تحولت بريطانيا في الأشهر الأخيرة إلى ساحة مفتوحة لفضائح دولة الإمارات وفساد مسئوليه مع تكرار بروز قضايا محرجة لأبوظبي تعبر عن الوجه الحقيقي المستبد لحكامها.
وشكلت الفضائح المتتالية للإمارات في بريطانيا عواصف سياسية هزت صورة أبو ظبي كحليف مقرب من بريطانيا، وأضافت العديد من العثرات والأحداث التي هددت صفو هذه العلاقة.
شملت بعض تلك القضاء اعتقال الطالب البريطاني ماثيو هيدجز في الإمارات، والقضايا ضد حاكم دبي محمد بن راشد، والكشف عن تنافس بين مسئولي الإمارات على عقارات في لندن بالمليارات، وأخيراً اتهام شابة بريطانية وزير التسامح الإماراتي نهيان آل نهيان بالاعتداء الجنسي عليها.
اتهام بريطاني بـ”التجسس”
عام 2018، اعتقلت السلطات الإماراتية في دبي طالب الدكتوراه البريطاني ماثيو هيدجز الذي كان يعد أطروحة حول الأمن في فترة ما بعد الربيع العربي.
قال المسؤولون الإماراتيون إنهم وجدوا أدلة إدانة على جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص به تثبت أنه جاسوس، فيما نفى هو ذلك.
عقب احتجازه عدة أشهر والحكم عليه بالسجن المؤبد، حصل هيدجز على عفو رئاسي وعاد إلى بريطانيا متحدثاً عن تعرضه لـ”التعذيب النفسي” في الحبس الانفرادي بالإمارات، وادعى أن الإماراتيين طلبوا منه أن يعمل “عميلاً مزدوجاً”.
وشكلت قضية هيدجز دلالة صريحة على حدة قمع النظام الإماراتي ومنعه أي حريات في البلاد فضلا عن فساد النظام القضائي في الدولة الذي حكم بالمؤبد ثم تراجع أمام الضغوط الخارجية لاعتبارات سياسية.
إدانة حاكم دبي
سلطت القضية الرفيعة المستوى أمام المحكمة العليا في لندن، المتعلقة بنزاع حاكم دبي محمد بن راشد آل مكتوم، وزوجته السابقة الأميرة الأردنية هيا بنت الحسين، بشأن حضانة طفليهما، على الأجواء وألقت بتداعياتها فترة وجيزة على عالم سباقات الخيول الذي ظهرت فيه دعوات إلى قطع الصلات مع الشيخ المولع بالخيول.
سعى محمد بن راشد إلى وقف نشر ما قالته عنه الأميرة هيا في الدعوى، لكن القاضي حكم ضده وكشف للعالم كيف خطف وسجن اثنتين من بناته عندما حاولتا الهرب من قيود العائلة.
كما أوضح كيف أن الشيخ الذي كثيراً ما التُقطت له صور مع ملكة بريطانيا، “شن حملة تخويف وترهيب” ضد زوجته السابقة التي فرت إلى بريطانيا مع طفليها قائلة إنها تخشى على حياتها.
وشكلت القضية واستمرار المداولات القضائية مواد دسمة للإعلام البريطاني ظل يبرز تطورات بشكل دوري وهو ما أحرج حاكم دبي وسلط الضوء على انتهاكات الإمارات لحقوق الإنسان.
نزاع على العقارات
هذا الشهر نشرت صحيفة الغارديان البريطانية وثائق تكشف عن إمبراطورية عقارية يملكها رئيس دولة الإمارات خليفة بن زايد في العاصمة البريطانية لندن بقيمة 5 مليارات جنيه إسترليني ويدور حولها نزاع شديد داخل أفراد العائلة.
وعلى الرغم من شهرة هذه المباني، ظلت ملكية هذه المحفظة العقارية محاطة بالسرية لعقود، وبحسب الكاتب، فإن مصدرا مطلعا على التعاملات التجارية لخليفة أفاد بأن المحفظة أنشئت من خلال صفقات شبه سرية، تم عقدها بهدوء على مدار سنوات عديدة”.
ويكشف التقرير أن محفظة العقارات الشخصية لخليفة، والتي تمتد على بعض أغلى أحياء لندن، تتكون إلى حد كبير من العقارات التجارية والسكنية “فائقة الجودة”. حيث تُعرض الشقة الواحدة في أحد المجمعات الفاخرة في المحفظة حاليا في السوق بحوالي 20 مليون جنيه إسترليني.
ويشير تحليل بيانات السجل العقاري إلى أن محفظة خليفة التجارية والخاصة تضم حوالي 170 عقارا، تتراوح بين قصر منعزل بالقرب من ريتشموند بارك إلى العديد من المباني المكتبية الراقية في لندن مؤجرة لصناديق التمويل الاستثماري والبنوك الاستثمارية، بدخل إيجار سنوي قدره 160 مليون جنيه إسترليني.
وتسلط الوثائق الضوء على كيف أنه من الممكن لمستثمر ثري مثل خليفة بن زايد بناء محفظة عقارية مترامية الأطراف في بريطانيا، تضم حوالي 1000 مستأجر، بفضل هيكل معقد من الشركات الوهمية في الملاذات الخارجية التي يديرها بعض أكبر شركات المحاماة في لندن، دون أن يكتشفها أحد.
ويؤكد التقرير أن ممتلكات خليفة بن زايد أصبحت في قلب نزاع في المحكمة العليا، حيث يتنافس أفراد عائلة الرئيس الإماراتي للسيطرة على أصوله، حسب ما قاله محامو شركة لانسر، التي كانت تدير المحفظة العقارية لخليفة، إذ استشهدوا بوثيقة يزعمون أنها تظهر أن السيطرة على أصوله تم تسليمها سرا إلى لجنة خاصة عام 2015.
والوثيقة المعمدة تظهر أنها موقعة من قبل خليفة، لكن وبحسب التقرير، يبدو أن التوقيع يخص شقيقه محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي، والزعيم الفعلي لدولة الإمارات.
وتنص الوثيقة التي نشرها الموقع الاستقصائي ساراواك لأول مرة واطلعت عليها صحيفة الغارديان، على أن الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، الأخ غير الشقيق لخليفة، رئيسا للجنة ، مما يشير إلى أن بعض العقارات الرئيسية في لندن أصبحت الآن في أيدي الحكومة، في الوقت الذي ينفى محامون يمثلون خليفة أنه “تنازل عن السيطرة على أصوله”.
اتهام وزير بالاعتداء الجنسي
أحدث القضايا التي هددت بتوتر العلاقات بين بريطانيا والإمارات كان اتهام شابة بريطانية لوزير التسامح الإماراتي الشيخ نهيان آل نهيان (69 عاماً)، وهو عضو بارز في الأسرة الحاكمة في الإمارات، بالاعتداء الجنسي في قصر منعزل أثناء مشاركتها في الإعداد لمهرجان هاي للأدب في أبو ظبي في شباط/ فبراير الماضي.
في وقت سابق من الشهر، تحدثت كيتلين ماكنمارا (32 عاماً) تفصيلياً عن تعرضها للاعتداء الجنسي من الوزير الذي يمتلك عقارات في بريطانيا بملايين الدولارات.
برغم تقديمها بلاغاً إلى شرطة لندن، في تموز/ يوليو الماضي، بشأن الاعتداء الجنسي المزعوم، لم يُفتح تحقيق رسمي في الاتهامات لأسباب عديدة، أبرزها أن الحادث المزعوم وقع خارج نطاق شرطة العاصمة، وأن الشرطة الإماراتية لم تُبلّغ عنه، وأن الشيخ يتمتع بحصانة سيادية من الملاحقة القضائية كعضو في الأسرة الحاكمة.
لكن البارونة هيلينا كينيدي، ممثلة ماكنمارا القانونية، قالت إنها تتمنى أن ترى الحكومة البريطانية وهي تضغط على الإمارات “من أجل العدالة”، وإن أقرت بصعوبة ذلك.
في غضون ذلك، أبدت إدارة مهرجان هاي غضبها إزاء الادعاءات، لافتةً إلى أن المهرجان لن يعود إلى أبو ظبي ما دام الشيخ المعني في منصبه.
علماً أن الجانب الإماراتي اكتفى بالنفي الذي أصدره محامي الشيخ وعبّر فيه عن الشعور بـ”خيبة الأمل من المزاعم والطريقة التي بُثت فيها علناً”.
