حقوق الإنسان في الإمارات- تستقبل عائلات مئات معتقلي الرأي في سجون النظام الحاكم في دولة الإمارات شهر رمضان الفضيل لهذا العام بكثير من الحزن والأسى على استمرار الاعتقال التعسفي لأبنائهم.
ويحل شهر رمضان لينكأ جراح عائلات معتقلي الرأي في الإمارات الذين لا يزالون منذ سنوات يترقبون أن يتمكنوا من استقبال المناسبة السعيدة مع أبنائهم من دون ظلم وتعسف بهم.
وتتضاعف معاناة أهالي معتقلي الرأي في ظل قلقهم البالغ على مصير أبنائهم لما يعانوه من إهمال طبي وسوء معاملة فضلا عن مخاطر جائحة فايروس كورونا المستجد.
ويأتي الشهر المبارك كل عام وسط مشاعر مختلطة في نفوس أهالي معتقلي في الإمارات، فرمضان يوقظ معه الذكريات الجميلة واجتماع الأسرة، لكنه يوقظ أيضا الحزن نتيجة غياب ذويهم عنهم.
ويتذكر أهالي المعتقلين في الإمارات بحسرة وحزن لحظات الاجتماع لصلاة المغرب ثم تناول الإفطار، ولكن بعد الاعتقال يتبدل الأمر ويصبح الاجتماع على مائدة الإفطار للبكاء وليس لتناول الطعام، واسترجاع الذكريات الجميلة في مثل هذه الأيام.
ويعد حرمان السجناء من الزيارة وانتهاك حقوقهم في سجون رسمية، سحق للإنسانية، وإذابة للقيم والمبادئ الإنسانية التي تربط علاقة الإنسان بأخيه الإنسان أو المواطنين بالسلطة. فما بالك أن يتم حرمان معتقلين من حقوقهم وكل جريمتهم أنهم عبروا عن رأيهم وانتقدوا السلطة أو طالبوها بحماية مواطنيها.
وفي الإمارات تواصل وسائل الإعلام الرسمية الحديث عن “السجون النموذجية” وتقديم الخدمات للسجناء، وتبذل جهدها لتحسين السمعة للدولة في حقوق الإنسان وبناء “التسامح” كلصيق بالسلطة وقراراتها لكن هذا لا يحدث في الإمارات.
فالمعتقلون المعبرون عن آرائهم يعيشون حالة سيئة للغاية، في ظل الانتهاكات المستمرة بحقهم وحق عائلاتهم؛ فقد تعرضوا للسجون الانفرادية والضرب على يد السجانين ومصادرة ملابسهم ومنعهم من الشمس ويتم تقديم الطعام السيئ لهم. كما تم منعهم من تقديم الشكاوى والالتماسات وتعرضوا للضرب.
ومنذ 2012 يتم معاقبة “أحرار الإمارات” المعتقلون في السجون بتهم ملفقة وأحكام سياسية سيئة السمعة بعد “مسرحيات محاكمة هزلية”، بحرمانهم بين وقت وأخر من الزيارة، تمتد لأشهر عديدة، دون معرفة أماكن اعتقالهم أو صحتهم.
هذا النوع من القَمع الذي يستهدف المعتقلين إهانة لقيم الإمارات وقوانين الدولة المنظمة لعملها التي على الرغم من القصور والقوانين القمعية التي خرجت السنوات القليلة الماضي بعد الحملة الأمنية ضد حرية التعبير والرأي، إلا أن المشرع الإماراتي في مسألة السجون احترم جزء من إنسانية المواطن والمقيم، كما في القانون 43 لعام 1992 بشأن المنشآت العقابية.
عدا السجون السرية التي يقبع فيها المعتقل لأشهر قبل انتقاله للمحاكمات السياسية، توجد سجون سيئة السمعة مثل سجني “الرزين” و”الصدر” حيث يتعرض المعتقلون فيها لويلات الانتهاكات والاستهداف لكرامة المواطنة الإماراتية وانتقاص من إرث الآباء المؤسسين للدولة .
قبل أن تكون انتقاماً من نظرة المعتقلين الإصلاحية ورؤيتهم الوطنية وحقهم في التعبير عن الرأي، فهي انتقام من القيّم وعادات وتقاليد الشعب الإماراتي التي ترفض التعسف والانتهاك.
ويحل شهر رمضان فيما كشفت منظمة “نحن نسجل” الحقوقية أن سلطات دولة الإمارات تتكتم على وصول فيروس كورونا إلى سجن الوثبة الذي يتم فيه احتجاز عشرات معتقلي الرأي.
وقالت المنظمة في بيان صحفي إنه “في وقت تعيش فيه دول العالم سباقًا مريرًا مع الزمن من أجل محاربة فيروس كورونا “كوفيد-19” والحد من انتشاره وحماية سكان العالم؛ يواجه نزلاء سجن الوثبة (في أبوظبي) مخاطر حقيقية بالإصابة بالفيروس بعد أن تمكن من أحد النزلاء”.
وأضافت أن وصول الفيروس إلى السجن تم وسط إهمال جسيم وإغفال السلطات الإماراتية لدورها وعدم تحمل مسؤولياتها تجاه صحة وحياة 4000 نزيلٍ على الأقل.
وذكرت المنظمة أن فريقها رصد حالة الإصابة داخل عنبر (4B) رجال المخصص لإيداع أصحاب قضايا الجنح من النزلاء داخل سجن الوثبة سيء السمعة، ويبلغ عدد المودعين فيه 140 شخصاً، موزعين على 24 غرفة احتجاز، يتقاسمون في قضاء حاجاتهم 8 حمامات فقط “ما لا يقل عن 17 نزيلاً للحمام الواحد”.
وأكدت أن وجود نقاط تماس تجمع نزلاء سجن الرجال بمختلف عنابره يزيد من دائرة الخطر، ويساعد على تفشي الفيروس بسهولة بين السجناء البالغ عددهم 4000 سجين، وجميعهم يمرون عبر قاعة واحدة “قاعة الترانزيت”.
وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش قد كشفت في تقرير لها عن وجود حالات إصابة بفيروس نقص المناعة بين نزلاء سجن الوثبة ولا يحصلون على الرعاية الصحية اللازمة لأوضاعهم الصحية الخطيرة.
وقالت “نحن نسجل” إنها وثقت سابقا الأوضاع غير الإنسانية التي يعيشها نزلاء سجن الوثبة بقسميه “رجال ونساء”، والانتهاكات الممنهجة على يد موظفي السجن التي حرمت السجناء من حقوق مثل “الرعاية الصحية، وممارسة الرياضة، والمعاملة الإنسانية، وجودة الخدمات الأساسية والبنية التحتية والأنظمة الغذائية الصحية”.
وانطلاقاً من أهمية وقدسية حق الإنسان في الحياة والصحة؛ فإنها شددت على ضرورة قيام السلطات الإماراتية باتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية نزلاء سجن الوثبة من فيروس كورونا وغيره من الأمراض التي لا تجد بيئة خصبة للانتشار أفضل من سجون مثل الوثبة.
وأكدت أن الخطر لا يقتصر فقط على النزلاء؛ بل سيطال مخالطيهم من مسؤولي السجن والمترددين عليه من موظفين وزائرين.
وطالبت “نحن نسجل” الحقوقية السطات المسؤولة عن المنشآت العقابية والإصلاحية في الإمارات بتوفير الرعاية الصحية الشاملة للمصابين حالياً وعمل إجراءات العزل اللازمة.
وأكدت على ضرورة تعقيم المنشأة العقابية بالكامل، والعمل على تقليل أعداد السجناء بقدر يسمح بالقيام بإجراءات العزل، وذلك بالإفراج والعفو عن السجناء في قضايا الجنح في المسائل المالية، والذين أكملوا نصف المدة من القضايا الأخرى.
كما دعت إلى توفير المعقمات ومواد التنظيف الشخصية بما يتوافق مع معايير منظمة الصحة العالمية، وبما يتماشى مع القواعد الدنيا لمعاملة السجناء، وإخضاع السجناء الجدد للكشف والفحص والعزل فور قدومهم للتثبت من خلوهم من الفيروس.
وحثت المنظمة الحقوقية كذلك على ضرورة عدم نقل المساجين من منشأة عقابية إلى منشأة أخرى، وضرورة توفير الدعم النفسي للسجناء حتى لا تحدث حالات هلع بينهم.