موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

“لوفر أبوظبي”.. شراء وسرقة الآثار لن تصنع حضارة ؟

213

أعمالٌ شاقة وقسريّة وأجورٌ متدنية، حال آلاف العمال الذين يعملون في جزيرة السعديات الإماراتية. محرومون من أبسط حقوقهم في مساكن صحية وأجور عادلة وساعات محددة، ليجد أكثر من عشرة آلاف عامل أنفسهم بين مطرقة العمل الشاق والقسري أو سندان الاعتقال والترحيل في حال أضربوا عن العمل.

 

تقرير نشرته منظمة هيومن رايتس ووتش، يتحدث في جزيرة السعديات الإماراتية، والتي تستضيف فرع لمتحف اللوفر وفرع متحف جوجنهايم وفرع لجامعة نيويورك، لتكشف ما يحدث فيها انتهاكات ممنهجة بحق العمال والمهاجرين بلغت حدا جنونيا عندما قرر عدد من العمال الإضراب احتجاجا على ظروف العمل غير الإنسانية.

 

عنف شديد واجه العمل من قبل المقاولين، حيث رفضوا مطالبهم بتحسين ظروف العمل رفضا باتا، ولم يجد العمال المهاجرون أمامهم غير الشرطة لنجدتهم. إلا أن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن، فقد قامت السلطات بقمع الاضراب واعتقال المضربين. كما لم يدفع أصحاب العمل رواتب الموظفين لعدة أشهر. فيما سحبوا من معظمهم جوازات السفر ليمنعوهم من الفرار والهرب.

 

الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فقد منعت السلطات الإمارتية هيومن رايتس ووتش من إجراء تحقيقات بشأن الانتهاكات الوحشية التي تعرض لها العمال في السعديات. بل وفرضت حظر على أي تغطية إعلامية من شأنها فضح ظروف العمل التي يعايشها العمال.

 

“قال جميع هؤلاء العمال إن أصحاب الأعمال كانوا على علاقة جيدة بالسلطات، وكانت هذه الأخيرة تقوم باعتقال عشرات العمال وترحيلهم. كما تحدث عاملان من عمال موقع جامعة نيويورك عن سوء معاملة الشرطة لهم أثناء التحقيق معهم بهدف معرفة أسماء قادة الإضراب. كما قال عامل كان يعيش في قرية العمال في جزيرة السعديات عندما نفذ الإضراب إن حوالي 500 رجل كانوا يعيشون هناك قد تعرضوا إلى الترحيل أو تم إلغاء تأشيراتهم.” – من تقرير هيومن رايتس ووتش الصادر بتاريخ 10 فبراير 2015

 

على مثل هذا الوضع غير الآدمي، يقف واحدٌ من أشهر المباني المعمارية الحديثة “لوفر أبو ظبي” باعتباره قبلة فنية وتحفة معماريّة تحاول بها دولة الإمارات العربية المتحدة إبهار العالم. وبين أصواتٌ مؤيدة وأخرى غاضبة، افتتح المتحف أبوابه للجمهور في الثامن من نوفمبر 2017. هيومن رايتس ووتش ليست الوحيدة التي نددت بالانتهاكات الغير إنسانية التي تقع في جزيرة السعديات. فقد كشفت تحقيقات أجرتها وسائل إعلام دولية استمرار الانتهاكات التي يتعرض لها العمال في مشاريع جزيرة السعديات.

 

جريدة “ذي أوبزرفر” ذكرت في 22 ديسمبر 2013، أن العمال في جزيرة السعديات يتعرضون لانتهاكات وحشية مِن قبل شركة الاستثمار العقاري المسئولة عن المشاريع الثلاث التي تجري على قدم وساق في السعديات. ولأن أصحاب العمل على علاقة جيدة بالسلطات فقد يأس العمال من الحصول على أي من حقوقهم.

 

ذي أوبزرفر ليست الأخيرة التي تندد بالوضع الغير إنساني في السعديات، ففي 18 مايو 2014، تحدثت جريدة نيويورك تايمز عن وجود انتهاكات سافرة لحقوق العمال في موقع جامعة نيويورك في أبو ظبي، وهو نفس الموقع الذي يضم فرع متحف اللوفر وجوجنهايم، وعلى أثر المطالب بتحسين ظروف العمل، قامت السلطات بترحيل المضربين دون تسديد مستحقاتهم.

 

ويقول الباحث في هيومن رايتس ووتش، نيكولاس مكجيهان، في فيديو مصور نشرته المنظمة عن العمال وأرفقته بالتقرير حول الانتهاكات التي تعرضوا لها، ما نصه: “يتم اعتقال المضربين بهدف معاقبة قطاع كبير من العمال وضمان عدم وقوع أي متاعب إضافية. إنها رسالة واضحة ترسلها الإمارات إلى العمال، وهي تقول: إياكم والاحتجاج، أغلقوا أفواهكم وارضوا بما حصلتم عليه.”

 

هل المتحف دليل نمو ثقافي

تشهد دولة الإمارات في العقدين الأخيرين سعي حميم نحو تسلُح ثقافي. فالدولة التي صارت قبلة عدد ضخم من السياح بسبب السباق المعماري حامي الوطيس الذي يجري على أراضيها، يبدو أنها قررت تغيير صورتها النمطية بكونها صحراء لا تاريخ ولا ثقافة لها.

 

مع ذلك، وبالرغم من جهود الدولة الشديدة في خلق إطار ثقافي في الأذهان، ظل هناك انتقادات واسعة ولاذعة للمضمار الذي سلكته. أو بالأحرى، سلكت الدولة المضمار الخاطئ من البداية. فالدولة التي أجرت مشاريع ادعت أنها “حضارية / فنية / ثقافية” ضخمة، تميز سعيها بطابع رأسمالي فج ترك في الأذهان طابع أن كل تلك المشاريع إنما هي مشاريع استثمارية في المقام الأول، والأسوأ من ذلك أنها جميعًا “مستوردة”.

 

فحسب ما أوردته جريدة “ذي نيو ريبابليك / The New Republic” في مقالها عن “لوفر أبو ظبي”، لجاج ماثيو، والمنشور بتاريخ 5 ديسمبر 2017، “كُلّ شيء هنا مُستورد”. فالدولة في محاولات تسلحها الثقافي تتعامل بمنطق استهلاكي رأسمالي تماما.

 

وبدل تأسيس متحف يعكس تاريخها القومي، قامت الامارات بشراء اسم “اللوفر” من المتحف الأم في فرنسا ويكأنه ماركة ملابس تحاول احتكارها! وهو ما يؤكد أن الدولة (الإمارات) لا تاريخ لها. بالرغم من أن المتحف الأم أخذ في الأذهان على مر السنين طابع المعلم القومي الفرنسي حتى لا يكاد يخلو ذكره من استحضار الهوية الفرنسية.

 

يرى عددٌ من النُقاد، أبرزهم جوزيف ف. ميكالف، في مقاله المنشور في جريدة فوربس / Forbes”، بتاريخ 21 ديسمبر 2017، عن عولمة المتاحف، أن المتاحف إنما هي “أصول وطنية فريدة، ترتبط ارتباطا وثيقا بالبلدان التي أنشأتها”.

 

بالطبع، تستطيع المتاحف تبادل بعض القطع فيما بينها. أو يمكنها حتى أن تبيع وتشتري لوحات من بعضها البعض. المهم، أن كل متحف سيظل هوية قومية لبلده لا يمكنه بيع اسمه أو شراء آخر. ومن هنا جاءت المفاجأة عندما أعلنت حكومتا فرنسا والإمارات، في عام 2007، عن إنشاء متحف عالمي جديد في أبو ظبي يسمى متحف “لوفر أبو ظبي”.

 

التناقض الفج بين الأصالة الجمالية وشراء اسم “اللوفر” كعلامة تجارية

بتكلفة مليار دولار، افتتحت أبو ظبي “لوفر أبو ظبي”، ويُعتقد أن الدولة دفعت 750 مليونَ دولار إضافية لاقتراض لوحات من المتحف الأم، لماتيس ومونيه وفان جوخ، حسب ما ورد في صحيفة التليجراف البريطانية، في مقالها المنشور بتاريخ 7 سبتمبر 2017.

في مقال آخر لنفس الصحيفة، بتاريخ 11 نوفمبر 2017، يقول الكاتب نيك ترند ما معناه: “إذا كان لوفر أبو ظبي يريد أن يكون له تأثير في الأوساط الثقافية العالمية، يجب أن يكون قادرا على الدفاع عن اختياراته والمحتوى الذي يقدمه بطريقة أكاديمية. وأعتقد أن المتحف سيحتاج للعديد من المؤتمرات الأكاديمية والكثير من النقاشات إذا أردنا قياس مستوى نجاحه.”

 

ويرى الناقد الفني ألاستير سوك، في مقاله المنشور بتاريخ 21 ديسمبر 2017، بعنوان “لوفر أبو ظبي مبنى متلألأ – لكن نظرته للفن ضحلة”، في صحيفة التليجراف أيضًا، أن الشعار التسويقي الذي اتخذه المتحف، “رؤية الإنسانية في ضوء جديد”، طموح لدرجة الغطرسة!

 

وحسب سوك، فإن الأصالة الجمالية التي تقترن دائمًا بالمؤسسات الفنية تتناقض مع الفعل المبتذل الذي أقدم عليه متحف اللوفر الأم بتأجير اسمه لمدة ثلاثون عامًا. هذا غير، الظروف الغير الإنسانية التي عاشها العمال الآسيويين الذين قاموا ببناء المتحف.

 

يورد سوك أن السبب الوحيد الذي قد يدفع المرء لزيارة “لوفر أبو ظبي” هو المبنى نفسه، الذي صممه المهندس المعماري المفاهيمي الفرنسي جان نوفيل. فالمبنى، دون أن يكون فرع للوفر، هو عمل معماري من العيار الثقيل.

 

المتاحف، على حد تعبير سوك، تقوم على أساس فكري مفاده توضيح القيم والأفكار والمشاعر الإنسانية المشتركة التي تتجاوز الحواجز الجنسية والإيمانية والعرقية. وهذه الفكرة رغم بساطتها اللفظية إلا أنها صعبة التطبيق. فنرى في ردهة المتحف، ثلاث تماثيل، واحدٌ لمريم العذراء مع المسيح من القرن الرابع عشر، والثاني هو تمثال لإيزيس وابنها حورس من العصر الفرعوني، والثالث تمثال خشبي لفنان بومبي من القرن التاسع عشر. وحسب سوك، هذه نظرة شديدة المثالية والضحالة في آن!

 

ففكرة أننا كجنس بشري نتشارك عبر التاريخ نفس المشاعر الإنسانية والشواغل والرغبات، غير أنها كلاشية، قد تكون غطاء لما هو أخطر. فالمتحف يعمل على تسويق فكرة عولمة التاريخ والهويات فلا يصير لأي أمة علامة ثقافية قومية مميزة. الأمر الثاني، وهو السري والخطير، أن الإمارات تمهد لوجود سلطتها بشكل لين على الساحة الدولية.

 

وهناك أيضًا مأخذ نقدي على لوفر أبو ظبي وهو الفصل الممنهج للديانات عن بعضها البعض. هذا غير أن المتحف يضم عدد قليل من العراة الإناث نظرا للطبيعة المحافظة للمجتمع الإماراتي. ففي متحف لوفر أبو ظبي، سننظر للإنسانية في ضوء جديد – خال من الجنس!

 

الشاهد، أن التناقض الفج بين فكرة أصالة التجربة الجمالية وفرادتها وفكرة شراء اسم “اللوفر” ويكأنه ماركة عالمية / براند، لا يترك أمام المتابع لمشروع أبوظبي الثقافي في السعديات غير أنه مشروع ربحي رأسمالي خاصة في ضوء ما ورد من انتهاكات إنسانية وصلت حد الاتجار بالبشر ونقلتها تقارير منظمة هيومن رايتس ووتش.

 

كذلك، لا يمكن اعتبار ضحالة الرؤية التي رافقت اختيار القطع المعروضة في المتحف، على حد ما نقلته التليجراف، أمر عرضي. بل هو منهج الدولة في التعامل مع الفن والذي يعكس عدم اهتمام وعدم فهم لما يعنيه “الفن”.