خسرت دولة الإمارات معسكرين هامين للميليشيات التابعة لها في اليمن خلال 24 ساعة ضمن المساعي اليمنية للتصدي لمؤامرات أبو ظبي في نشر الفوضى والتخريب في البلاد.
وكشفت أوساط يمنية أنه خلال ٢٤ ساعة خسرت الامارات معسكرين هامين الأول معسكر (أبوموسى الاشعري) في الخوخة.
وقبل ذلك استعادت القوات اليمنية التابعة للحكومة الشرعية، معسكراً للجيش في محافظة أرخبيل سقطرى من عناصر تابعين للمجلس الانتقالي المدعوم إماراتياً.
وبسطت القوات الحكومية سيطرتها على معسكر القوات الخاصة في مدينو حديبو، بعد 8 أسابيع من التمرد الذي نفذته ما تُسمى قوات الحزام الأمني المدعومة من دولة الإمارات.
وأكد المصدر أن العشرات من العناصر الموالين للإمارات انسحبوا من المعسكر، فيما خاض عدد من العناصر اشتباكات محدودة مع الحملة الأمنية التابعة للشرعية.
وأدت العملية إلى إطلاق قائد عسكري موالٍ للشرعية، بالإضافة إلى شقيق مدير شرطة سقطرى، بعدما كان المتمردون الموالون للإمارات قد اختطفوهما أواخر الأسبوع الماضي.
وكان عناصر مدعومون من الإمارات قد حاولوا قبل أيام الاعتداء على منزل محافظ سقطرى رمزي محروس، في مسعى منهم لتفجير الوضع بالجزيرة.
وعلى الرغم من أن التحالف السعودي الإماراتي تدخّل في الحرب اليمنية بحجة دعم الشرعية ومنع الانقلاب عليها، إلا أن الضربات التي وجّهها التحالف إلى الشرعية في السنوات الخمس الأخيرة، بدت أكثر من عمليات حمايتها، وهو ما جعله يخرج عن مهامه ويتحوّل إلى عبء، استفاد منه الحوثيون ورتبوا صفوفهم وقلبوا المعادلة على أكثر من مسرح عسكري وسياسي.
أبرز صور هذه الطعنات تمثّلت بدعم مليشيات خارج إطار الدولة في المحافظات الجنوبية والساحل الغربي، وصولاً إلى وجود غامض للتحالف في مناطق لم يصل إليها الانقلاب الحوثي، ولا سيما في سقطرى والمهرة والمكلا، وهو ما أدى إلى تفسخ الدولة في المحافظات المحررة، كما هو حال غيابها في مناطق الحوثيين.
اليوم وبعد خمس سنوات من الحرب؛ لا شك أن من المسلمات الدائرة في اليمن وجود أجندة خفية للتحالف السعودي الإماراتي في البلاد، وأن هذه الأجندة هي التي تضبط سير المعارك وتوجهها اندفاعًا وانحسارًا، وبما يلائم الحسابات الخفية التي تقبع في العقل الباطن لقيادة التحالف، والمتحكمة في صيرورة المعارك بشكل عام.
وبديهي أن هذه الأجندة الخاصة تناقض الهدف العام المتمثل في استعادة الشرعية ودحر الانقلاب؛ بل هي على النقيض من هذا تمامًا، حيث تسهم في إطالة زمن الحرب ومعها إطالة عمر الانقلاب، وهنا تكمن مأساة الحروب المدجنة ذات الأهداف الناقمة والنوايا المدمرة.
ومثلما تجلى الأمر في معارك كثيرة في الداخل؛ ظهر أيضًا في معارك الحدود أكثر وضوحًا، خصوصًا بعد أن تمكن فيلم “موت على الحدود” من استجلاء القصة بكل أبعادها، وبمستوى توثيق عالٍ صدم المشاهد اليمني والأطراف المتورطة، وهي تنظر لنفسها مكشوفة وقد تمكن الفيلم من تعريتها كما هو عليه جوهرها الخفي، الذي ربما لم تكن تتوقع أن يخرج للعلن وبتلك الصورة المحترفة.
وبعيدًا عما يروّجه التحالف السعودي الإماراتي من أهداف نظرية معلنة بخصوص حربه على اليمن؛ فإن الواقع يقول لنا شئيا آخر، وما أفصح عنه فيلم الجزيرة يعدّ بمثابة منظار تفسيري، يشرح سلوك التحالف من زاوية واقعية، ويؤكد دوافعه الحقيقية في الحرب.
إذ لا يوجد أي تفسير منطقي لهذه الحالة العبثية التي يمارسها التحالف في اليمن -سواء فيما يتعلق بسلوكه الداخلي بشكل عام، أو فيما يخص تعامله مع المواطنين اليمنيين المجندين للقتال معه على الحدود- سوى تفسير واحد: هو أن هذا السلوك يأتي في سياق الحقد الشامل على البلاد، وهذا ليس تفسيرا عاطفيا لأن واقع التعامل السعودي مع اليمنيين (شعبًا وحكومة) لا يمكن تفسيره بعامل مصلحة المملكة المتصادمة مع مصلحة اليمن، ولا بالفشل والعجز؛ بل هو سلوك قصدي يهدف لإذلال اليمنيين وتطويعهم، كما يكشف استعلاء السعودية وكأنها تتعامل مع شعب غير مرئي وحكومة منزوعة الصلاحية، أو هكذا يجب إبقاؤها لتتمكن السعودية من التحكم في المشهد كليًّا حتى النهاية.
إلى جانب ما سبق، وأمام هذه السياسة العدمية؛ يخرج المشاهد للفيلم بتفسير آخر يشرح لنا غاية السعودية من عبثها باليمن، وهذا التفسير المركزي يكتسب موثوقيته من الخلاصة العامة لطبيعة الحرب. وسواء كان هذا الهدف مرسوما بشكل واعٍ، أو يتحقق بطريقة لا واعية؛ فإنه بكل الحالات يتجسد أمام كل من يتأمل المشهد، وبما لا يدع أي مجال لغض الطرف عنه.
ويمكن تكثيف الغاية العامة والمتحققة لحرب السعودية في التفسير التالي: وهو أن التحالف السعودي الإماراتي يهدف لتدمير الكتلة البشرية باليمن، على اعتبار أن هذا البلد الجار يشكل خطرًا على السعودية ولا طريقة لاحتوائه سوى بهذا النهج، الأمر الذي يفسر رغبة السعودية باستنزاف كل الأطراف الداخلية وإبقاء اليمن مصهرة مفتوحة لا منتصر فيها ولا مهزوم. وهي بهذا النهج ترغب في إنهاك اليمن على المدى البعيد، وضرب الكتلة الحيوية فيه بما يجعل البلاد في حالة شلل كامل لعقود.
أي أن السعودية هنا لا ترغب في انتصار الحوثي ولا هزيمة الشرعية، كما لا تريد انتصار الشرعية ولا هزيمة الحوثي كليًّا؛ بل إن غايتها هي إدارة الحرب بشكل يجعلها تحت السيطرة، وبما يحقق أكبر قدر ممكن من النزيف الداخلي للبلاد وتفريغ اليمن من طاقاته، وبعد أن تتمكن من إنهاك كل الأطراف سيكون الوضع مثاليًا لتمرير أي خطة سلام مهجنة، تؤسس لاتفاق هش لا يبني دولة ولا يجتث مسببات الحرب من جذورها.
على مدى سنوات ومنذ انطلاق عاصفة الحزم؛ حرصت جماعة الحوثي على نعت كل من يعمل مع السعودية من اليمنيين بأنهم مرتزقة، بما في ذلك الحكومة الشرعية وقياداتها، وتمكنت الجماعة من تسويق هذه التهمة لدى أنصارها، بما ينزع الصفة الوطنية عن كل اليمنيين الذين يعملون مع السعودية منذ بداية الحرب، ويمكن الحوثي من حشد مزيد من المقاتلين.
وبصرف النظر عن مدى دقة هذا التوصيف الحوثي؛ فإن المشكلة هنا هي أن السعودية -بطبيعة تعاملها مع اليمنيين وبالتحديد المقاتلين على الحدود- أكدت بشكل صارخ رواية خصومها الحوثيين، بكونها تتعامل مع اليمنيين -حتى أولئك الذين يدافعون عنها- كما لو أنهم مرتزقة فعلًا، بلا أي كرامة أو حقوق.
هذا التعامل السعودي المُهين مع اليمنيين وكما كشفه فيلم الجزيرة؛ يمنح خطاب الحوثي موثوقية لدى أنصاره، ويتيح له استثمارها لتعزيز موقفه الوطني، مما يعني أن السعودية تتخادم مع الحوثي بما يحقق نفس الهدف، فإذا ما كان الحوثي يحتكر الصفة الوطنية له وحده -متهمًا كل من يتعاون مع السعودية بكونه مرتزقا- فالسعودية تؤكد له صحة خطابه، وبشكل يمثل طعنة لليمنيين الذين قدموا أرواحهم حماية المملكة.
فاليمني -وهو يذهب للقتال دفاعا عن حدود المملكة- لم يكن فردًا تم استئجاره من شركة تعمل في تأجير المقاتلين كي يقال عنه مرتزق، بل مواطنًا مسحوقًا وفي بلد تخوض حربًا مفتوحة تتقدمها المملكة، وذهابه هنا -بصرف النظر عن دوافعه الذاتية- يظل قتالا مع دولة جارة على اعتبار أنه يقف معها في خندق واحد معها، وفي معركة ذات هدف واحد هو استعادة الدولة اليمنية وإسقاط الانقلاب.
أي أن المشكلة مبدئيًا لم تكن في ذهاب مقاتلين يمنيين للقتال مع المملكة، بل في طريقة تعاملها معهم والمنهجية المتبعة في تجنيدهم، وهي سياسة تكشف نظرة السعودية الدونية لليمن، وإصرارها الدائم على تجاوز الأعراف الدبلوماسية في تعاملها مع اليمنيين، وكأنها تتحاشى أي سلوك رسمي يتعزز به حضور الحكومة اليمنية.
وبمعنى آخر؛ فإنها تنتهج أسلوبًا يرسخ الفوضى وحالة اللادولة، وما طريقة تجنيدها للمواطنين اليمنيين للقتال على حدودها -كما عرضها فيلم الجزيرة- سوى مثال صارخ على هذا السلوك السعودي المستخف باليمن أرضًا وإنسانًا، حتى أولئك الذين يعملون لخدمتها.
وبعد خمس سنوات من عاصفة الحزم، ومن واقع الصورة النهائية التي رست عليها الحرب في اليمن؛ يتأكد لنا يوميا أن التحالف العسكري بات أكبر عبء على كاهل الشرعية اليمنية التي جاء ليمكّنها من ممارسة حقها السيادي على الأرض، فإذا به يصادر قرارها السيادي ويكبل تحركها العسكري، بجانب تجاوزاته الأخلاقية التي تضعها في ورطة أكبر؛ فلا هي قادرة على التحكم في مجريات الأمور، ولا هي تملك اليد الطولى لوضع حد لتجاوزات التحالف وضبط العلاقة معه.
بالطبع ليست الأمور قدَرية إلى هذا الحد، وكان يمكن أن تسري بطريقة مختلفة؛ لكن الحالة الواقعية تقول لنا: إن الحكومة الشرعية ارتضت حالة الاستلاب هذه، وباتت تتعامل معها كما لو أنها وضعية جبرية لا مجال للتحايل عليها، ولا لخلق أي واقع جديد يعيد لها قدرتها على الإمساك بواقعها المنفلت.
مرة أخرى؛ أكد فيلم “موت على الحدود” -للمرة الألف- أن الحكومة الشرعية تتجلى كسلطة هزيلة لا تملك القدرة على حماية مواطنيها، بل إنها تُستخدم من التحالف كمحلل لشرعنة سلوكياته، وهذا أمر حدث ويحدث في مواقف كثيرة، وما أورده الفيلم بخصوص إصدار مسؤول القنصلية اليمنية في السعودية لوثائق سفر مؤقتة للمواطنين المقاتلين مع المملكة، هو أمر يؤكد هذه القناعة الراسخة لدى الناس، ويسندها بتوثيقات واقعية مؤسفة.
فقد صار دَور الشرعية ومسؤوليها مقتصرا على مباركة السلوك السعودي وتسهيل إجراءاته، بعيدًا عما إن كان التجنيد يتم بإشراف الحكومة أم لا، وما إن كان سلوك السعودية قانونيا أم يفتقر إلى أي تأطير شرعي، وكأن المجندين مواطنون ينتمون لبلد مجهول، بلا حكومة تتحدث باسمهم ولا سلطة تفاوض تضمن شروط تجنيدهم أو تأمين مستقبلهم.
هذا الأمر لا يضع الحكومة الشرعية في حرج فحسب، بل يرسم علامات استفهام كبيرة حول مدى تمثيلها لشعبها، ويجرّدها من شرعيتها بمستوى أو آخر؛ فحين تتخلى حكومة شعب عن رعاية مصالح مواطنيها وتذهب أبعد من ذلك في التواطؤ ضدهم أو الصمت على تجنيدهم بتلك الصورة العبثية، فإنها بهذا تضع شرعيتها على المحك، وتحفر قبرها بيدها أو بيد الحليف الذي جاء لمساعدتها فغضت الطرف عن كل ما يقوم به.
والخلاصة هي أنه بعد خمس سنوات من حرب السعودية في اليمن؛ تستعيد الذاكرة استنتاجا شهير جاء في كتاب “الأمير” لماكيافيلي وهو يتحدث عن المخاطر الناشئة عن طلب مسؤولي أي بلد لقوة خارجية لدعمهم؛ فقال: “عندما يطلب حاكم من دولة القدوم بقواتها لمساعدته فإن هذه الفكرة قد تكون جيدة جدا، إلا أن مستقبل هذه القوة تصبح في غاية الخطورة لمن يطلبها، لأنها إن خسرت تجره معها للهزيمة، وإن انتصرت يصبح تحت رحمتها”.
على أن المفارقة المختلفة قليلا في حالة اليمن هي أن التحالف -الذي طلبته السلطة الشرعية- لا هو انهزم كليًّا وبالتالي هُزمت الشرعية معه، ولا انتصر بشكل واضح فأصبحت الشرعية تحت رحمته. وما حدث هو أنها أصبحت تحت رحمته دون أن يكون منتصرًا، أي أنه مصير جمع أسوأ ما في الخلاصة التي استنتجها ماكيافيلي قبل خمسة قرون.
وباختصار؛ فإن “سلاح الغير إما أن يسقط عن كتفك أو يثقل كاهلك أو يشلّ حركتك”، كما يقول ماكيافيلي. وهذا هو وضع اليمن والحكومة الشرعية في علاقتها بالتحالف السعودي الإماراتي، بعد خمس سنوات من بدء حربه على اليمن. ومن لا يزال في قلبه ذرة من ريبة بشأن دقة هذه الخلاصة؛ فليذهب لمشاهدة الفيلم المذكور أعلاه، ثم ليتفضل فيخبرنا: ما الذي تريده السعودية من هذا العبث كله؟.
