موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

الإمارات تكرّس قبضتها القمعية بحكم قضائي جديد ضد معتقلي رأي

1٬296

في تطور مثير للقلق يعمق صورة الإمارات كدولة تُحكِم قبضتها الأمنية، أصدرت المحكمة الاتحادية العليا في أبوظبي، يوم الخميس 26 يونيو 2025، حكمًا بالسجن المؤبد على 24 من معتقلي الرأي، في القضية المعروفة إعلاميًا بـ«تنظيم العدالة والكرامة».

وجاء الحكم الجديد عقب نقض جزئي لحكم سابق كان قد اعتبر أن الدعوى الجزائية بحق هؤلاء قد انقضت لسبق الفصل فيها. لكن النيابة العامة طعنت في الحكم، لتعيد السلطة القضائية فتح الملف من جديد، وتدينهُم هذه المرة بتهم تتعلق بالتعاون مع التنظيم وتمويله، استنادًا إلى قانون مكافحة الجرائم الإرهابية رقم 1 لسنة 2004.

ورغم أن الحكم صدر في سياق قانوني ظاهريًا، إلا أن سياقه السياسي والأمني أعمق بكثير، ويكشف عن اتجاه خطير في تعامل السلطات الإماراتية مع ملف معتقلي الرأي.

فإعادة محاكمة أفراد سبق أن حُوكموا وأدينوا على خلفية التهم نفسها، يعكس إصرار أبوظبي على عدم إغلاق ملف هؤلاء المعارضين، حتى بعد قضائهم سنوات طويلة خلف القضبان.

خلفيات قضية الإمارات 94

لعل المدخل لفهم هذا التصعيد القضائي هو العودة إلى جذور القضية. فمعظم الأسماء التي وردت في أحكام «الإمارات 84» ينتمون إلى ما بات يُعرف إعلاميًا بـ«الإمارات 94»، وهي القضية التي شغلت الرأي العام الإماراتي والدولي عام 2013، حين أُدين عشرات الحقوقيين والأكاديميين بتهمة السعي لقلب نظام الحكم، بعد توقيعهم على عريضة طالبت بإصلاحات سياسية ودستورية في البلاد.

حُكم حينها على 69 شخصًا بالسجن، واعتبر مراقبون محليون ودوليون أن المحاكمة افتقرت لمعايير العدالة، إذ تخللتها اتهامات بالتعذيب، وحرمان المعتقلين من حق الدفاع بشكل كامل، إضافة إلى محاكمة عدد منهم غيابيًا.

بل إن بعض المحكومين أُخضع لاحقًا لنظام «المناصحة»، الذي يتيح للسلطات إبقاء المعتقلين قيد الاحتجاز حتى بعد إنهاء فترة محكومياتهم، بذريعة أنهم ما زالوا يشكلون خطرًا على أمن الدولة.

قضية الإمارات 84: محاكمة جديدة أم انتقام سياسي؟

ما يحدث اليوم في قضية «الإمارات 84» يثير تساؤلات قانونية جوهرية: هل يجوز قانونًا محاكمة أشخاص مرتين بالتهم نفسها؟ وهل كشفت التحقيقات حقًا عن وقائع جديدة تبرر محاكمات إضافية؟

بحسب وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية «وام»، فإن المحكمة رأت أن الحكم الصادر عام 2013 اقتصر على إدانة المتهمين بإنشاء وإدارة تنظيم «دعوة الإصلاح»، لكنه لم يتناول جرائم التعاون أو التمويل، والتي تُعد وفق القانون الإماراتي جرائم مستقلة. من هذا المنطلق، اعتبرت المحكمة أن الوقائع الجديدة تبرر إعادة المحاكمة.

غير أن منظمات حقوقية، منها مركز مناصرة معتقلي الإمارات، ترى أن إعادة المحاكمة في حد ذاتها انتهاك صارخ لمبدأ «عدم جواز محاكمة الشخص مرتين على التهمة نفسها»، المنصوص عليه في القانون الدولي وفي مبادئ العدالة الجنائية، حتى لو غُلفت الخطوة بمبررات قانونية.

وترى هذه المنظمات أن القضية الحالية ليست سوى امتداد للحملة الأمنية التي بدأت عام 2012 لسحق أي صوت معارض يطالب بالإصلاح السياسي.

قائمة طويلة من المستهدفين

الأسماء التي أُدرجت ضمن القضية تُعطي مؤشرًا على حجم الاستهداف. فمن بين المحكوم عليهم بالسجن المؤبد، شخصيات بارزة مثل الشيخ سلطان بن كايد القاسمي، وراشد عمران الشامسي، وخالد الشيبة النعيمي، وإبراهيم الياسي، ومحمد الركن، وعبدالسلام المرزوقي، وفؤاد الحمادي، وهادف العويس، ومحمد المنصوري، وخليفة النعيمي، وآخرين.

وكثير من هؤلاء قضى بالفعل سنوات طويلة في السجن، وبعضهم أُفرج عنه ثم أُعيد اعتقاله أو وُضع تحت المراقبة الصارمة.

الأخطر أن السلطات وسّعت الدائرة لتشمل شخصيات جديدة، أبرزهم المدافع الحقوقي المعروف أحمد منصور، والأكاديمي ناصر بن غيث، وكلاهما معتقل منذ سنوات بسبب نشاطه الحقوقي وانتقاداته العلنية لسياسات الدولة، ما يعزز المخاوف من أن القضية أصبحت ذريعة للتخلص من أي صوت مستقل أو معارض داخل البلاد.

الأحكام وواقع الحريات

الأحكام الجديدة تأتي بعد أقل من عامين على إصدار محكمة أبوظبي الاتحادية الاستئنافية حكمًا في القضية المعروفة إعلاميًا بـ«الإمارات 84»، التي أدانت 53 متهمًا آخرين بالسجن المؤبد أو المؤقت، إلى جانب ست شركات، بتهم تتعلق بالانتماء إلى تنظيم الإخوان، في محاكمة أثارت بدورها انتقادات واسعة.

مع الحكم الأخير، يرتفع عدد المدانين في قضية «الإمارات 84» إلى 83 شخصًا من أصل 84 أُحيلوا للمحاكمة، ما يكشف عن توجه إماراتي واضح لفرض قبضة أمنية مشددة على المجال العام، خصوصًا على التيارات التي يُعتقد أنها تحمل أفكارًا إصلاحية أو إسلامية أو ديمقراطية.

هذا المشهد يُسلّط الضوء على واقع الحريات في الإمارات، التي تحرص قيادتها على تقديم صورة الدولة كواحة استقرار وازدهار اقتصادي، بينما تُمارس في الوقت نفسه تضييقًا شديدًا على الحريات السياسية والمدنية. إذ لا تزال البلاد بلا برلمان منتخب انتخابًا حرًا كاملًا، ولا أحزاب سياسية، ويواجه النشطاء والحقوقيون خطر الاعتقال التعسفي والمحاكمات الجائرة في أي لحظة.

رفض شعبي ونداءات دولية

في أعقاب الحكم، أصدر مركز مناصرة معتقلي الإمارات نداءً علنيًا إلى وجهاء وأعيان القبائل والعائلات الإماراتية ورجال الأعمال والعلماء، دعاهم فيه لتحمّل مسؤولياتهم الأخلاقية والوطنية، والوقوف ضد الظلم الواقع على أبناء وطنهم.

وقال المركز في بيانه: «إن ظلم شخص واحد في المجتمع هو ظلم لكافة أفراد المجتمع»، محذرًا من تحوّل القمع إلى قاعدة لا استثناء.

على المستوى الدولي، تتزايد المطالبات للإمارات بالإفراج الفوري عن معتقلي الرأي، خاصة من أنهوا محكومياتهم منذ سنوات. منظمات مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية اعتبرت أن المحاكمات الأخيرة تفتقر إلى أبسط معايير العدالة، وأنها تندرج ضمن سياسة ترهيب تهدف إلى إسكات أي رأي مستقل أو ناقد.

تكريس القبضة الأمنية

الحكم الأخير ليس مجرد إجراء قضائي، بل هو رسالة سياسية بامتياز. مفادها أن الدولة لن تتسامح مع أي محاولة للحديث عن إصلاح سياسي أو حقوق الإنسان، حتى لو كان أصحابها قد قضوا بالفعل عقوبات قاسية. إنها محاولة لترسيخ مناخ الخوف، وتحذير لمن قد تُسوّل له نفسه التعبير عن رأي مخالف.

وبينما تسعى الإمارات لتلميع صورتها عالميًا كدولة حديثة، فإن القمع الداخلي وتوظيف القضاء لتصفية الحسابات السياسية يظلان نقطة سوداء في سجلها الحقوقي.

وما لم تُراجَع هذه السياسات، ستظل أبوظبي تواجه انتقادات متصاعدة، تعرّي تناقضاتها بين خطاب التسامح والانفتاح، وواقع السجون والأحكام المؤبدة لمعتقلي الرأي.