موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

تحقيق أمريكي يكشف تورط شركات إماراتية في تجنيد مرتزقة كولومبيين في السودان

1٬147

كشفت مؤسسة “ذا سنتشري” (The Sentry) الأمريكية، المختصة بتتبع شبكات تمويل النزاعات، عن تورط شركات أمنية إماراتية وكولومبية وبنمية في إنشاء منظومة دولية لتجنيد ونقل مرتزقة كولومبيين إلى السودان للقتال إلى جانب قوات الدعم السريع، المتهمة بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية بحق المدنيين.

وقال التحقيق، الذي حمل عنوان “مرتزقة في السودان مرتبطون بشريك تجاري لمسؤول رفيع في حكومة الإمارات”، إن مئات المرتزقة الكولومبيين – يُعرفون باسم “ذئاب الصحراء” – تم إرسالهم إلى مدينة الفاشر بدارفور للمشاركة في تدريب المجندين الجدد، وبينهم أطفال، إضافة إلى تورطهم في عمليات قتل جماعي بحق المدنيين.

وتؤكد هذه المعطيات، بحسب المؤسسة، أن الإمارات لم تكتفِ بدعم لوجستي أو مالي لقوات الدعم السريع، بل انتقلت إلى مرحلة التورط المباشر في إدارة وتسليح الميليشيا عبر شركات واجهة.

تمويل إماراتي وعلاقات عليا داخل القصر

وفقاً لوثائق التحقيق، فإن رجل الأعمال الإماراتي محمد حمدان الزعابي، مالك شركة “غلوبال سيكيورتي سيرفيسز غروب” (GSSG)، يقف وراء تمويل شبكة التجنيد وإدارة عمليات نقل المرتزقة إلى السودان.

وتصف الشركة نفسها بأنها “المزوّد الأمني المسلح الوحيد لحكومة الإمارات”، ما يجعلها غطاءً مثالياً لعمليات نقل المقاتلين وتمويل المهام العسكرية السرّية.

وتشير الوثائق إلى أن الشركة أُسست عام 2016 على يد أحمد محمد الحميري، الأمين العام لديوان الرئاسة الإماراتية، قبل أن ينقل ملكيتها بالكامل إلى الزعابي عام 2017.

ويرى خبراء المؤسسة أن هذا الارتباط المباشر بين الحميري والزعابي يمثل دليلاً قاطعًا على ضلوع مستويات عليا من النظام الإماراتي في دعم قوات الدعم السريع، خاصة وأن الحميري يشرف على ديوان يرأسه حالياً منصور بن زايد آل نهيان، الذي تتهمه أطراف سودانية ودولية بالوقوف وراء تمويل وتسليح الميليشيا.

كما كشف التقرير أن الزعابي والحميري يمتلكان حصصاً كبيرة في شركات أمنية أخرى داخل الإمارات، أبرزها شركة “سكيورتي غارد ميدل إيست”، التي بيعت عام 2023 بمبلغ 82 مليون دولار لشركة تابعة لمستشار الأمن الوطني الشيخ طحنون بن زايد، وهو ما يربط أنشطة هذه الشركات مباشرة بدوائر النفوذ الأمنية العليا في أبوظبي.

شبكة تجنيد عابرة للقارات

يؤكد التحقيق أن شركة GSSG تعاقدت عام 2024 مع شركة كولومبية تدعى “Agency for Security International (A4SI)” لتجنيد مئات العسكريين السابقين، معظمهم من وحدات النخبة الكولومبية التي خاضت حرب العصابات الداخلية لعقود.

وتُدار الشركة من قبل العقيد المتقاعد ألفارو كيخانو المقيم في الإمارات، والمسجلة باسم زوجته كلوديا أوليفيروس لتجنب التتبع القانوني.

وتتولى شركة بنمية تُدعى “Global Staffing S.A.” إدارة الرواتب والتحويلات المالية للمرتزقة ضمن شبكة مالية معقدة تهدف إلى إخفاء مصادر الأموال ومساراتها.

ووفقاً للتحقيق، فإن هذه الشركة البنمية تُستخدم كحلقة وصل بين الكيانات الإماراتية والمجندين الكولومبيين، لضمان سرية التمويل وإخفاء هوية الجهة الداعمة.

كما كشفت المؤسسة أن كيخانو مثّل شركة GSSG في اتصالات سياسية وتجارية بتشيلي عام 2024، ما يعكس اتساع النفوذ الإماراتي عبر أمريكا اللاتينية في توظيف المرتزقة لأغراض جيوسياسية تخدم مصالح أبوظبي.

استراتيجية إماراتية قائمة على المرتزقة

أشارت “ذا سنتشري” إلى أن هذا النمط من العمليات ليس جديداً على الإمارات، إذ اعتمدت أبوظبي منذ سنوات على تجنيد الأجانب والمرتزقة في مهام عسكرية خارجية، لا سيما في اليمن وليبيا والصومال.

وأوضحت المؤسسة أن عدداً من المرتزقة الكولومبيين الذين يقاتلون حالياً في السودان تلقوا تدريبات سابقة في معسكرات داخل الإمارات، قبل أن يُعاد نشرهم عبر قاعدة “بوصاصو” في الصومال إلى مناطق النزاع المختلفة.

ويعتبر مراقبون أن هذا النموذج يعكس تحول الإمارات إلى مركز عالمي لتأجير المرتزقة وتصدير العنف السياسي، مستفيدة من ثروتها النفطية ونفوذها الدبلوماسي لتغطية أنشطة عسكرية غير قانونية تحت ستار “الأمن الإقليمي”.

شكوى سودانية واتهامات رسمية

في سبتمبر الماضي، قدمت الحكومة السودانية شكوى رسمية إلى مجلس الأمن الدولي ضد الإمارات وشركتي GSSG وA4SI، متهمة إياهما بتمويل وتجنيد مقاتلين أجانب لصالح قوات الدعم السريع.

وقالت الخرطوم إن هذه الأنشطة تمثل انتهاكاً صريحاً لقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بحظر توريد السلاح إلى السودان.

من جانبها، نفت الإمارات الاتهامات، ووصفت الأدلة الواردة في التحقيق بأنها “مفبركة ولا تستند إلى وقائع”. إلا أن محللين دوليين أكدوا أن الوثائق والمراسلات المصرفية والعقود الموقعة بين الأطراف المعنية تجعل من الصعب تبرئة أبوظبي من المسؤولية.

وقد دعت مؤسسة “ذا سنتشري” الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة إلى فتح تحقيقات عاجلة في أنشطة كل من:

محمد حمدان الزعابي، شركة GSSG، ألفارو كيخانو، كلوديا أوليفيروس، شركة A4SI الكولومبية، وشركة Global Staffing البنمية.

كما طالبت المؤسسة بفرض عقوبات دولية صارمة بموجب القوانين الخاصة بالسودان وبرامج العقوبات الأممية ذات الصلة، محذّرة من أن استمرار هذه الأنشطة سيقوّض أي جهود لتحقيق السلام والاستقرار في السودان.

وأكد التقرير أن العلاقة الوثيقة بين الزعابي والحميري تشير إلى دعم رسمي من داخل الحكومة الإماراتية، داعياً المؤسسات المالية العالمية إلى تشديد الرقابة على تعاملات الشركات الأمنية الإماراتية التي تحوّلت، بحسب وصف التقرير، إلى أذرع موازية للأجهزة العسكرية في أبوظبي، تستخدمها الدولة في إدارة حروبها بالوكالة بعيداً عن أي مساءلة قانونية أو سياسية.