لم يكن مفاجئاً إعلان شركة “فيسبوك” إغلاق عشرات الصفحات والحسابات الوهمية تدير الإمارات أغلبها لأهداف سياسية وانتقامية فضلت عن التحريض والتضليل.
وقرصنة الإمارات على الانترنت لا ترتبط فقط بصفحات وحسابات وهمية على مواقع التواصل الاجتماعي، بحيث تتعداها لتشمل المواقع الالكترونية.
وبهذا الصدد أدرجت ألفابت (الشركة الأم لغوغل) قائمة مواقع الويب المعتمدة من قبل شركة أمنية مقرها الإمارات، بعد أن ذكرت وكالة رويترز قيام الشركة بعملية اختراق تابعة للدولة.
وقالت غوغل الأسبوع الماضي إن متصفحي كروم وأندرويد سيصنفان كل مواقع الويب التي تم اعتمادها من قبل شركة دارك ماتر الأمنية بالإمارات على أنها غير آمنة.
ولم تقدم سببًا لهذه الخطوة، ولم تستجب لطلبات التعليق. إلا أنها استشهدت بالقرار ذاته الذي اتخذته شركة موزيلا لمتصفح فايرفوكس الشهر الماضي.
وقالت موزيلا في وقت سابق إنها ستحجب مواقع دارك ماتر المعتمدة بسبب “الأدلة الموثوقة” التي قدمتها رويترز وغيرها من تقارير وسائل الإعلام بأن الشركة التي تتخذ من أبو ظبي مقراً قد شاركت في عمليات القرصنة.
وقالت أيضا إنها تشعر بالقلق من أن تستخدم دارك ماتر وضعها كحارس أمن الإنترنت لإطلاق جهود القرصنة السرية.
وتحتاج الشركات إلى الحصول على شهادة من منظمة خارجية، والتي ستؤكد هويتها وتضمن أمنها لكي تعتبرها متصفحات الويب (كروم وفايرفوكس) آمنة.
لكن، إذا اكتسبت مجموعة مراقبة تلك الصلاحية فبإمكانها التصديق على المواقع المزيفة التي تنتحل صفة البنوك أو خدمات البريد الإلكتروني، مما يتيح للمتسللين اعتراض بيانات المستخدم، كما يقول خبراء الأمن.
معظم المنظمات المعتمدة شركات خاصة مستقلة. وتسمح المتصفحات مثل فاير فوكس وكروم لمواقع الويب بالحصول على شهادة من أي سلطة معتمدة في أي مكان من العالم.
ويجب على المؤسسات -التي ترغب في الحصول على ترخيص مصادقة- أن تحصل على موافقة صانعي المتصفحات العالميين مثل غوغل وموزيلا وميكروسوفت.
ومنحت المتصفحات الرئيسية دارك ماتر وضعًا مؤقتًا للمصادقة على سلامة المواقع عام 2017. وقد سعت الشركة إلى الاعتراف بها كواحدة من حوالي ستين شركة تتمتع بوضع معترف به بالكامل.
وبموجب هذا الوضع المؤقت، صادقت دارك ماتر على حوالي 275 موقعًا يبدو أن معظمها يخص الشركات المحلية أو التابعة لشركة الأمن التي تتخذ من أبو ظبي مقراً.
ويحذر المتصفح الآن مستخدمي كروم أو أندرويد الذين يزورون تلك المواقع بجملة تظهر على المتصفح عند فتح هذه المواقع “قد يحاول المخترقون سرقة معلوماتك”.
وقد استأنفت دارك ماتر وتابعتها ديجتال ترست قرار موزيلا الذي قالوا إنه كان يستند إلى “ممارسات تمييزية وتضارب مصالح لم يكشف عنه”.
وذكرت رويترز في يناير/كانون الثاني أن دارك ماتر وفرت الموظفين لعملية سرقة سرية أطلق عليها “مشروع الغراب” نيابة عن وكالة استخبارات إماراتية.
وكانت الوحدة مكونة إلى حد كبير من مسؤولين سابقين بالمخابرات الأميركية قاموا بعمليات هجومية عبر الإنترنت لصالح الحكومة الإماراتية.
وقال عملاء سابقون بشركة ريفان Raven لرويترز إن العديد من المديرين التنفيذيين لدارك ماتر لم يكونوا على دراية بالبرنامج السري الذي تم تشغيله من قصر في أبو ظبي بعيداً عن مقر دارك ماتر.
ووجدت رويترز أن عمليات البرنامج شملت اختراق حسابات الإنترنت لنشطاء حقوق الإنسان والصحفيين والمسؤولين من الحكومات المتنافسة.
وسبق أن أكدت صحيفة نيويورك تايمز أن شركة Matter Dark الإماراتية تنافس بقوة مع NSO الإسرائيلية في انتشار ظاهرة “خصخصة التجسس” حول العالم، مشيرة إلى مشروع تستهدف به اعتراض الاتصالات الخلوية بدولة قطر.
وأوضحت الصحيفة الأمريكية، في تحقيق موسع لها أن الشركة الإماراتية تدفع بسخاء لجذب أفضل المواهب التكنولوجية من (إسرائيل) والولايات المتحدة ودول أخرى، بهدف استخدامها في أنشطة التجسس الإلكتروني وأدوات المراقبة.
واستند التحقيق إلى مقابلات مع قراصنة إلكترونيين، حاليين وسابقين، لحكومات وشركات خاصة ووثائق، ويشير إلى عصر جديد من الحرب الإلكترونية غير المحكومة بالقوانين.
وبحسب المقابلات، فإن قراصنة تابعين للشركة الإماراتية تمكنوا من تحويل جهاز منزلي عادي لمراقبة الأطفال إلى أداة تجسس، مشيرة إلى أن أنشطة الحرب الإلكترونية، التي تقودها الشركة بالوكالة عن الإمارات، تعتمد على قراصنة تلقوا تدريبهم بوكالات تجسس أمريكية.
وطالت أنشطة شبكة Matter Dark التجسسية رجال أعمال وحقوقيين أمريكيين، ولذا يحقق مكتب التحقيقات الفيدرالي بالولايات المتحدة (FBI) مع موظفين حاليين وسابقين بالشركة الإماراتية بشأن ارتكابهم جرائم إلكترونية محتملة.
ونقلت نيويورك تايمز عن موظف سابق بالشركة أن حالات التجسس على أمريكيين تتعلق بناشطين عملوا في منظمات أجنبية، بما في ذلك جماعات حقوق الإنسان، التي تنتقد سجل الحكومة الإماراتية.
وبحسب المصدر ذاته، فإن عملاء Matter Dark يجمعون معلومات جواز السفر أو الطلبات أو السير الذاتية الخاصة بالأمريكيين الذين تقدموا للعمل في هذه المنظمات.
ونوهت الصحيفة الأمريكية إلى أن الشركة الإماراتية استأجرت إسرائيليين عملوا سابقا في NSO لتطوير تكنولوجيا تستهدف عمليات إلكترونية ضد أعداء الدولة المتصورين في الداخل والخارج.
ومن بين التكنولوجيا التي طورتها NSO واستفادت منها Matter Dark أداة برمجية متنقلة يمكنها جمع كميات هائلة من بيانات الهواتف الذكية دون ترك أي أثر، بما في ذلك المكالمات الهاتفية والنصوص ورسائل البريد الإلكتروني وجهات الاتصال والموقع وأي بيانات مرسلة عبر تطبيقات مثل فيسبوك وواتساب وسكايب.
وفي إحدى عملياتها التجسسية، في أواخر عام 2015، بذلت الشركة جهدًا موسعًا لاعتراض الاتصالات الخلوية في قطر، بحسب الصحيفة الأمريكية.
ولفتت “نيويورك تايمز” إلى أن أصول Matter Dark تعود إلى شركة أمريكية أخرى تدعى (سايبر بوينت (Cyber Point) التي فازت قبل سنوات بعقود للمساعدة في حماية الإمارات من هجمات الحواسب.
حصلت Cyber Point على ترخيص من الحكومة الأمريكية للعمل لدى أبوظبي، وهي خطوة ضرورية بالولايات المتحدة تهدف إلى تنظيم تصدير الخدمات الاستخبارية، لكن الإماراتيين كان لديهم طموحات كبيرة ودفعوا موظفي الشركة مرارًا إلى تجاوز حدود هذا الترخيص.
ورفضت الشركة الأمريكية طلبات لعملاء المخابرات الإماراتيين لمحاولة كسر رموز التشفير واختراق مواقع إلكترونية على خوادم أمريكية، وهي عمليات كان من شأنها أن تتعارض مع القانون الأمريكي.
ولذلك أسس الإماراتيون Matter Dark في عام 2015، بوصفها شركة لا تلتزم بقانون الولايات المتحدة، وجذبوا عددا من الموظفين الأمريكيين في Cyber Point للانضمام إليها.
وكانت الصحيفة الأمريكية قد أكدت في تحقيقها، أن المستشار السابق بالديوان الملكي السعودي “سعود القحطاني” تواصل مع NSO الإسرائيلية، أواخر عام 2017، بهدف القيام بأنشطة تجسس مماثلة في كل من قطر وتركيا وفرنسا، استهدفت أشخاص تعتبرهم السلطة الحاكمة بالمملكة تهديدا لها، وكانت جزءا من جهود المراقبة المكثفة التي أدت في النهاية إلى اغتيال الكاتب الصحفي “جمال خاشقجي”.
وأشارت إلى أن خصخصة تكنولوجيا التجسس مكنت أصغر البلدان من الحصول عليها بعد أن كانت ذات يوم، حكرا على القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا.