تجمع مصادر دبلوماسية عربية وغربية على أن دولة الإمارات شرعت منذ أسابيع في خطة خبيثة تستهدف الدفع نحو تقسيم السودان بعد عامين من تأجيج أبوظبي الحرب الأهلية ونشر الفوضى في البلاد خدمة لمخططاتها.
ولا يعد التوجه نحو تقسيم السودان مفاجئًا، إذ سبق أن دعمت الإمارات ولا زالت مشروعات مماثلة في دول عربية أخرى مثل اليمن وليبيا، مستغلة الفوضى والصراعات الداخلية لفرض أجندتها.
ومع ازدياد الضغوط الدولية على أبوظبي بسبب دعمها لميليشيات الدعم السريع، يبدو أن خيار الانفصال بات أحد السيناريوهات المفضلة لأبو ظبي للحفاظ على نفوذها في البلاد بعد أن دعمت الميليشيات بالأسلحة والتمويل، وهو ما ساهم في استمرار الحرب الأهلية الطاحنة التي دمرت السودان.
وتتزايد المؤشرات على أن قائد ميليشيات قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، المعروف بـ”حميدتي”، يستعد لإعلان كيان منفصل في المناطق التي يسيطر عليها، بدعم مباشر من الإمارات.
وبعد أكثر من عامين من الصراع الدموي بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع، تتحرك أبوظبي نحو تكريس واقع جديد يهدد وحدة السودان، في محاولة لضمان استمرار مصالحها ونهب ثروات البلاد.
وشهدت العاصمة الكينية نيروبي، اجتماعات متتالية سرية لقادة ميليشيات قوات الدعم السريع مع ممثلين عن حركات وعشائر موالية، وسط تكهنات بأن اللقاء يهدف إلى الإعلان عن حكومة انفصالية في المناطق التي تسيطر عليها قوات حميدتي.
وهذا التحرك يأتي في وقت يحقق فيه الجيش السوداني تقدمًا عسكريًا على الأرض، ما يضعف موقف قوات الدعم السريع ويدفعها للبحث عن خيارات بديلة، بدعم من راعيها الإقليمي النظام الإماراتي.
وتزامنًا مع التقدم العسكري للجيش السوداني، طلبت الإمارات من البرهان الموافقة على هدنة بمناسبة شهر رمضان، لكن رئيس المجلس السيادي رفض هذا الطلب، مشترطًا استسلام قوات الدعم السريع بالكامل. ومع هذا الرفض، يبدو أن ابن زايد اتجه إلى خطة بديلة تهدف إلى تقسيم السودان عبر إعلان كيان انفصالي بقيادة حميدتي.
وفي السياق شدد تقرير نشرته صحيفة “التايمز” البريطانية، على أن الطرفين المتحاربين في السودان أعلنا عن خطط لمستقبل السودان وعلى خطوط الحرب الأهلية بشكل يدفعه إلى الانقسام بحكم الأمر الواقع بعد عامين من الحرب.
وأشارت الصحيفة لاجتماع عقدته قوات الدعم السريع شبه العسكرية وتحالف من الحلفاء السياسيين يوم الثلاثاء للاتفاق على ميثاق يحدد سلطة وحدة لحكم الأراضي الخاضعة لسيطرة المقاتلين.
والشهر الماضي، اتهمت الولايات المتحدة رسميا قوات الدعم السريع، التي تعتمد على الدعم العسكري والمالي من الإمارات، بالإبادة الجماعية.
وكان قائد الجيش السوداني، الجنرال عبد الفتاح البرهان قدم رؤيته عن “كتلة سياسية ديمقراطية” للحكم وبقيادة رئيس وزراء مدني. وسيتم توقيع الميثاق هذا الأسبوع وربما علم نقطة تحول في الحرب الأهلية ويؤدي إلى تقسيم البلاد بناء على خطوط المعركة، وفقا للتقرير.
ونظرا لاستمرار الحرب في مناطق عدة من السودان، فمن غير المرجح أن يسيطر أي طرف على مناطق واسعة من البلاد، كما حدث في ليبيا، حيث نشأت حكومتان تديران جزءا من البلاد ومنذ ما يزيد عن عقد.
وفي الوقت الذي عقد فيه الدعم السريع اجتماعه في كينيا خرجت التقارير الإخبارية عن مجازر ارتكبها عناصر الدعم السريع وقتلهم أكثر من 200 شخص من بينهم أطفال في ولاية النيل الأبيض. وقتل الكثيرون منهم وهم يحاولون اجتياز نهر النيل هربا، حسب “محامو الطوارئ”، التي توثق انتهاكات حقوق الإنسان في السودان.
ووفقا للتقرير، لا تسيطر قوات الدعم السريع على الولاية بالكامل. وكشفت صور فيديو في ما بعد المجزرة في القريتين الواقعتين على بعد 55 ميلا من العاصمة الخرطوم مقبرة جماعية امتلأت بالجثث المغطاة بالأكفان ومن كل الأحجام.
وجاء الهجوم مع تصاعد الحرب بين الطرفين وتحقيق الجيش تقدما في الخرطوم.
ونقلت الصحيفة عن كاميرون هدسون، وهو زميل بارز في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، قوله إن توقيت إعلان حكومة الوحدة الوطنية من جانب قوات الدعم السريع، في الوقت الذي تخسر فيه أراضي رئيسية لصالح الجيش، يجب أن يُنظر إليه “بقدر كبير من الشك”.
وأضاف: “إنها تحاول أن تحقق على طاولة المفاوضات ما فشلت في تحقيقه على أرض المعركة”.
واندلع الصراع في السودان في نيسان/ أبريل 2023 عندما فشلت القوات الحكومية في الوصول إلى اتفاق لتقاسم السلطة مع قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو. وكان من شأن الاتفاق أن يؤدي إلى انتخابات ديمقراطية بعد الانقلاب العسكري الذي نفذ بشكل مشترك في عام 2021.
وقتلت الحرب عشرات الآلاف وشردت أكثر من 11 مليونا وخلقت ما وصفته لجنة الإنقاذ الدولية بأنه “أكبر أزمة إنسانية تم توثيقها على الإطلاق”. وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إنها كانت كارثة “مذهلة من حيث الحجم والوحشية”.
واتهم الجانبان بارتكاب جرائم حرب، على الرغم من أن قوات الدعم السريع تشتهر بارتكاب التطهير العرقي والعنف الجنسي المنهجي، وخاصة في دارفور، موقع الإبادة الجماعية قبل أكثر من عقدين من الزمان.