يدخل معتقل الرأي الدكتور محمد الركن (56 عاما) عامه الثامن في سجون النظام الإماراتي بسبب نشاطه في المطالبة بالإصلاح السياسي والحريات في الدولة.
وتم اعتقال الركن في 17 يوليو/تموز 2012 في دبي بينما كان في طريقه إلى مركز شرطة للإبلاغ عن اختفاء نجله راشد محمد الركن، وصهره عبد الله الهاجري، اللذان اختطفا قبله ببضع ساعات.
وتم اعتقال الركن من دون أمر قضائي واقتيد إلى مكان احتجاز سري حيث ظل لعدة أشهر، ثم بدأت في مارس/آذار 2013 محاكمته و93 آخرين متهمين في نفس القضية المعروفة بقضية الإمارات 94 معظمهم من أعضاء جمعية الإصلاح.
وأصدرت غرفة أمن الدولة بالمحكمة العليا الاتحادية حكمها النهائي في 2 يوليو 2013 ، إثر “محاكمة جائرة لم تراع فيها ضمانات المحاكمة العادلة”. وحُكم على الركن بالسجن عشر سنوات ومنعه من ممارسة المحاماة.
وبحسب منظمة العفو الدولية فقد شابت المحاكمة “مزاعم بممارسة التعذيب تم تجاهلها بشكل سافر، كما تم انتهاك حق المتهمين في الدفاع، ومنع دخول المراقبين المستقلين قاعة المحكمة”.
وقد سبق للفريق العامل الأممي المعني بمسألة الاحتجاز التعسفي أن أكد أنّ “اعتقال واحد وستين متهما ضمن القضية المعروفة إمارات 94 هو من قبيل الاعتقال التعسفي وطلب الفريق الأممي من حكومة الإمارات الإفراج عنهم فورا ومدّهم بالتعويضات المناسبة.
والدكتور الركن هو ناشط حقوقي ومحام شغل منصب رئيس جمعية الحقوقيين في الفترة بين 1998 و2004 ثم 2010-2013 وقد تحصّل على جائزة لودوفيك تراريو لحقوق الإنسان لسنة 2017 وعلى جائزة الكرامة لسنة 2012.
ولم يتأخر الدكتور الركن في الدفاع عن المتهمين في قضايا أمن الدولة التي تعهدت بها دائرة أمن الدولة بالمحكمة الاتحادية العليا وخاصة ضمن القضية المعروفة ب”الإمارات 5 ” كما كان من بين الموقعين على ما يعرف ” بعريضة الإصلاح ” من أجل إجراء إصلاحات سياسية وحقوقية.
ويعتقل الدكتور الركن في سجن الرزين الذي يكتظّ بالمساجين وتشتد الحرارة داخل غرفه وتنتشر فيه الأوساخ والأمراض وقد تعمدت إدارة السجن حرمانه من الرعاية الطبية المناسبة وحبسه بزنزانة انفرادية لأتفه الأسباب ومنعت عنه في أكثر من مرة زيارة العائلة وأخضعته للتفتيش المهين وغيره من الانتهاكات.
وطالبت منظمات حقوقية دولية مرارا النظام الإماراتي بالإفراج عن المحامي والناشط الحقوقي محمد الركن، وفتح تحقيق فوري ونزيه من قبل لجنة مستقلّة للتحري حول ما تعرّض له من تعذيب وسوء معاملة واختفاء قسري واعتقال تعسفي.
والركن محامي في مجال حقوق الإنسان وأستاذ قانون. لديه ماجستير ودكتوراه في القانون الدستوري من جامعة وارويك في المملكة المتحدة.
كما أنه عضو في رابطة المحامين الدولية، والرئيس السابق لجمعية الحقوقيين في دولة الإمارات، وعضو مؤسس في منظمة سد الخليج. علاوة على انه كان أستاذ القانون الدستوري في جامعة الإمارات وكاتب للعديد من الكتب والمقالات في مجال حقوق الإنسان ومسائل قانونية اخري.
وفي عام 2012 تحصل على جائزة منظمة الكرامة لحقوق الانسان كما وصل الدكتور الركن الي الدور النهائي لجائزة Frontline Defenders Award لسنة 2014، وهو ايضا حاصل على العديد من الجوائز في مجال عمله من دولة الإمارات، فضلا عن كونه مستشارا سابق للحكومة في المسائل القانونية.
وفي عام 2011، ساهم الدكتور الركن في العريضة المرسلة إلى رئيس دولة الإمارات تطالب بالحق في التصويت وان تعطي السلطة التشريعية الى البرلمان. ودافع ايضا مجانا عن العديد من النشطاء وغيرهم من الذين واجهوا انتهاكات في مجال حقوق الانسان مثل مجموعة “الامارات 5”.
وأصبح الركن هدفا للمضايقة والترهيب من الحكومة، وظل تحت المراقبة الرسمية لسنوات بسبب عمله. وتم القبض عليه واعتقل عدة مرات منذ عام 2006، كما تم مصادرة جواز سفره ومنعه من السفر. وتم منعه ايضا من إعطاء المحاضرات العامة في الجامعة، ومن الكتابة في الصحف الوطنية ومن القيام بمقابلات مع وسائل الإعلام الوطنية.
وخلال الساعات الأخيرة فضحت حملة مستمرة منذ ساعات على مواقع التواصل الاجتماعي خصوصا موقع تويتر سلطة المحاكمات السياسية والقمع في الإمارات على خلفية تعسفها بعشرات النشطاء والصحفيين والمدونين وزجهم في السجون.
ونصرة لمعتقلي الرأي في سجون النظام الإماراتي، دشن ناشطون إماراتيون وخليجيون وسما على موقع “تويتر” تحدثوا خلاله عن سجون الإمارات ومعاناة معتقلين الإمارات الأحرار والقمع والانتهاكات المستمرة حتى الأن.
وطالب الناشطون بوسم “#سبع_سنوات_من_الاعتقالات_التعسفية_في_الإمارات“، بإطلاق سراح معتقلي الرأي جميعا من سجون النظام الإماراتي وبتدخل دولي لإنجاز ذلك فعليا في ظل الانتهاكات المروعة الممارسة بحقهم.
وجاء إطلاق الحملة في الذكرى السنوية السابعة لتوقيف معتقلي “الإمارات 94” على خلفية مطالبهم بإصلاحات سياسية وإطلاق الحريات العامة في دولة الإمارات بما في ذلك تنظيم انتخابات حرة وديمقراطية وهو ما رفضه النظام الإماراتي بشدة وعاقبهم عليهم بالسجن.
وفي الثاني من يوليو/تموز2013 جرى الحكم في أكبر محاكمة بتاريخ الإمارات الحديث، في القضية المعروفة إعلامياً بـ”الإمارات94″ ويشير الرقم إلى 94 إماراتياً من المسؤولين السابقين والمثقفين والقضاة المحامين والصحافيين وقانونيين ونشطاء ومدونين ومُعلمين، ودعاة إسلاميين، وخبراء في مهنهم وتخصصاتهم.
جرّت المحاكمات في سرية، فمنعت وسائل الإعلام والوفود الحقوقية والإنسانية من حضور الجلسات، ولم يتسلم محامو الدفاع القضية إلا قبل النطق بالحكم بأيام قليلة. كانت فاجعة للقضاء الذي أظهر سقوطه في يد جهاز أمن الدولة.
وكانت وسائل الإعلام الرسمية التي حضرت المحاكمات شاهد زور يزور شهادات المعتقلين وأقوالهم.
ووقع متهمو “الإمارات 94″، مارس/آذار 2011، على عريضة تدعو الحكومة الإماراتية إلى إجراء مجموعة معتدلة نسبيًا من الإصلاحات الديمقراطية، وبنوا مطالبهم على دستور دولة الإمارات فطالبوا بمجلس وطني اتحادي منتخب بالكامل مع سلطات تشريعية كاملة بنظام الاقتراع العام، وتخفيف القبضة الأمنية، ومراعاة حقوق الإنسان الأساسية ضمن الإطار الحالي للملكية الدستورية.
وطوال عام 2012، جرى توقيف الموقعين على العريضة في مداهمات ليلية من قبل مسؤولين أمنيين في ثياب مدنية، قبل أن يتم احتجازهم دون أوامر اعتقال.
وطبقًا لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية الدولية، فإن 64 شخصًا من أصل 94 احتجزوا في أماكن لم يكشف عنها لمدة تصل إلى عام، في بعض الحالات، دون السماح لهم بالاتصال بمحام أو بزيارات عائلية.
وانتهت المحاكمة بإدانة 69 مواطنًا إماراتيًا من مختلف المشارب السياسية والمعتقدات الأيديولوجية والحكم عليهم بالسجن لتمثل القضية بداية النهاية لحركة الديمقراطية قصيرة الأمد في الإمارات، والتي بدأت تجد صدى لها تردد في جميع أنحاء المنطقة في عام 2011.
تم الحكم في أكبر محاكمة سياسية عرفها تاريخ الإمارات الحديث، على 68 مواطناً من أحرار الدولة، فحكم على معظمهم بالسجن 10 سنوات وبعضهم 7 سنوات، في “أسوأ” مسرحية شارك فيها القضاء الإماراتي الذي تحول إلى قضاء يحاكم السياسة والرأي والتعبير.
ومنذ قضية الإمارات 94 اعتمد النظام الإماراتي على القمع الشديد للحريات العامة ولحرية التعبير والتجمع داخل حدود الدولة، فرضا بطشه بتدشين دولة بوليسية متطورة بُنيت بأحدث التقنيات التي تُحُصِّل عليها من مجموعة من شركات الدفاع والأمن الدولية.
وبعد ست سنوات من الأحكام السياسية وانهيار مؤسسة القضاء كمؤسسة فاصلة في الخلافات جميعها ومعاقبة المجرمين الحقيقيين الذين يعذبون المواطنين ويحرمونهم حتى من أبسط الانتهاكات؛ يظهر أن النظام الإماراتي أخفق في احتواء مطالب الإصلاح.
إذ أن قمع وبطش النظام الإماراتي أخرجه من استهداف المواطنين إلى المقيمين العرب والأجانب فمن يعادي حرية التعبير فهو يعادي الإنسانية باختلاف جنسيتها واختلاف تأثيرها عليه.
وهذا النظام هو نفسه الذي يفرض تمديد السجن على 9 معتقلي رأي في سجونه أنهوا فترات السجن والاختطاف التعسفي منذ أكثر من عامين، لكن جهاز الأمن يخشى صوتهم وآرائهم فقرر إبقائهم في السجون أعوام أخرى دون حتى “قضية سياسية” تدعمها محاكمة هزلية.
كما يتورط النظام الإماراتي عبر جهاز أمن الدولة الذي يديره رجال مخابرات غير إماراتيين في ظلم المواطنين وتتجاهل “التعذيب” الممنهج الذي تعرضوا له قبل المحاكمات والانتهاكات التي يتعرضون لها بعدها.
وبذلك تفقد الإمارات ماء وجهها الحقوقي والإنساني والقضائي أمام مواطنيها، كما تفقد صورتها الدولية كدولة قانون يحمي المستثمر والمقيم وتحفظ كينونته وطموحه وأحلامه، ورغم كل ذلك يستمر جهاز أمن الدولة في إهانة “الدستور” و”القانون” الإماراتي، يوسع الشرخ بين المجتمع وقيادته ليبني “شراً محضاً” يَصعب على شيوخ الدولة مواجهته وإيقافه، فمن يحاول وقف هذا “الشر” يعتبره جهاز الأمن “مُدان” و”سيئ” حتى لو كان شيخاً من شيوخ الدولة أو علماً من أعلامها.
إن “القمع” لا يستهدف فقط المطالبين بالإصلاح والمعبرين عن آرائهم وحدهم، بل يتوسع ليستهدف كل مواطن إماراتي ومقيم، مهما كان منصبه وقدره، فالسبب هو إمعان في تكريس “الظلم” و”الاضطهاد” لمنع ضمير الإماراتيين وقمع مستقبلهم ليبقى هوَ ومصالح أجهزة المخابرات الغربية.
لوقف هذه الحملة “الممنهجة” التي بدأت منذ 2011 وتستمر حتى اليوم، فإن البداية تكون من “السلطة القضائية” بخروجها من لوحة التحكم الأمنية واستقلالها ووقف سلطة “المحاكم السياسية” التي تعيّد الدولة عقود للوراء وتجر معها مستقبل غامض غاضب يجعل الدولة بين “رحىّ” غضب الداخل وسخط الخارج مع أزمات سياسية واقتصادية متقلبة.