موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

مليارات الإمارات في الاقتصاد الأميركي: استثمار في الحرب لا في السلام

942

في مشهد لا يخلو من الرمزية السياسية، تدفقت خلال الأسابيع الماضية مليارات الدولارات الإماراتية إلى قطاعات مختلفة في الاقتصاد الأميركي، ضمن صفقات استثمارية قُدمت كما لو أنها تعكس سباقاً خليجياً محموماً على النفوذ والشراكة مع واشنطن.

لكن خلف هذا السخاء الظاهري، تقول مصادر مطلعة إن ما جرى كان أبعد من مجرد تنافس اقتصادي، بل صفقة صامتة مقابل ضوء أخضر لاستئناف مشروع دموي في السودان.

ووفق ما ورد من مصادر دبلوماسية، فقد تم الاتفاق على هذه الترتيبات خلال زيارة رسمية للرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى أبوظبي، التقى خلالها برئيس الإمارات محمد بن زايد.

وجرى الاتفاق على ضخ مليارات الدولارات في الاقتصاد الأميركي دون صخب إعلامي، مقابل تعهّد ضمني من واشنطن بغضّ الطرف عن الدور الإماراتي المتنامي في تأجيج الصراع السوداني، وخصوصاً دعم قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي”.

وبحسب المصادر، لم تمضِ أيام على مغادرة ترامب حتى بدأت المسيّرات تنفجر في أم درمان، في واحدة من أشرس موجات التصعيد التي شهدتها الحرب السودانية خلال الأشهر الأخيرة. وقد تبع ذلك تقارير استخباراتية عن تسليح متجدد لقوات الدعم السريع، مدعوم هذه المرة بتقنيات توجيه جديدة، وغطاء استخباري إقليمي، يُعتقد أن مصدره أبوظبي.

ويؤكد مراقبون أن ما يحدث في السودان ليس انعكاساً لفشل الوساطات الدولية فحسب، بل هو أيضاً نتيجة مباشرة لمنظومة صفقات “المال مقابل الصمت” التي تُعيد تدوير نفسها في كل نزاع. فبن زايد لم يشترِ رضا واشنطن فقط، بل اشترى وقتاً إضافياً لحرب بالوكالة تُدار فوق جثث السودانيين.

دارفور، التي بالكاد لملمت جراح الإبادة، باتت مجدداً ميداناً لتصفية الحسابات، تُزرع فيها إشارات واضحة أن اللعبة لم تنتهِ، وأن ماكينة الحرب عادت للعمل بوقود إماراتي وتمويل سياسي أميركي بالصمت والتجاهل.

السودان يُدفع نحو الهاوية، والمشهد يتكرر: استثمارات مالية تُغطّي على جرائم حرب، وصمت دولي يُشرعن الفوضى، لتُعاد صياغة معادلة مروعة: المال مقابل الصمت، الصمت مقابل الخراب.

يأتي ذلك فيما قالت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية إن ميليشيا “قوات الدعم السريع” استعادت زمام المبادرة في الحرب الأهلية السودانية بفضل دعم خارجي متطور، يُشتبه في أن مصدره دولة الإمارات والصين، وذلك بعد شهور من طردها من العاصمة الخرطوم.

وبحسب الصحيفة، شنت قوات الدعم السريع مؤخراً سلسلة هجمات باستخدام طائرات مسيّرة انتحارية وطائرات استطلاع وقتال بدون طيار، استهدفت مدينة بورتسودان الساحلية، التي تمثل المعقل السياسي والعسكري لقائد الجيش عبد الفتاح البرهان منذ فقدان السيطرة على الخرطوم.

هذه الهجمات، المفاجئة في توقيتها وتقنياتها، أعادت رسم خريطة الصراع داخل البلاد، وأكدت أن القوات المتمردة تمتلك الآن أدوات قتال حديثة لم تكن متاحة لها في السابق.

وتشير الصحيفة إلى أن الطائرات المستخدمة في الهجمات الأخيرة يُعتقد أنها من طرازات “CH-95″ و”FH-95” الصينية الصنع، وهي طائرات قادرة على حمل صواريخ موجهة والقيام بمهام قتالية دقيقة. وقد استندت هذه التحليلات إلى صور أقمار صناعية لبقايا الطائرات المُدمّرة ومكونات إلكترونية عُثر عليها في مواقع الاستهداف.

مصادر أمنية مطلعة قالت إن مدى الطائرات المستخدمة يتجاوز بكثير قدرات التحكم اللاسلكي، ما يرجّح اعتمادها على أنظمة توجيه عبر الأقمار الصناعية. كما رجحت أن الذخائر المستخدمة مصدرها الإمارات، رغم نفي أبوظبي المتكرر لأي دور في الصراع.

وتأتي هذه التطورات بعد أيام من إعلان حكومة البرهان قطع العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات، متهمة إياها بشكل صريح بتسليح ودعم قوات الدعم السريع.

وقالت وزارة الخارجية السودانية إن أبوظبي باتت طرفاً مباشراً في النزاع، عبر تقديم دعم لوجستي وتسليحي ممنهج لمتمردي محمد حمدان دقلو “حميدتي”.

وفي تطور لافت، نقلت الصحيفة عن مصادر عسكرية في بورتسودان أن الجيش السوداني أسقط طائرة شحن عسكرية كانت تهبط في مطار نيالا بولاية جنوب دارفور، يُعتقد أنها كانت تحمل شحنة أسلحة لقوات الدعم السريع.

وأدى تدمير الطائرة إلى مقتل عدد من “المستشارين الأجانب”، ما زاد من الشكوك حول تورط أطراف إقليمية في توجيه العمليات العسكرية للطرف المتمرد.

وتزامن هذا الهجوم مع تصعيد ملحوظ تمثل في ضربات دقيقة استهدفت منشآت عسكرية، مطار بورتسودان، ومستودعات وقود، في عملية يُعتقد أن طائرات مسيرة متقدمة نفذتها من خارج نطاق الرؤية المباشرة، ما يشير إلى وجود دعم فني وتشغيلي خارجي متكامل.

ويأتي التصعيد العسكري وسط أزمة إنسانية غير مسبوقة تعصف بالسودان. فقد أسفرت الحرب، التي اندلعت في أبريل 2023، عن مقتل أكثر من 150 ألف شخص وتشريد ما يزيد عن 12 مليوناً داخل وخارج البلاد، وفق تقديرات وكالات الأمم المتحدة. كما تواجه البلاد خطر المجاعة، وانهيار النظام الصحي والإداري بالكامل في عدد من الولايات، في ظل غياب أي أفق لحل سياسي.

وتحذر منظمات حقوقية من أن استمرار تدفق الأسلحة إلى أحد أطراف النزاع، بدعم دول إقليمية، يُعد انتهاكاً لحظر التسليح المفروض من مجلس الأمن، ويُطيل أمد الحرب التي مزقت السودان وعمّقت أزماته البنيوية والسياسية.