات المحاسبة المُستقلّة، والتي بإمكانها أداء دور الرّقابة الفعليّة، خلُص التقرير.
ويدفع حكام الإمارات بفسادهم وفشلهم الإداري بالبلاد إلى مزيد من التراجع في ظل تأكيد تقرير دولي تواصل انحدار الإمارات في مؤشر العدالة العالمية ومكافحة الفساد.
ومؤخرا أكد التقرير الدولي الذي أصدرته مؤسسة مشروع العدالة العالمية ومؤشر سيادة القانون لسنتي 2017-2018، أن معدلات الإمارات انخفضت بشكل بارز في الاحصائيات من حيث عامل انعدام الفساد، وتراجع الالتزام بسيادة القانون.
وذكر التقرير أن الإمارات تعاني من تراجع كبير انعدام التمييز وحق الحياة والأمن والمحاكمة وفق الأصول القانونية وحرية التعبير وحرية الاعتقاد والحق في الخصوصية وحرية تكوين الجمعيات وحقوق العمال.
كما أبرز التقرير انحدار المستوى في تعامل الإمارات في الضوابط على سلطات الحكومات ومدى التزام الحكام بالقوانين في ظل سياسة حكام الإمارات الديكتاتورية وقمعهم معارضيهم.
ويقيس التقرير المذكور التزام 113 بلدا في العالم بتكريس مبدأ سيادة القانون مرتكزاً على أكثر من 3 آلاف رأي من طرف خبراء متخصصين، إضافة إلى بحث شمل 110 آلاف أسرة.
ومنذ إصدار مؤشر سيادة القانون الماضي، تراجعت نتائج أغلبية الإمارات بشكل مستمر في المجالات التالية: حقوق الإنسان، الضوابط على سلطات الحكومات والعدالة المدنية والعدالة الجنائية.