تصاعدت المخاوف في لبنان على خلفية تقرب الحكومة اللبنانية من النظام الإماراتي وتعهد أبوظبي بتقديم دعم مالي تؤكد الأوساط في بيروت أنه سيكون مقابل ثمن باهظ.
ومعروف عن النظام الإماراتي تدخلاته التخريبية في البلدان العربية من عدة مداخل منها الدعم المالي الذي يتم توجيه خدمة لأطماع أبوظبي في كسب النفوذ.
وجاء التحرك الإماراتي مع تصاعد التظاهرات ضد رئيس الوزراء سعد الحريري الذي أعلن تلقى وعوداً بوديعة إماراتية بمقدار مليار دولار، إضافة إلى استثمارات.
وصرح الحريري من أبو ظبي بأن الإمارات ستتولى الإعلان عن أية مبادرة لدعم بلاده. في المقابل التزم النظام الإماراتي الصمت إزاء الإعلان المذكور فيما يبدو كمحاولة لابتزاز الحكومة اللبنانية.
وفور وصول الحريري أعلنت وزارة الخارجية والتعاون الدولي، السماح لمواطني الإمارات بالسفر إلى لبنان، وهو ما زاد من الحجوزات الأيام اللاحقة.
وكانت الإمارات دعت في عام 2016 مع البحرين والكويت والسعودية رعاياها إلى مغادرة لبنان وعدم السفر اليه بعدما اعتبرت أن حزب الله، يسيطر على القرار السياسي في هذا البلد.
وقد عاد الحريري، والوفد المرافق له، من الإمارات محمّلاً بوعد بإيداع مبلغ يصل ربما إلى مليار دولار في مصرف لبنان. وبحسب مصادر رافقت الحريري في زيارته التي استمرت ليومين، فإن السلطات الإماراتية وعدت الحريري بوديعة مالية، فضلاً عن وعود استثمارية وقرار رفع منع سفر الإماراتيين إلى لبنان.
وفيما ذكرت قناة “أل بي سي آي” أن الوديعة ستكون بفائدة تصل إلى 13 في المئة وبضمانة احتياطي الذهب، نفت مصادر قريبة من الحريري ذلك، مؤكدة أن الكلام عن وديعة لمساعدة لبنان لا صفقة تجارية تكون خاسرة للجانب اللبناني في حال كانت الفوائد على الوديعة بهذه النسبة المرتفعة.
يأتي ذلك فيما يواجه اقتصاد الإمارات أزمة حادة أبرزها تراجع أسعار النفط بشكل كبير منذ 2014 وهي الأزمة التي امتدت حتى توقيع اتفاق خفض الإنتاج الذي أوقف الهبوط ولكنه لم يحقق الارتفاع المطلوب للعودة لأسعار ما قبل أزمة الانخفاض.
وأعلنت إمارة أبو ظبي أنها حصلت نهاية الشهر الماضي على قرض بقيمة 10 مليارات دولار من الأسواق الدولية عبر طرح سندات سيادية توزعت على ثلاث شرائح.
وجاءت الشريحة الأولى وفقا لوكالة أنباء الإمارات (وام) بمبلغ 3 مليارات دولار أميركي بنسبة عائد 2.125 % تستحق في عام 2024 وشريحة ثانية بمبلغ 3 مليارات دولار بنسبة عائد 2.500 % تستحق في عام 2029 وشريحة ثالثة بمبلغ 4 مليارات دولار بنسبة عائد 3.125 % تستحق في عام 2049.
لذلك فرقمياً من الصعب على أبوظبي تقديم وديعة مع استمرار الاقتصاد غير النفطي في التراجع، حيث تراجع اقتصاد الإمارة 8.5 بالمائة خلال السبعة الأشهر الأولى هذا العام مقارنة بنفس الفترة العام الماضي.
لكن يبدو أن العاصمة أبوظبي تحسب للسياسة أكثر من الاقتصاد خلال السنوات الماضية.
ورأى مراقبون لبنانيون أن الإمارات تتحرك وفق استراتيجية استثمارية مغطاة سياسياً، تتصرّف على أساسها القيادة الإماراتية ازاء الشأن اللبناني، بشكل ينسف نظرية “العفوية”.
وأبرزوا أنّ كل ما جرى الافصاح عنه في الإمارات هو نتيجة خطة استثمارية متكاملة ستظهر حلقاتها تباعاً، وهي ناجمة عن قرار واضح اتخذته قيادة الامارات في شأن تعاملها مع لبنان.
ويشير هؤلاء إلى قطاعات ثلاثة يبدي الاماراتيون اهتمامهم فيها: النفط والغاز، الطاقة المتجددة، والأمن الغذائي من خلال الاستعانة بتجارب أوروبية في هذا الشأن، كما حصل في المغرب مثلاً أو السودان حيث قامت دول أوروبية باستثمار مساحات زراعية شاسعة. ولهذا مثلاً يولي رئيس الحكومة اللبنانية عناية خاصة بالشأن الزراعي حيث رعى قبل أيام ورشة عمل لوزارة الزراعة حول التحوّل الزراعي في لبنان.
والانعطافة الاماراتية تجاه لبنان ليست عبثية ولا هي تجري على رمال متحركة، لا بل تنمّ عن استراتيجية جديدة في التعاطي مع لبنان انطلاقاً من قراءة جديدة للتطورات والالتصاق بالأجندة الأميركية.