موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

قضية عبد الرحمن القرضاوي تكشف الوجه الحقيقي للسياسات القمعية في الإمارات

1٬515

تكشف قضية عبد الرحمن القرضاوي الشاعر والكاتب المصري، الذي ما يزال رهن الاحتجاز في دولة الإمارات دون توجيه تهم رسمية أو مثوله أمام محاكمة عادلة، عن نمط ممنهج من الانتهاكات التي تمارسها سلطات أبوظبي ضد حرية التعبير والمعارضين السلميين.

فمنذ تسليمه القسري من لبنان مطلع عام 2025، بات مصير القرضاوي عنوانًا لأزمة حقوقية أعمق في منطقة تزداد فيها القيود على الحريات يوماً بعد يوم.

وتؤكد قضية عبد الرحمن القرضاوي عن مسارين متوازيين: الأول هو اتساع الفجوة بين خطابات الأنظمة التي تتغنى بالإصلاح والانفتاح، وبين الممارسات الأمنية الصارمة التي تخنق أي صوت مختلف؛ والثاني هو عجز النظام الحقوقي الدولي عن حماية الأفراد من الانتهاكات ما لم يقترن بضغط سياسي حقيقي وتضامن إعلامي وشعبي واسع.

احتجاز بلا تهمة.. وعزلة كاملة

القرضاوي، وهو شاعر ومثقف يحمل الجنسيتين المصرية والتركية، جرى توقيفه في ديسمبر 2024 في بيروت، وتم ترحيله لاحقًا إلى الإمارات في عملية مثيرة للجدل، ترافقت مع تجاهل صارخ لتحذيرات أطلقتها الأمم المتحدة ومنظمات دولية معنية بحقوق الإنسان بشأن المخاطر الجسيمة التي تهدد حياته في حال تسليمه إلى أبوظبي.

ومنذ وصوله إلى الإمارات، يعيش القرضاوي في عزلة شبه تامة. فبحسب بيان صادر عن “مركز مناصرة معتقلي الإمارات”، لم يُسمح له إلا باتصال هاتفي وحيد مع أسرته استغرق دقيقة واحدة، وزيارة عائلية يتيمة خلال شهر رمضان.

وحتى اليوم، لا يُعرف مكان احتجازه، ولا ظروفه الصحية، ولا إن كانت هناك أية إجراءات قانونية جارية بحقه. كل ذلك يضع السلطات الإماراتية في دائرة الاتهام بممارسة “الإخفاء القسري”، وهو انتهاك جسيم بموجب القانون الدولي.

تسليم خارج إطار القانون

ما يثير الاستغراب والقلق أكثر، أن عملية تسليم القرضاوي من لبنان إلى الإمارات تمت خارج الأطر القانونية الملزمة، وبتجاهل واضح لاتفاقية مناهضة التعذيب، التي تحظر على الدول تسليم أي شخص إلى دولة يُحتمل أن يتعرض فيها للتعذيب أو سوء المعاملة. هذا ما أكده المركز الحقوقي، معتبراً أن ما جرى يمثّل “نموذجًا صارخًا للتواطؤ الإقليمي في قمع المعارضين”.

الاتهامات الموجهة ضد القرضاوي لم تُعلن رسميًا، إلا أن مصادر حقوقية ترجّح أنها ذات طابع سياسي بحت، تتعلق بمواقفه الفكرية أو ممارسته لحقه في التعبير. وتضع هذه الممارسات الإمارات في موقف متعارض كليًا مع التزاماتها المعلنة في مجال احترام الحريات الأساسية.

العائلة على خط الانتظار

في يناير 2025، تلقّت عائلة القرضاوي اتصالًا صوتيًا مختصرًا منه، كشف خلاله عن رغبته في الاطمئنان على بناته.

المكالمة، وإن لم تتجاوز الدقيقة، حملت إشارات إلى استمرار عزله عن محاميه وعن أي تواصل خارجي منتظم، وسط أجواء من الغموض والترهيب.

وقد عبّرت العائلة عن أملها في أن تكون المكالمة بداية لانفراجة في قضيته، إلا أن ما تلاها من صمت رسمي ونكران تام لأي إجراءات قضائية شفافة يشير إلى عكس ذلك.

صمت دولي.. وضغوط حقوقية

منذ توقيفه، وجّهت أكثر من 40 منظمة حقوقية دولية، من بينها “هيومن رايتس ووتش” و”العفو الدولية”، نداءات عاجلة إلى السلطات الإماراتية للإفراج الفوري عن القرضاوي والسماح له بالعودة إلى تركيا، التي يحمل جنسيتها. كما حمّلت هذه المنظمات الحكومة اللبنانية جزءًا من المسؤولية، بسبب قرارها المخالف للقانون الدولي بتسليمه.

رغم هذه الضغوط، لا تزال أبوظبي تتجاهل النداءات الدولية، في استمرار واضح لنهج طالما وُصم بأنه “قمعي ويستهين بالمعايير الحقوقية”.

وتعد حالة القرضاوي جزءًا من سلسلة طويلة من الاعتقالات السياسية التي شملت أكاديميين وناشطين وصحفيين على مدار العقد الماضي، ما رسّخ صورة قاتمة عن تدهور أوضاع حقوق الإنسان في الدولة.

مأزق الصورة الدولية

تسعى الإمارات إلى ترسيخ صورة دولة حديثة ومنفتحة ومؤثرة في الشأن الدولي من خلال استثماراتها الضخمة ومشاركاتها في الفعاليات العالمية، بدءًا من تنظيم مؤتمرات المناخ ووصولاً إلى مشاريع التكنولوجيا والفضاء.

غير أن سجلها الحقوقي، ومن ضمنه قضايا كعبد الرحمن القرضاوي، يهدد بتقويض هذه الصورة، خاصة مع تزايد الأصوات المطالبة بربط التعاون الدولي معها بإصلاحات ملموسة في مجال الحريات العامة.

وفي ختام تقريره، دعا “مركز مناصرة معتقلي الإمارات” الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وحكومات الدول الحليفة لأبوظبي إلى التدخل العاجل، وممارسة ضغط جدي على السلطات الإماراتية لوضع حد لانتهاكاتها، والإفراج عن القرضاوي فورًا، وتمكينه من حقوقه القانونية والإنسانية.

كما طالب بفتح تحقيق دولي في ظروف ترحيله واحتجازه، بما يضمن محاسبة المتورطين في أي شكل من أشكال التعذيب أو الإخفاء القسري.