كشف تقرير عبري عن تعاون استخباراتي بين الإمارات وإسرائيل شكل أحد العوامل الأساسية التي مكّنت تل أبيب من تنفيذ غارات نوعية ضد قيادات بارزة في جماعة الحوثي في صنعاء.
ويأتي هذا التطور بحسب التقرير الصادر عن مركز القدس للشؤون العامة، في سياق تصاعد المواجهة بين تل أبيب ومحور تقوده إيران في المنطقة، وتحول اليمن إلى ساحة صراع إقليمي مفتوح.
وكان الهجوم الذي نفذته طائرات الاحتلال الإسرائيلي نهاية أغسطس الماضي، وأدى إلى مقتل أحمد غالب الرهوي، رئيس وزراء الحوثيين غير المعترف به، وعدد من وزرائه، لم يكن مجرد عملية عسكرية تقليدية.
فقد مثّل نقلة نوعية في “معادلة الردع” الإسرائيلية تجاه الحوثيين، إذ انتقل التركيز من ضرب المنشآت الاقتصادية والعسكرية إلى “التحييد المباشر”، أي استهداف القيادات السياسية والعسكرية بشكل ممنهج.
ويعكس هذا التحول رغبة إسرائيل في نقل المواجهة من مستوى استنزاف البنية التحتية إلى ضرب مراكز القرار الحوثية، بما يوجه رسالة ردع مزدوجة إلى الجماعة وإلى إيران التي تقف خلفها.
دور الإمارات في العمليات الإسرائيلية
بحسب التقرير العبري، فإن أبوظبي لعبت دورًا محوريًا في هذا التحول، عبر توفير قواعد لوجستية وعسكرية على السواحل اليمنية أتاحت لإسرائيل مساحة أوسع للحركة الاستخباراتية والميدانية.
وقد تعزز الوجود العسكري الإماراتي، تعزز بعد سنوات من التدخل المباشر في اليمن، شكّل قاعدة ارتكاز لتزويد تل أبيب بمعلومات دقيقة عن تحركات الحوثيين ومسارات قياداتهم.
كما أن التعاون الاستخباراتي تجاوز حدود تبادل البيانات إلى تنسيق استراتيجي متكامل، إذ ساعدت الإمارات إسرائيل في بناء صورة ميدانية متقدمة مكّنتها من التخطيط لعمليات اغتيال دقيقة، وهو ما يعتبر سابقة في طبيعة الشراكة الأمنية بين الجانبين.
حضور أمريكي محدود
أشار التقرير الإسرائيلي إلى أن الولايات المتحدة فضّلت إبقاء تدخلها في حدود العقوبات الاقتصادية والضغط السياسي، متجنبة الانخراط المباشر في عمليات عسكرية في اليمن. هذا الموقف أفسح المجال أمام إسرائيل لتصدر المشهد العملياتي بدعم إماراتي.
ورغم أن واشنطن تبقى الشريك الأبرز لتل أبيب في المجال الاستراتيجي، إلا أن حالة التردد الأمريكية في التدخل المباشر جعلت من إسرائيل رأس الحربة في مواجهة الحوثيين، معتمدة على حلفائها الإقليميين، وفي مقدمتهم الإمارات.
وحذر المسؤولون الأمنيون الإسرائيليون الذين نقل عنهم التقرير، من أن الحوثيين قد يسعون إلى رد انتقامي يستهدف شخصيات سياسية وأمنية إسرائيلية أو منشآت حيوية، سواء داخل إسرائيل أو في البحر الأحمر.
وقد دفع هذا الاحتمال المؤسسة الأمنية الإسرائيلية إلى رفع مستوى التأهب وتشديد الإجراءات الأمنية حول مواقع حساسة.
إلى جانب ذلك، يرى خبراء أن الحوثيين، بوصفهم الوكيل الأكثر نشاطًا لإيران في المنطقة، قد يوسّعون نطاق استهدافهم ليشمل ممرات الملاحة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، ما يضع أمن الطاقة العالمي في دائرة الخطر.
اليمن ساحة صراع بالوكالة
من الواضح أن اليمن بات ساحة مواجهة مفتوحة بين إسرائيل وإيران، حيث يشكّل الحوثيون أداة مباشرة لطهران في الضغط على خصومها. في المقابل، تحاول إسرائيل أن تحوّل الساحة اليمنية إلى مجال استنزاف لمشروع إيران التوسعي.
غير أن هذا التصعيد يحمل مخاطر إضافية، إذ قد يؤدي إلى توسيع دائرة النزاع بحيث يشمل مناطق جديدة ويستدرج أطرافًا إقليمية أخرى، بما يزيد من هشاشة الأمن في الخليج والبحر الأحمر.
وبالنسبة للإمارات، فإن انخراطها في التعاون الاستخباراتي مع إسرائيل يعكس رغبتها في ترسيخ شراكة استراتيجية مع تل أبيب، تتجاوز حدود التطبيع الدبلوماسي إلى تعاون عسكري وأمني مباشر.
ومنح هذا الدور أبو ظبي موقعًا متقدمًا في الحسابات الأمنية الإقليمية، لكنه يضعها في الوقت نفسه في مرمى الحوثيين، الذين قد يعتبرونها شريكًا مباشرًا في العمليات ضدهم.
وبالتالي، فإن أبوظبي تواجه معادلة معقدة: فهي من جهة تسعى لتأمين نفوذها في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، ومن جهة أخرى قد تدفع ثمنًا أمنيًا في حال قرر الحوثيون الرد باستهداف أراضيها أو مصالحها الاقتصادية.
ويخلص التقرير العبري إلى أن استهداف القيادات الحوثية يمثل “إنجازًا نوعيًا” لتل أبيب، لكنه يفتح في الوقت ذاته الباب أمام تصعيد واسع. التعاون الاستخباراتي الإسرائيلي – الإماراتي منح إسرائيل قدرة أكبر على المناورة والاختراق الميداني، لكنه في المقابل قد يجعل الطرفين في دائرة رد انتقامي مباشر.
ومع استمرار هجمات الحوثيين ضد إسرائيل، خصوصًا بالصواريخ والطائرات المسيرة، يبدو أن المنطقة تتجه نحو مرحلة جديدة من المواجهة، يكون البحر الأحمر مسرحها الأساسي، واليمن عنوانها الأبرز.
وفي هذا السياق، قد يجد العالم نفسه أمام معادلة أكثر خطورة: إسرائيل توسع نطاق عملياتها، الإمارات تعزز شراكتها الأمنية، والحوثيون – بدعم إيراني – يستعدون لجولة رد غير مسبوقة.
