اختتمت بورصة دبي عام 2018 بأسوأ خسارة سنوية لها منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008، وكانت في الوقت نفسه الخاسر الأكبر بين أسواق الأسهم العربية، بينما جاءت بورصة قطر في صدارة الرابحين.
ومع انتهاء تداولات عام 2018، يكون مؤشر بورصة دبي قد انخفض بنسبة 25% على مدى العام بأكمله، وهو أكبر انخفاض له منذ خسارته الفادحة في عام 2008 حين هبط بنسبة 72%.
وتحدث المحللون الماليون عن علامات تباطؤ في اقتصاد إمارة دبي المتنوع، ولا سيما في القطاعين العقاري والسياحي اللذين كانا عبئا ثقيلا على البورصة في 2018.
وأرجع المحللون خسائر البورصة إلى تراجع حاد في مبيعات العقارات وأسعارها بسبب المعروض الفائض والطلب الضعيف.
وخلال الربع الثالث فقط من عام 2018 هبطت أسعار المساكن في دبي بنسبة 7.4% وفقا لبيانات مصرف الإمارات المركزي. وتشير تقديرات المصرف المركزي إلى أن وتيرة النمو الاقتصادي في دبي تباطأت على الأرجح إلى 2.3% في 2018، من 2.8% في العام السابق.
ومن أبرز الأسهم الخاسرة في دبي أسهم شركة إعمار العقارية التي خسرت نصف قيمتها تقريبا على مدى عام.
ويعد تباطؤ السوق العقارية في دبي، عامل الضغط الرئيس على سوق الأسهم الذي هوى لأدنى مستوياته منذ سبتمبر/ أيلول 2013، أي الأقل منذ قرابة 5 سنوات و4 أشهر.
ويجبر تباطؤ القطاع العقاري في دبي، شركات الإنشاءات والمقاولات على خفض الوظائف وتجميد خطط التوسع، إلى جانب عدم نجاح بعض الشركات في إعادة هيكلة أوضعها المالية مؤخراً مع تفاقم خسائرها.
وتراجعت غالبية الأسهم العقارية المدرجة في دبي بنحو حاد خلال العام الحالي وفي مقدمتها “إعمار العقارية” منخفضاً بنسبة 39 بالمائة، كما تراجع “أرابتك” بنسبة 17.6 بالمائة و”داماك” بنسبة 53 بالمائة.
وتهيمن شركات العقارات على الأسهم المدرجة بورصة دبي، وتشكل 30 بالمائة من قيمتها السوقية البالغة حاليا نحو 340 مليار درهم (92.5 مليار دولار)، مقابل 394 مليار درهم (107.3 مليارات دولار) نهاية العام الماضي.
وفي تقرير حديث لوكالة “بلومبيرج”، فإن المستثمرين الأجانب في بورصة دبي باعوا أسهماً بقيمة 853 مليون درهم (232 مليون دولار) في نهاية الأسبوع الماضي، وهو أكبر عدد منذ بدء تقديم البيانات المالية في مطلع العام الحالي.
وستكون هذه السنة هي الأولى التي تشهد مبيعات صافية منذ 2011 بالنسبة لفئة المستثمرين الأجانب في دبي، مما يمثل تبايناً حاداً مع صافي مشتريات بلغ 3.3 مليارات درهم (898 مليون دولار) في 2014، عندما تمت ترقية الإمارات إلى فئة الأسواق الناشئة.
نزف مالي
تعيش بورصة دبي -مرآة الاقتصاد- واحدة من أحلك فتراتها، فمؤشرها هوى إلى أدنى المستويات في أكثر من خمس سنوات خلال جلسات التداول القليلة السابقة متأثرا بنزف في أسهم العقارات بشكل خاص بالإضافة إلى قطاع البنوك.
وتشير بيانات بلومبيرغ إلى أن بورصة دبي حققت أسوأ أداء بين البورصات العالمية خلال العام الحالي.
كما أن الحصيلة الإجمالية لنتائج الشركات المدرجة بسوق دبي المالي بنهاية الربع الثالث 2018 أظهرت تراجعا في أرباح هذه الشركات بنسبة 12 % قياسا للفترة المماثلة من العام السابق، متأثرة بهبوط أرباح قطاع “العقارات والإنشاءات” على وجه التحديد، وفق موقع أرقام الإخباري.
ويقول فرغلي إن الأزمة في دبي ترتبط بحلقات كثيرة يؤثر بعضها على بعض، والقطاع المالي جزء من هذه السلسلة.
ويضيف أن دبي تعتمد على القطاعات الخدمية لدعم اقتصادها، لكن هذه القطاعات ترتهن إلى شهية المستثمرين التي تأثرت كثيرا جراء الاضطراب السياسية بالمنطقة.
موقف فرغلي لم يكن بعيدا عما صرح به المدير العام لشركة نماء للاستشارات المالية طه عبد الغني الذي أكد أن حصار قطر ودخول الإمارات في نزاعات كثيرة أثر على جاذبية البلاد للمستثمرين والسياح على حد سواء.
ويقول أيضا “حصار قطر جاء بنتائج عكسية على الإمارات، حيث باتت الاستثمارات تهرب منها، كما أن القطاع العقاري الذي يشكل قاطرة الاقتصاد يعيش على وقع أزمة كبيرة وأخذ معه القطاعين السياحي والتجاري”.
ويضيف أن حالة الخوف باتت تسيطر على المستثمرين بسبب الأحداث السياسية، مما انعكس سلبا على بورصتي دبي وأبو ظبي.
ويؤكد عبد الغني أنه “في ظل حالات الخوف وعدم الاستقرار فإن أول قطاع يتأثر هو سوق الأسهم”.
وتوقع أن تستمر أسواق الأسهم الإماراتية في تسجيل أداء غير مرض مع استمرار تدخل الإمارات في العديد من النزاعات.
ويخضع قطاع المصارف في دبي بشكل خاص والإمارات بشكل عام لضغوط بسبب ضعف السيولة وتراجع أداء نشاط العديد من القطاعات.
ومن انعكاسات ذلك إعلان مصرف الإمارات المركزي الاثنين الماضي أنه طلب من البنوك التحقق من الجدارة الائتمانية لعملائها قبل إصدار دفاتر الشيكات، تحت وطأة ارتفاع الشيكات المرتجعة التي بلغت قيمتها نحو سبعة مليارات دولار في الخمسة أشهر الأول من العام الحالي فقط.
وهذا الإجراء قال عنه المحلل المالي نضال الخولي إنه كان ضروريا على ما يبدو في مواجهة حالة الركود الاقتصادي التي تشهدها دبي، خاصة مع تراجع قطاعات العقارات والتشييد والسياحة.
ركود سياحي وخسائر طيران
السياحة، قطاع حيوي آخر يعيش انحسارا حادا في دبي، فقد أظهرت بيانات رسمية توقف نمو عدد الزوار الأجانب للإمارة في الشهور التسعة الأولى من العام الجاري. ويضخ قطاع السياحة نحو 30 مليار دولار في اقتصاد دبي وفقا لأرقام العام 2017.
فحكومة دبي -التي أنفقت مليارات الدولارات لبناء مراكز جذب سياحية مثل برج خليفة- سجلت دخول 11.6 مليون زائر حتى نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، وهو رقم مماثل لنظيره المسجل خلال الفترة ذاتها من العام المنصرم، كما تنقل وكالة رويترز التي قالت إن القطاع يشهد” تباطؤا حادا”.
كما أن حركة الركاب بمطار دبي الدولي شهدت هي الأخرى تباطؤا هذا العام بعد 15 عاما من تسجيل زيادات.
أما شركة طيران الإمارات فسجلت تراجعا مخيبا للآمال بتعبير وكالة بلومبيرغ، بعدما هوت أرباحها للنصف الأول من العام الحالي إلى أدنى مستوى في عشر سنوات.
وتواجه الشركة حسب مسؤوليها تحديات مرتبطة بـ “الضغط المتواصل على العائد والأوضاع الاقتصادية والسياسية المضطربة في المنطقة” في حين توقعوا نصف عام آخر صعبا.
ويعتقد المحلل المالي طه عبد الغني أن “دخول الإمارات في نزاعات بعدد من الدول غيَر من نظرة المستثمر والسائح للإمارات ودبي من دولة مسالمة وواحة للأمان والاستثمار إلى دولة مضطربة”.
خسارة الوظائف العليا
وأمام ارتفاع تكاليف المعيشة وممارسة الأعمال التجارية بدأ عدد من المغتربين يعودون إلى بلدانهم، تؤكد بلومبيرغ.
فقد سجلت إمارة دبي أكبر خسارة في الوظائف هذا العام -لاسيما المناصب ذات الأجور العالية- منذ الأزمة المالية العالمية قبل عقد من الزمن، على خلفية اشتداد المنافسة من جانب قطر والسعودية والعقوبات على إيران، كما تقول صحيفة وول ستريت جورنال.
الصحيفة نفسها أشارت قبل أسبوعين إلى أن الإمارات فقدت عشرين ألف وظيفة من فئة “الياقات البيضاء” في قطاع الخدمات والاتصالات معظمهم في دبي، وهو ما يهدد الإمارة التي كثيرا ما وصفت بكونها مكانا ملائما للمصرفيين ورجال الأعمال وأصحاب الوظائف العليا.
إخفاق تجاري
تقول وكالة بلومبيرغ إن المراكز التجارية والمطاعم باتت أقل اكتظاظا مما كانت عليه في السابق، وعزت ذلك إلى ارتفاع تكاليف المعيشة وممارسة الأعمال.
كما أن العقوبات الأميركية ضد إيران -تؤكد بلومبيرغ- قوضت دور دبي كمركز تجاري، كون هذه العقوبات ألزمتها بوقف التجارة مع طهران.
أما الأزمة الخليجية المتمثلة بحصار قطر فقد ألقت بظلالها على دبي، حيث مثلت “مفاجأة غير سارة للشركات التي تتخذ من دبي مقرا والتي وجدت نفسها غير قادرة على شحن البضائع مباشر إلى الدوحة ” تضيف بلومبيرغ في تقرير آخر.
وتشير بيانات نقلتها وكالة رويترز إلى حدوث انخفاض في أحجام شحن الحاويات لشركة موانئ دبي العالمية في الإمارة 6.7% في الربع الثالث من العام، وسط توقعات بتحديات لأداء ميناء جبل علي الرئيسي بالإمارة في الأجل القريب في ظل المخاطر الجيوسياسية والتغيرات الأخيرة التي طالت السياسات التجارية عبر العالم.
وفي المحصلة، لم تعد دبي -كما وصفت نفسها- “المدينة العالمية” لجمعها بين مختلف الثقافات واحتضانها للمستثمرين والسياح في كنف حياة أكثر انفتاح واستقرارا، وذلك بعدما انخفض منسوب الثقة بها، كما يقول فرغلي.