تواجه إمارة دبي مستويات قياسية من التضخم وسط ركود اقتصادي خانق في ظل فشل حكومي باتخاذ إجراءات مضادة وفساد متفشي يقيد جهود الإصلاح.
وبحسب بيانات رسمية ارتفع معدل التضخم في دبي خلال حزيران/يونيو 2022 بنسبة 5.8% على أساس سنوي ليصل إلى أعلى سنواته في خمس سنوات.
ولعل أبرز الأسباب التي أدت إلى ذلك هي ارتفاع أسعار الوقود والتي ترتب عليها زيادة رسوم النقل بنحو 33% والوزن بنحو 9.3%، ونتج عن ذلك ارتفاع أسعار الأغذية والمشروبات بنحو 8.9%.
وقد أكد مستثمر إماراتي كبير أن اقتصاد دبي مجرد فقاعة ستنفجر، مبرزا تأثير انتهاكات حقوق الإنسان على تدهور اقتصاد الدولة.
وفي لقاء مع منظمة “الديمقراطية الآن للعالم العربي (DAWN) تحدّث رجل أعمال إماراتي لديه علاقات وثيقة داخل الإمارات وخارجها عن وضع المال والأعمال والاستثمار في الإمارات ولخّص الوضع الاقتصادي بأنه مجرد “فقاعة” توشك أن تنفجر.
وذكر رجل الأعمال الإماراتي أن سمعة البلد تسوء منذ سلسلة الاعتقالات السياسية التي شنتها الحكومة واعتقلت خلالها العشرات واستعداء المواطنين.
ويقصد رجل الأعمال بالاعتقالات تلك الحملة التي شنّتها الحكومة الإماراتية في عام 2012.
استهدفت فيها مجموعة كبيرة من الإصلاحيين والكتاب والمفكرين والناشطين وحاكمت 94 شخصاً منهم في عام 2013.
وسمّيت حملة الاعتقالات بقضية الـ “94” وحكمت على العديد منهم بعشرات السنين سجنا.
بيئة طاردة للاستثمار
رجل الأعمال تحدّث إلى مؤسسة الديمقراطية بدون إظهار هويته خوفاً من الانتقام والملاحقة.
وعلّق على المشاريع التجارية وعلى الاستثمار بين الأجنبي والمواطن في الإمارات.
وتحدث عن إشكاليات الوضع القانوني حينما تصدر أنظمة جديدة تغيّر من الوضع القائم بشكل مفاجئ وسريع.
كما عبر عن رأيه عما أسماه بـ”انعدام الشفافية وشيوع الكذب والتدليس فيما يتعلق بالوضع الاقتصادي والاستثمار وعدم الوضوح مع المواطنين.”
وقال إن الأجنبي قام باستغلال المواطن عبر أخذ القروض البنكية على حساب الشركات المحلية.
مما أثر على وضعية المواطن الاجتماعية الذي يضطر لبيع كل ما عنده لتسديد ديون الشريك الذي يهرب لبلده حالما تتورط الشركة.
هذا نص الحوار:
في البداية، هل يمكن أن تقدم لنا لمحة عن مجال المال والأعمال في الإمارات بوصفك رجل أعمال إماراتي، خصوصا بيئة العمل والاستثمار في الإمارات؟
أولا أود أن أعطي فكرة بسيطة عن الإمارات. كما تعلمون الإمارات مكونة من سبع إمارات: أبوظبي ودبي والشارقة ورأس الخيمة والفجيرة وعجمان وأم القيوين.
في كل إمارة توجد دوائر محلية، وداخل هذه الدوائر يكون فرض الرسوم على الرخص التجارية أو الغرامات.
وللحكومات المحلية أيضاً في كل إمارة غرفة تجارية، وهناك اتحاد غرف التجارة في الدوائر الاقتصادية.
لغرف التجارة هذه دور محلي بينما هناك وزارة الاقتصاد فيما يتعلق في التمثيل الخارجي والتي يتمثّل دورها بالتنسيق مع الدوائر المحلية.
وأحيانا يكون هناك ممثل عن كل دائرة يرافق وفد الوزارة في المؤتمرات أو الفعاليات الخارجية.
سؤال: هل تعد الإمارات العربية المتحدة بيئة جاذبة للاستثمار والعمل التجاري كما يتم الترويج لذلك؟
اقتصاد الإمارات اقتصاد مفتوح وهي تعتبر بيئة جاذبة للمستثمر الأجنبي عموماً وذلك لتميزها بالآتي:
– موقع استراتيجي بين الشرق والغرب
– احتياطات مالية قوية
– صناديق استثمارية كبيرة
– إنفاق حكومي على البيئة التحتية
– سياسة حكومية منفتحة على التنوع الاقتصادي
– مناطق حرة متعددة
– إقامة المعارض الدولية في مختلف المجالات التجارية
– إعطاء المستثمر كافة التسهيلات من فيز وأسعار إيجار رمزية
– قوة شرائية
– لا توجد قيود على التحويلات المالية
– إلى جانب أن المستثمر الأجنبي يحصل على إقامة مدتها خمس سنوات
– فبدون شك أن المستثمر الأجنبي يحصل على كل هذه المميزات وأكثر.
في المقابل، لو نظرنا للمواطن الإماراتي وكيف يمكن أن ينافس التاجر الأجنبي نرى أن بعض المواطنين نجحوا في أخذ الوكالات التجارية الكبيرة وجعلوها حصرية.
وهناك قانون يسمح للأجنبي أيضا أن يشارك المواطن بنسبة 49%.
وللأسف أرى بأن الأجنبي قام باستغلال المواطن عبر أخذ القروض البنكية على حساب الشركة مما جعل المواطن يقع في الفخ ويبيع كل ما عنده لتسديد ديون الشريك الذي يهرب لبلده حالما تتورط الشركة.
هذا كله دون وجود أي قانون يحمي المواطن كإجراء منع السفر على المكفول بدون إذن الشريك في حالة وجود قضية تجارية.
وعدم وجود هذا الأمر خلق الكثير من المشاكل والمحاكم مليئة بمثل هذه القضايا على المواطنين الذي يدفعون ثمن هروب الشريك الأجنبي.
سؤال: ما هي فرص المستثمر الإماراتي الشاب في بلده؟
حقيقة كان هناك مشروع لتشجيع الشباب الانخراط في التجارة مثل دعم المشاريع الصغيرة وقد حصل البعض على هذا الدعم.
إلا أن النفس الضعيفة أحيانا تحول دون إنجاح مثل هذه المشاريع وعزوف الشباب عنها بسبب سرقة المشاريع من الأشخاص الذين يعملون في الجهة الحكومية.
وسرقة المشاريع هذه تكون عن طريق رفض مشروعك في البداية ثم ترى نفس مشروعك بعد فترة قائم على يد شخص آخر مقرّب من الحكومة!
بالمقابل، من الايجابيات للمواطن أنك تستطيع دخول المناقصات الحكومية التي لا يستطيع الأجنبي دخولها.
وقد استفاد البعض من ذلك خاصة أن الحكومة صارت تخصخص بعض من الخدمات التي تقدمها أو تعطي جهات خاصة للقيام بها كتوصيل العاملين والنظافة والتموين وغيره.
سؤال: هل هناك عقبات أو مشاكل لك في الإمارات كرجل أعمال إماراتي؟ وهل هناك ميزات؟
يمكن تلخيص المشاكل التي تواجه رجل الأعمال الإماراتي بالتالي:
القوانين والإجراءات الفجائية والسريعة خاصة فيما يتعلق بالهجرة أو البلدية أو العمل والعمال.
ودعني أشرح هذا قليلاً: تخرج قوانين يجب عليك الالتزام بها فجأة وأحياناً بأثر رجعي دون إشعار مسبق ولا إعطاء مهلة لتعديل وضع المؤسسة أو الشركة وفقا للقوانين الجديدة ومتطلباتها.
أيضا فيما يتعلق بالرسوم، كل جهة لها علاقة بالتجارة وإصدار الرخص التجارية تلزمك بدفع الرسوم، وأحيانا تكون هذه الرسوم مفاجئة لم تكن في حسابات الميزانية للشركة أو المؤسسة.
وفي نفس الوقت لا تستطيع أن تضيف هذه الرسوم على المستهلك لانك لابد أن تلتزم بالعقد الذي وقعته لتقديم الخدمة المتفق عليها بالسعر المتفق عليه.
وإذا كنت مقاولاً يجب عليك أن تلتزم بالعقد المبرم مع الطرف الثاني وهكذا.
سؤال: ما هو تقييمك لوضع الاستثمار في المجال السياحي، بمعنى حالة المدن، وشركات السياحة والطيران والمطارات وغيرها؟
مجال السياحة بشكل عام مجال خصب ومكسبه يستحق العناء، لكن دخول شركات الطيران التي تعتبر “وطنية” ومنافستها للصغار يمثل عائقا كبيراً يحول دون استمرار الكثير، خصوصاً لمن ليس لديه رأس مال قوي، ولذلك لم يستمر الكثير ممن أعرفهم في هذه التجارة.
سؤال: ماذا عن المستثمر الأجنبي؟
لا اعتراض على جذب المستثمر الأجنبي، لكن يجب أن تكون هناك شروط تصب بالنهاية في مصلحة الوطن والمصلحة العامة للناس لا مصلحة فئة ضيقة.
يجب أن يكون ذلك في مصلحة المواطن في النهاية، بحيث تلزم الأجنبي أن يقوم بتعيين عدد من المواطنين في مؤسسته أو شركته سواء كان ذلك في المناطق الحرة أو داخل البلد في السوق المحلي.
وكمثال، أن تلزم الأجنبي ببعض الضرائب الخدمية حتى تستفيد البلد مثلما هو يريد ان يستفيد من البلد.
سؤال: حدّثنا عن علاقتك برجال الأعمال الخليجيين ونظرتهم للاستثمار في الاستثمار. ما هي أبرز المشاكل التي تواجههم؟
من خلال لقاءاتي المتكررة مع التجار الخليجيين، روى لي أحدهم قصته مع الاستثمار في إحدى المدن الإماراتية فقال إنه استثمر مبلغا لا يقل عن 200 مليون درهم في مصنع وغيره إلا أنه فوجئ بما لم يكن يتوقعه فيما يخص الخدمات التي تقدم والتسهيلات للمستثمر، لدرجة أنه شبّه هذه المدينة بالفقاعة التي تمتلئ بالهواء ثم تنفجر.
وأذكر أني وقتها اعترضت على كلامه فقال لي “سترى”.
وأظن أن ما نراه اليوم فعلا يثبت صحة كلامه، لأن انعدام الشفافية وشيوع الكذب والتلبيس في الوضع الاقتصادي لابد أن يكتشفه الناس في النهاية.
والناس تقول الكذب حبله قصير وسوف يكتشف عاجلاً أو آجلاً.
والآن نرى ان اقتصاد الإمارات يختلف عما كان في أعوام الاستقرار.
وفترة الاستقرار أقصد فيها يوم لم يكن لنا أعداء في أي بقعة من الكرة الأرضية.
وحينما بدأت حكومة أبوظبي بالتصعيد ضد المواطنين وضد الدول الأخرى انعكست الكوارث على الداخل.
وأظن أن الكوارث بدأت بالفعل من الداخل بالاعتقالات لأبناء الوطن ومن الخليجيين والعرب وغيرهم.
وهنا تزعزعت الثقة لأن هناك تجارا عرب اعتقلوا وعذبوا داخل السجون، وبعد خروجهم هاجموا الإمارات في مختلف وسائل الاعلام.
ولاشك هذا له تأثير على الوضع وعلى سمعة البلد وعلى الاستقرار، فالاعتقالات السياسية لها ثمن باهظ علينا جميعاً، أن المستثمر يريد بيئة مستقرة تتمتع بحرية الرأي.