قال مركز الإمارات للدراسات والإعلام “ايماسك” إن اتفاق عار التطبيع مع إسرائيل الذي تم إعلانه يوم الخميس برعاية أمريكية يمثل نكسة تاريخية للإمارات.
وأشار المركز إلى وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الاتفاق بين إسرائيل والإمارات بـ”اليوم التاريخي”، مؤكدا أنه “نكسة تاريخية بالفعل ستسجل في يوم إماراتي وفلسطيني أسود”.
وأشار المركز إلى أن النظام الحاكم في الإمارات تخلى عن كل مبادئ الإمارات وعن “ثوابت شعبها” ورؤية و”ثوابت” الآباء المؤسسين لصالح الاحتلال الإسرائيلي.
وقال “إنه يوم أسود رفعت أبوظبي فيه الراية البيضاء الأولى في شبه الجزيرة العربية أمام الاحتلال الإسرائيلي. وأخرجت التطبيع من تحت الطاولة إلى أعلاها غير مكترثة ولا خائفة من غضب الشعب الذي يؤمن بالقضية الفلسطينية، إيماناً لا يتزحزح ولم تغيره أو تؤثر عليه أي عوامل تطبيع في المنطقة العربية”.
وأضاف “بررت السلطات الإماراتية أن الهدف من إعلان علاقة مع الكيان الصهيوني هو وقف السيطرة على أراضي الضفة الغربية، فمن نحن حتى نفاوض باسم الأخرين وباسم الشعب الفلسطيني المناضل المواجه للاحتلال منذ عقود! لقد تخلت سلطات بلادنا عن القضية الفلسطينية وباتت تقود النكسة الجديدة في العالم العربي”.
وأبرز أنه من كان يتابع تحركات السلطات وعلاقتها مع المسؤولين الإسرائيليين والعمل ضمن “صفقة القرن” التي تخدم الاحتلال، كان يعيّ أن تتقدم العلاقة بين الطرفين لكنه لم يكن يتوقع أن تصل الجرأة إلى إقامة علاقة دبلوماسية والاعتراف بالاحتلال الإسرائيلي كدولة ضاربة عرض الحائط بواحد من أهم ثوابت الإماراتيين الخارجية، والاصطفاف مع العدو ضد أبناء جلدتنا وإخواننا الفلسطينيين.
طوال السنوات الماضية من السلطة الجبرية والسياسة الخارجية المسيئة للإماراتيين ولثوابتهم، تكرر الحديث في وسائل الإعلام أن السلطة تقوم بتنفيذ “وصايا الشيخ زايد مؤسس الدولة طيب الله ثراه”، فهل كان التطبيع مع الكيان الصهيوني أحد تلك الوصايا؟: أبداً، لا فهذا الموقف واضح وضوح الشمس في كبد السماء فلم يكن الشيخ زايد مطبعاً ولا خائناً لقضايا الأمة العربية والإسلامية ولا للقضية الفلسطينية بالذات. فهل تأكد للجميع أن كل تلك الشعارات عن تنفيذ وصايا الشيخ زايد محض دعاية رنانة هدفها استلاب عاطفة الإماراتيين المُحبة لمؤسس الدولة.
وتساءل مركز الدراسات الإماراتي “أي تاريخ يسجل هذا الحدث الشنيع، وبأي صورة سيواجه الجيل الحالي الأجيال القادمة، وما المبررات التي سنقدمها لأطفال الإمارات للتطبيع مع إسرائيل، وكيف ستحفظ الدولة ماء وجهها وتاريخها الذي تبخر مع الإعلان المشؤوم!”.
وقد خرجت العلاقة بين أبو ظبي وتل أبيب إلى العلن، رغم أنها كانت حديث العالم كله وكانت خيوطها المخفية ظاهرة للعيان في مستويات متعددة، بدت غالبا ضد القضية وأصحابها، وانحيازا للمحتل في محطات ولحظات حاسمة.
اختار الحاكم الفعلي للإمارات محمد بن زايد أن يعلن الزواج السياسي بين أبو ظبي وتل أبيب بعد خطوبة استمرت عدة سنوات، واقترف فيها الطرفان كل المحرمات عربيا وإسلاميا، ورغم ذلك فقد نال هذا الزواج السياسي مباركة هيئة الإفتاء الإماراتية ببيان صادر عن رئيسها العالم الموريتاني عبد الله بن بيه الذي رأى أن مثل هذه العلاقات هي شأن سيادي للحاكم.
بين الإمارات وإسرائيل حبال وصل قديمة، وأخرى غرستها الأجيال الجديدة من أبناء الشيخ زايد، وتتراوح هذه الحبال بين أسباب تتترس وراءها الإمارات في وجه غضب عربي عام، وبين أخرى هي الأصل والهدف الحقيقي، ومن أبرز هذه الأسباب:
وقف خطة الضم الإسرائيلية
هذا هو المبرر الأبرز الذي قدمته الإمارات لخطوتها المثيرة للسخط عربيا وإسلاميا، فقد أجمعت التصريحات الرسمية وشبه الرسمية الإماراتية على التركيز على هذا المبرر، بيد أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لم يتأخرا كثيرا في نفي ذلك.
فقد سارع ترامب للتأكيد على أن ما سيحصل هو تجميد لخطة الضم، وكذلك فعل صهره ومستشاره جاريد كوشنر، أما نتنياهو فنفى بشكل قاطع أي نية لإلغاء الضم، وقال إن ما يجري هو مجرد تجميد، علما بأن خطة الضم كانت في الأصل في حالة تجميد، وتأخر تنفيذها أكثر من مرة عن وقتها.
محاولة إنقاذ الحليف الغريق
يعاني نتنياهو اليوم من أزمة مركبة وذات أوجه متعددة (سياسية وقضائية واقتصادية)، فمن الأزمة السياسية التي أدت إلى ثلاث انتخابات لم يستطع حسمها، إلى الملاحقات القضائية في ملفات فساد تلتف حول عنقه، ويخشى أن تقوده إلى أحد السجون، وتقضي على ما بقي لديه من طموحات سياسية.
هذا فضلا عن الأزمة الاقتصادية واستفحال البطالة في صفوف الإسرائيليين وما خلفته جائحة كورونا من متاعب على الاقتصاد الإسرائيلي الذي يعاني منذ سنوات.
تأتي صفقة التطبيع محاولة من أبو ظبي لمد حبل إنقاذ لنتنياهو الغريق في بحر تلك الأزمات السياسية والقانونية والاقتصادية.
هدية انتخابية لترامب
وصف ترامب صفقة التطبيع باعتبارها اتفاقا تاريخيا، وأضافها لقائمة طويلة من المكاسب والهدايا التي قدمها لإسرائيل منذ وصوله للسلطة، مثل قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارة واشنطن إليها، والاعتراف بسيادتها على الجولان.
يبدو ترامب اليوم في وضع صعب جدا، خصوصا بعد التأثيرات الكبيرة لوباء كورونا على أداء الاقتصاد الأميركي وما تسببت فيه من خسائر بشرية واقتصادية كبيرة في الولايات المتحدة.
صفقة التطبيع بين الإمارات وإسرائيل تمثل هدية كبيرة لترامب في وقت حساس جدا، لتعزيز حظوظه في الانتخابات، وللتقرب من الدوائر اليهودية في الولايات المتحدة التي تمنح أصواتها عادة للديمقراطيين.
مغازلة بايدن والديمقراطيين
في ظل موقفه المعلن من السعودية، وربما من المحور الذي يعتمد عليه ترامب حاليا في المنطقة العربية، تتوجس الإمارات خيفة من فوز بايدن وعودة الديمقراطيين مرة أخرى إلى الحكم.
استثمرت الإمارات ومثلها السعودية كثيرا في ترامب، وتتهم الإمارات على نحو خاص بمد يد العون للحملة الانتخابية للرئيس ترامب في العام 2016، ومحاولة التأثير على الانتخابات الأميركية، وهي تهم بالغة الحساسية والخطورة في الولايات المتحدة.
يتوقع بعض المحللين أن اتفاقية التطبيع بين الإمارات وإسرائيل في هذا التوقيت الحساس هي بمثابة خطوة استباقية تسعى من خلالها الإمارات للاحتماء بإسرائيل من الديمقراطيين إذا فاز جو بايدن في الانتخابات، وضمان وقوف اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة إلى جانبها إذا ما قرر الديمقراطيون معاقبتها أو التأثير على مصالحها، خصوصا أنه لن يغفروا لها بسرعة ما تردد من اتهامات لها بالتأثير في الانتخابات لصالح خصمهم العتيد ترامب.
الحصول على أسلحة أميركية
يرى خبراء ودبلوماسيون أن تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات قد يمهد الطريق أمام بيع الولايات المتحدة مزيدا من الأسلحة للدولة الخليجية.
فقد قال سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل ديفيد فريدمان خلال مقابلة مع الإذاعة العامة الوطنية إنه “كلما أصبحت الإمارات صديقة لإسرائيل وأصبحت شريكة لإسرائيل وأصبحت حليفا إقليميا للولايات المتحدة، أعتقد بوضوح أن هذا سيغير تقييم التهديد، وقد يعمل في صالح دولة الإمارات” فيما يتعلق بمبيعات السلاح في المستقبل.
كما قال مدير مشروع العلاقات العربية الإسرائيلية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى ديفيد ماكوفسكي إن هذا الاتفاق “مكسب للإمارات، التي ستكون مؤهلة دون شك للمبيعات العسكرية التي لم يكن بوسعها الحصول عليها بموجب قيود التفوق العسكري النوعي بسبب الخوف من إمكانية استخدام تكنولوجيا معينة ضد إسرائيل”.
تطور طبيعي
من التفسيرات المنطقية للخطوة الإماراتية أنها مجرد تتويج لمسار طويل من العلاقات السرية بين الطرفين، وإعلان رسمي لما كان مكتوما ومخفيا خلال السنوات الماضية، رغم أنه أطل برأسه أكثر من مرة على شكل زيارات أو لقاءات أو رسائل سياسية في مقالات أو تغريدات أو غيرها.
اختلاف الأجيال داخل الإمارات
يذهب الصحفي البريطاني إيان بلوك في مقال بصحيفة غارديان (The Guardian) إلى أن أحد أسباب خطوة التطبيع الإماراتية يعود إلى اختلاف الأجيال الحاكمة في الإمارات، حيث كان الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس دولة الإمارات، من أبرز المؤيدين للقضية الفلسطينية، التي باتت عرضة للتهميش في أوساط النخب الخليجية هذه الأيام، في حين ينصب اهتمام نجله محمد بن زايد على إرضاء دونالد ترامب وإبقاء الولايات المتحدة منخرطة في شؤون الشرق الأوسط.
ويخلص إلى أن مؤسس الدولة الشيخ زايد ونجله -الذي خلفه عمليا في الحكم- لديهما من الاختلاف في الأفكار والقيم ما يجعل طريقتهما في قيادة العلاقات الخارجية متضاربة ومتعاكسة الأهداف.
حماية النفوذ
حاولت الإمارات في السنوات الأخيرة بسط أشرعتها عبر مساحات واسعة من منطقة الشرق الأوسط وشمال وشرق أفريقيا، وكان المدخل في الغالب اقتصاديا، قبل أن يتحول في معظم الأحيان إلى مخابراتي وأحيانا إلى عسكري وسياسي، وذلك عبر نشر مليشيات مسلحة وقوى سلفية وجيوش من المرتزقة هنا وهناك.
يقول الكثير من المتابعين إن الدور الذي يحاول ولي عهد أبو ظبي لعبه تجاوز قدرات وإمكانات ومكانة بلده، وهو ما يعني أن لعبة النفوذ والسيطرة قد تنقلب عليه في أي وقت، فالكلفة المتعاظمة للتدخل خارج الحدود وفي صراعات وأزمات ذات حساسية عالية كبيرة جدا، ليس فقط ماليا، بل -وهو الأهم والأخطر- أمنيا وإستراتيجيا، خصوصا مع تعاظم السخط الشعبي على سياسيات الإمارات في أكثر من بلد ومنطقة.
ترى الإمارات -بعد أن توغلت في أزمات عديدة، وحملتها الشعوب العربية مسؤولية فشل ربيعها ورأى أنها سفكت دماءهم ودمرت أوطانهم- أن إسرائيل قد تشكل أفضل حام لها في هذه الظروف.
التوجس من التهديد التركي
يأتي التطبيع الإسرائيلي الإماراتي أياما قليلة بعد التهديدات التي وجهها وزير الدفاع التركي خلوصي أكار إلى الإمارات العربية المتحدة، حينما قال إنها قامت بأعمال مضرّة في ليبيا وسوريا، وستحاسبها تركيا على ما فعلت في المكان والزمان المناسبين.
ويعتبر بعض المحللين أن هرولة الإمارات إلى إسرائيل والإعلان عن الاتفاق على إقامة علاقات بينهما ليس بمعزل عن التهديد التركي، فالإمارات متأكدة أنه لا قبل لها بمواجهة تركيا منفردة، وتسعى للاحتماء بإسرائيل، وبالتالي بأميركا تحسبا لأي خطوات تصعيدية ضدها من قبل تركيا، لا يعرف أحد حتى الآن متى وكيف ستكون.
الحصول على المزيد من المكاسب الأمنية
بات معروفا أن الإمارات استفادت خلال السنوات الماضية من العديد من أنظمة التجسس الإسرائيلية لملاحقة المعارضين وللتجسس حتى على بعض قادة الدول، فضلا عن نشطاء وساسة بارزين في المنطقة وغيرهم.
ولكن يرجح أن رفع السرية عن العلاقة سيسرع من استفادة الإمارات من بعض الإمكانات الأمنية والتكنولوجية الإسرائيلية، وهو ما تحدث عنه صراحة وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش حين قال إن القضايا التي تهم الإمارات هي الزراعة والأمن الغذائي والدفاع السيبراني والسياحة والتكنولوجيا.
فشل الإمارات في الأزمة الخليجية وحرب اليمن
مع تزايد انكشاف الدور الإماراتي في خلق وصناعة الأزمة الخليجية، وعجزها عن حشد التأييد لموقفها داخل الدوائر الغربية والأميركية، فضلا عن حالة الانكشاف الكبيرة لها في المنطقة العربية والإسلامية، تتضاءل فرصها في الخروج بأقل خسائر ممكنة من تلك المستنقعات الدموية التي حفرتها في أجساد الأوطان العربية، مما جعلها تهرب إلى الأمام، خصوصا مع التحديات المتعاظمة والصورة المتآكلة عنها في العالم العربي والإسلامي.
محاولة تحسين الصورة في أميركا
تعاني الإمارات من تراجع صورتها وسمعتها في الولايات المتحدة لأسباب عديدة من بينها الحرب اليمينة، ومحاولتها التأثير بأشكال غير قانونية في القرار الأميركي وفقا لما تشير إليه بعض التقارير.
وفي العام الماضي قالت وكالة أسوشيتد برس إن محمد بن زايد وجد نفسه متورطا في تقرير المحقق الخاص روبرت مولر الخاص بالتدخل الروسي في الانتخابات الأميركية.
وكان محمد بن زايد الزعيم الأجنبي الوحيد الذي ورد اسمه في تقرير مولر المكون من 448 صفحة، وتم إدراج اسمه بسبب دوره الغامض في اجتماع جرى عام 2017 في جزيرة سيشل بين رجل قريب من ترامب ووسيط روسي للرئيس فلاديمير بوتين.
تتحسب الإمارات للتداعيات المستقبلية لذلك، وتدرك تماما مخاطره وتأثيراته، ولعل في إحجام بن زايد عن زيارة الولايات المتحدة منذ أزيد من عامين ترجمة لتلك الهواجس والمخاوف التي قد تزداد إذا غادر الحليف ترامب كرسي الرئاسة في البيت الأبيض.
تتعدد أسباب التطبيع الإماراتي الإسرائيلي بين الظرفي والإستراتيجي بين الطرفين، ومما لا شك فيه أنه لا يوجد أي سبب يمنع حاكم الإمارات من أن يتخذ خطوة أخرى كبرى من تطبيع العلاقات، ربما لا يزال إشكال التسمية فقط هو ما يحول دون ذلك، فخلال السنوات الأخيرة أبانت الإمارات عن قدرة هائلة على السير عكس تيار الشعوب دون وجل ولا حرج!