موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

كارثة الحديدة اليمنية بفعل العدوان الإماراتي بالأرقام

131

لا تزال كارثة محافظة الحديدة العنوان الذي يتصدر المعركتين السياسية والعسكرية في اليمن منذ مايو/أيار الماضي، وبالتزامن مع المواجهات المستمرة منذ ذلك الحين، كانت المنظمات الدولية تبدي قلقها من تدهور الوضع الإنساني، ليس في الحديدة وحدها وإنما في شمال اليمن إجمالاً، خصوصاً إذا أدت المعارك إلى إغلاق الميناء في المنطقة.

وفيما تصاعد القلق الدولي أخيراً على مصير أبناء الحديدة، إلا أنها تمر بوضع متدهور إنسانياً منذ العام 2015، على الرغم من أنها المحافظة الأغنى بالثروة الزراعية والحيوانية في اليمن، لكنها الأفقر غذائياً، وأطفالها يتصدرون المرتبة الأولى في سوء التغذية وفق مؤشرات أممية ومحلية. فكيف تبدو صورة الحديدة الواقعة تحت حرب وحصار عنيفين؟

تُنتج محافظة الحديدة غرب اليمن 40 في المائة من المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية في البلاد، وتمثّل أراضيها الزراعية نسبة 24 في المائة من أراضي اليمن الصالحة لذلك، ويعمل فيها نصف صيادي الأسماك في اليمن.

حين تسأل أحد بائعي اللحوم في صنعاء عن سبب ارتفاع أسعار اللحوم المحلية بنسبة 12 في المائة تقريباً، سيكون جوابه: حاولت شراء الأغنام من المراوعة والحسينية (مناطق تابعة لمحافظة الحديدة تشتهر بأجود أنواع الأغنام والماعز) كما العادة، لكن عدت فقط بثلاث أغنام لأن توافد المقاتلين إلى المحافظة أحدث أزمة في توفير اللحوم، ورفع أسعارها بشكل جنوني، ولولا أن المراوعة ما زالت بعيدة عن جبهات القتال لربما تضاعفت الأسعار، ليس نتيجة الاستهلاك المفرط هناك فقط ولكن لخطورة الطرق المؤدية إلى هناك.

ويعتمد قرابة 70 في المائة من سكان اليمن على واردات ميناء الحديدة في غذائهم ودوائهم وباقي احتياجاتهم اليومية، على الرغم من أنه الميناء الثاني وليس الأول في اليمن.

إلا أن وجود عدن تحت سيطرة قوات الشرعية والإمارات، والإجراءات التي تم فرضها على انتقال سكان الشمال إلى عدن بمن فيهم التجار، حدّت من الاعتماد على ميناء عدن، الميناء الرئيسي للجمهورية. كما أن المنظمات الإغاثية الدولية ما زالت تعتمد الحديدة كمنفذ أساسي لإدخال معوناتها الغذائية لسكان شمال اليمن حيث الكتلة السكانية الأكبر في البلاد.

يعيش في محافظة الحديدة أكثر من 11 في المائة من سكان اليمن (3 ملايين ومائة ألف نسمة)، و65 في المائة منهم يسكنون المناطق الريفية التي تعاني من انعدام أو تراجع مستوى الخدمات الأساسية، خصوصاً منذ سيطرة الحوثيين عليها بعد سيطرتهم على صنعاء مباشرة.

وقرابة 300 ألف نسمة منهم يقعون في خانة الفقر المدقع، إذ تتصدر المحافظة كل محافظات اليمن في نسبة الفقراء والسكان المعرضين لخطر المجاعة.

ومنذ 2015 فَقَد 62 في المائة من المزارعين والصيادين في المحافظة مصادر دخلهم الأساسية، ومنذ أغسطس/آب 2016 فَقَد أكثر من 41 ألف موظف هم إجمالي الكادر الوظيفي للجهاز الحكومي في المحافظة، مرتباتهم التي هي مصدر دخلهم الوحيد.

ولا تتوقف معاناة أهالي المحافظة على ذلك، فمعدلات سوء التغذية الحاد لأطفال الحديدة هي الأعلى في اليمن، ومستشفى الثورة الحكومي غرب المدينة هو الوحيد من المستشفيات الحكومية الذي يُقدّم الخدمات العلاجية لحالات سوء التغذية، ولكنه أصبح منذ منتصف يونيو/حزيران 2018 في خط النار، إذ يتمركز مقاتلون موالون للشرعية والتحالف بقيادة السعودية والإمارات على بُعد بضعة كيلومترات إلى الجنوب منه.

وفي كل الأحوال لم يعد المستشفى قادراً على تقديم خدماته إلا بشكل جزئي، ومحكوم بالمساعدات التي يحصل عليها من المنظمات الدولية، بما فيها الوقود اللازم لتشغيل مولدات الكهرباء والأجهزة الطبية التي تعمل فقط في حال وجود التيار الكهربائي، مع أن المستشفى يبعد عن محطة توليد الكهرباء أقل من كيلومتر واحد.

كما يواجه أكثر من 90 في المائة من الأطفال المصابين بسوء التغذية صعوبة في الوصول إلى المستشفى أو إلى المستشفيات الخاصة الثلاثة التي تعمل في هذا المجال في مركز المحافظة لأنهم يعيشون في المناطق الريفية.

وبحسب دراسة صدرت في 24 يونيو/حزيران الماضي عن “مؤسسة الأحقاف للتقييم والدراسات الإنسانية”، يوجد في الحديدة قرابة 402 مرفق صحي، لكن هناك فقط 206 منها ما زالت قادرة على تقديم الخدمات نتيجة توقيف الموازنات التشغيلية لها من قبل الحوثيين، أي أن حوالي نصف المرافق الصحية عاجزة أو متوقفة عن تقديم أي خدمة صحية للمرضى، خصوصاً في المناطق الريفية.

وهذا أحد عوامل تفشي وباء الكوليرا بشكل مرعب في الحديدة خلال العام 2017، إضافة إلى تراجع خدمات المياه والصرف الصحي، مع العلم أنها مرافق صحية متواضعة لا تشمل أكثر من 4 مستشفيات كبيرة تحتوي فقط 821 سريراً وتُقدّم خدماتها لأبناء الحديدة والمحافظات المجاورة كالمحويت وحجة وريمة.

أما مركز غسيل الكلى الذي يقدّم خدماته لثلاث محافظات، هي الحديدة، حجة، وريمة، فلا يمتلك أكثر من 30 جهاز غسيل في واحدة من أكثر مناطق اليمن عرضة لأمراض الكلى والفشل الكلوي نتيجة الارتفاع الحاد في درجات الحرارة خلال الصيف (متوسط درجة الحرارة بالحديدة هو 29 درجة خلال العام).

وهذا المركز يعتمد على المنظمات الدولية وفاعلي الخير لتوفير محاليل الغسيل والتيار الكهربائي اللازم لتشغيل الأجهزة، وهو معرّض للتوقف في أية لحظة نتيجة عدم وجود مخزون كافٍ منها.

وعلى الرغم من أن المدينة غنية بثروتها المائية، إلا أن خدمة المياه أصبحت متوقفة في أغلب أحيائها، ويقوم المشرفون على الأجهزة الحكومية ببيع الوقود اللازم لضخ المياه في السوق السوداء ويتركون آلاف الأسر دون مياه، لتضطر إلى جلبه في أوعية بلاستيكية من مسافات تصل إلى كيلومترين أو ثلاثة، مشياً على الأقدام في ظل درجة حرارة عالية جداً، خصوصاً أثناء النهار، بالتزامن مع طفح في مجاري الصرف الصحي عززت انتشار الأوبئة بشكل مخيف، إذ إن أغلب الأحياء تقوم بصرف مخلفاتها عبر أنابيب ظاهرة على الأرصفة والشوارع.

وبينما يبدو الواقع الإنساني صعباً للغاية، إلا أن الحوثيين كانوا يستفيدون بشكل كبير من سيطرتهم على المحافظة. فنتيجة وجود الميناء الذي تدخل عبره المواد الخام الأساسية للتصنيع في اليمن، فضّلت أكبر الشركات التجارية في اليمن إنشاء مصانعها في الحديدة، لتمد منها كل مناطق اليمن بالألبان والعصائر والإسمنت بشكل أقل، وبالتالي فإن العائدات المالية الكبيرة للميناء كان يستغلها الحوثيون لأهدافهم الخاصة.

هذه العائدات تشكّل جزءاً من موارد الحديدة، لا كل الموارد، فالحوثيون يُحصّلون عائدات الجمارك والضرائب والرسوم الأخرى من الشركات والمصانع الكبيرة، بشكل يجعل حرص الجماعة واستماتتها للحفاظ على الحديدة وعدم سقوطها في يد الحكومة المعترف بها دولياً، مُبرراً بمنطق المنفعة.