موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

الجزائر والإمارات… نحو مواجهة مفتوحة تتجاوز الخطاب إلى حسابات القوة الإقليمية

840

في أحدث فصول التوتر المتصاعد، أطلق الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عبارة لافتة خلال فعالية في مقر وزارة الدفاع الوطني: «كلّنا أشقاء عدا دولة واحدة». لم يُسمِّها، لكن الرسالة فُهمت على نطاق واسع في أبوظبي وكرست أن البلدين نحو مواجهة مفتوحة.

ويأتي هذا التصريح امتدادًا لتحذيرات سابقة وجّهها تبون للإمارات من “التعامل مع الجزائر كما تُعامِل غيرها”، مع اتهامات صريحة بتغذية الصراعات الإقليمية، ما رسّخ قناعة بأن الأزمة بين البلدين انتقلت من البرود الدبلوماسي إلى مشهد اشتباكٍ سياسي معلن.

لماذا الآن؟ حزمة ملفات تنفجر معًا

تتقاطع عدة ملفات في توقيت واحد. أولها حرب السودان، حيث تتزايد الدلائل الأممية والإعلامية على دعم إماراتي مادي ولوجستي لقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، بما في ذلك أسلحة وتقنيات وطائرات مُسيّرة، الأمر الذي نفته أبوظبي مرارًا.

وقد بلغ الاشتباك ذروته هذا الخريف مع تعطل شحنات النفط عبر بورتسودان وتبادل الاتهامات، في ظل حصار ومجازر متكررة حول الفاشر. بالنسبة للجزائر—التي تنظر إلى الساحل والصحراء كعمقٍ أمني—تتحول أي رعاية لوكلاء مسلحين في الجوار إلى تهديد مباشر لاستقرار محيطها الجنوبي.

ثانيها مسار التطبيع الإماراتي–الإسرائيلي الذي صمد رغم حرب غزة، وتوسّع إلى تعاون أمني ودفاعي أعمق برعاية أمريكية. هذا المسار لا يختلف على أهميته الاستراتيجية لأبوظبي، لكنه يُقرأ في الجزائر—التي ترفع لواء القضية الفلسطينية تاريخيًا—بوصفه اقترابًا إماراتيًا من ترتيبات أمنية في البحر الأحمر والقرن الأفريقي تصبّ في مصلحة إسرائيل وتُعيد رسم خرائط النفوذ.

منذ الربيع الماضي، شهدت الساحة الإعلامية تبادلاً متصاعدًا للرسائل: تقارير وهجمات لفظية منصوبة على القنوات والمنصات، مقابل ردودٍ جزائرية قاسية عبر التلفزيون العمومي وخطاب الرئاسة.

ورغم أن بعض المنابر التي وثّقت التلاسن ليست مرجعياتٍ رسمية، إلا أن الصورة الإجمالية تؤكد انتقال السجال من القنوات الدبلوماسية إلى “شبكات التأثير” الموازية، بما يعكس رغبة لدى الطرفين في إيصال الرسائل على الملأ وحشد الرأي العام.

جوهر الاعتراض الجزائري

ثلاثة محاور تشكل “عريضة الاتهام” غير المعلنة:

تغذية صراعات الجوار: دعمٌ لوكلاء مسلحين في السودان وفق تقارير ومذكرات مرفوعة للأمم المتحدة، بما يقوّض مساعي التهدئة ويُنتج موجات نزوح وتجارة سلاح عابرة للحدود قد تلامس الصحراء الكبرى.

تثبيت تطبيع أمني مع إسرائيل: تعاون دفاعي وتبادل تقني يُترجم حضورًا في عقدة البحر الأحمر وخطوط الملاحة، وهو ما ترى فيه الجزائر تمددًا لتموضعٍ إقليمي يستبعد مقاربة “الأمن العربي الجماعي” التقليدية.

توظيف النفوذ الاقتصادي: استثمارات ومشاريع وبوابات مالية يمكن—في قراءة الجزائر—أن تتحول أدوات ضغطٍ سياسي في فضاءاتٍ حساسة مغاربيًا وساحليًا (المغرب/الساحل/الموانئ)، وإن كانت الأدلة العلنية متفاوتة ومحلّ نزاع إعلامي. (استنتاج يستند إلى تتبعٍ واسع للعلاقات الاقتصادية لا يُلغي الحاجة إلى توثيق رسمي أشمل.)

لماذا يعلو السقف الآن؟

الجزائر تُرسل رسالة بلغة الجيش: “نراكم”، في إشارة إلى أن ما يُعدّ نظريًا “تنافس نفوذ” بات يُلامس خطوطًا حمراء أمنية عند حدودها الجنوبية والشرقية.

رفع السقف العلني يمهّد—إن لزم—لإجراءات سيادية: تشديد رقابة الحدود والعبور، تضييق على قنوات مالية مشتبه بها، أو تحشيدٍ دبلوماسي أفريقي/أممي عبر ملفات السودان والساحل.

على الجانب المقابل، تميل أبوظبي إلى الرد غير المباشر عبر “شبكات إعلامية” وتلميحات اقتصادية، تجنبًا لتدويل مواجهةٍ مفتوحة قد تضر بصورتها كشريك استثماري وداعمٍ للاستقرار.

المخاطر الإقليمية

تحويل الخلاف إلى “حرب باردة عربية” جديدة يحمل كلفة باهظة:

في السودان: أي سباقِ رعاياتٍ لوكلاء ميدانيين يفاقم التفكك، ويضاعف ضغط اللجوء نحو ليبيا وتونس والجزائر.

في المتوسط والمغرب العربي: توتيرٌ إضافي في ملفات الحدود والطاقة والموانئ قد يُربك مشاريع الربط والأنابيب والتجارة.

في البحر الأحمر والقرن الأفريقي: تضارب الأجندات الأمنية يُضعف المسارات الدولية لحرية الملاحة وحماية الممرات.

سيناريوهات الأشهر المقبلة

احتواءٌ مشروط: وساطة عربية–أفريقية غير معلنة تخفّض نبرة الخطاب، مقابل تفاهمات ميدانية في السودان والساحل (تقليص تدفقات السلاح/المرتزقة وضبط التمويل).

تصعيدٌ تدريجي: تبادل خطواتٍ رمزية (استدعاء سفراء، قيود على استثمارات/شحنات)، مع استمرار السجال الإعلامي، وتوسيع التنسيق الجزائري مع شركاء أفارقة وأوروبيين في ملفات التهريب والحدود.

تدويلٌ انتقائي: جرّ الملف إلى أروقة أممية عبر بوابة السودان أو الاتجار بالمرتزقة والسلاح، بما يحرج أطرافًا إقليمية ويحملها على تعديل السلوك.

وعليه فإن العبارة التي أطلقها تبون ليست قفزةً في الهواء، بل ذروة مسارٍ تراكم منذ سنوات: الجزائر تعتبر أن نمط “إدارة النفوذ بالوكالة” الذي تُنسب إلى الإمارات منه مقادير أساسية، بدأ يمس أمنها القومي مباشرة عبر السودان والساحل، فيما ترى أبوظبي أنها تتحرك ضمن استراتيجية ردعٍ وتوازن إقليميين نسجتهما اتفاقات أبراهِم وشراكتها الأمريكية.

وما بين “لغة الجيش” في الجزائر و”شبكات السرعة الناعمة” في الإمارات، تبدو المواجهة ذاهبةً إلى اختبار إراداتٍ طويل. كلفة الفشل في احتوائها لن تُحسب بالدبلوماسية فقط، بل بخرائط السلاح واللاجئين والممرات البحرية على تخوم شمال أفريقيا والبحر الأحمر.