رصد المجهر الأوروبي لقضايا الشرق الأوسط تقريرا دوليا يبرز استغلال دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية هجمات 11 سبتمبر عام 2011 في الولايات المتحدة لسحق حرية التعبير والتعددية السياسية.
وقال المجهر وهو مؤسسة أوروبية تعنى برصد تفاعلات قضايا الشرق الأوسط في أوروبا، إن التقرير المذكور يقدم دليلا إضافيا على الاتهامات الحقوقية الدولية لاستخدام الإمارات والسعودية فزاعة مكافحة التطرف لتكريس الاستبداد والحكم الفردي وقمع الحريات العامة.
وذكر معهد دول الخليج في واشنطن في تقرير له بعنوان (توابع زلزال 11 سبتمبر تواصل تشكيل العلاقات الخليجية-الأمريكية) أن هجمات القاعدة في 11 سبتمبر/أيلول كان لها على الولايات المتحدة تأثير هائل على دول الخليج العربية وحساباتها السياسية والاستراتيجية، وعلى علاقاتها مع الولايات المتحدة.
وبحسب المعهد ساعدت الهجمات وردود فعل الولايات المتحدة على انطلاق تطورات ما يزال صداها يتردد حتى الآن. فعلى الرغم من انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان في أغسطس/آب، في الذكرى العشرين للهجمات، ما تزال بيئة ما بعد أحداث 11 سبتمبر هي التي تحكم بشكل أساسي المشهد الاستراتيجي والسياسي داخل منطقة الخليج ومع الولايات المتحدة.
لقد جرت، منذ ذلك الحين، العديد من التطورات الأخرى الجديرة بالملاحظة، والتي ساهمت أيضًا في تشكيل المشهد السياسي في الخليج العربي، مثل انتفاضات الربيع العربي عام 2011، وتنامي الشعبوية القومية، وظهور الدولة الإسلامية في العراق والشام (تنظيم داعش) وسقوطها، والاتفاقية النووية “خطة العمل الشاملة المشتركة” بين القوى الدولية وإيران، والتراجع الواضح في سطوة وجاذبية جماعة الإخوان المسلمين. لقد كان لهجمات 11 سبتمبر/أيلول وتداعياتها أثر عميق على معظم، إن لم يكن كل، هذه التطورات.
تسببت هجمات 11 سبتمبر/أيلول في البدء بعملية، تم تكثيفها وترسيخها بعد انتفاضات الربيع العربي عام 2011 وما أعقبها من أحداث، حيث عارضت العديد من دول الخليج العربية – لا سيما دولة الإمارات والسعودية – بشكل قاطع الجماعات السلفية الجهادية، مثل تنظيم القاعدة والحركات السياسية الإسلامية مثل الإخوان المسلمين.
قبل هجمات 11 سبتمبر/أيلول، كان موقف الإمارات متذبذبًا بشأن الإسلاموية، وكانت من بين الدول القليلة التي اعترفت دبلوماسيًا بنظام طالبان في أفغانستان في التسعينيات.
ومع ذلك، بدأت الشكوك في أبوظبي خلال تسعينيات القرن الماضي، وفي عام 1994 تم حل فرع جماعة الإخوان المسلمين في الإمارات، جمعية الإصلاح. لكن لا يزال هناك نوع من التعاطف الرسمي مع جماعة الإخوان المسلمين في بعض الإمارات الصغرى، وخاصة رأس الخيمة.
ومع ذلك، شكلت أحداث 11 سبتمبر/أيلول صدمة هائلة للقيادة الإماراتية، خاصة أن اثنين من الخاطفين كانوا إماراتيين. تم التشديد على مخاطر الإرهاب، وتجذرت فكرة أن جماعة الإخوان المسلمين هي التي قدمت السردية والإطار المفاهيمي لتنظيم القاعدة والجماعات الأخرى الأكثر عنفًا، وبالتالي كانت المصدر الأساسي لذلك التهديد.
وقام القادة الإماراتيون بعملية تطهير ممنهجة للجماعات الجهادية والإسلامية في مجتمعهم، فطردوا المعلمين الإسلاميين، وأعادوا تجديد الكتب المدرسية. والأهم من ذلك، أن الإمارات بدأت بوضع وترويج سردية معادية للإسلاميين إضافة إلى الترويج لنموذج بديل يقوم على التسامح والتعايش والانفتاح الاجتماعي، ولكن ليس على الديمقراطية أو التعددية السياسية.
من جهتها لم تكترث السعودية في البداية لهجمات 11 سبتمبر/أيلول على اعتبار أنها ليست مشكلة سعودية في الأساس، على الرغم من أن 15 من الخاطفين التسعة عشر كانوا سعوديين، وكان زعيم القاعدة، المتطرف السعودي أسامة بن لادن مناهضًا للحكومة السعودية.
يبدو أن القادة السعوديين كانوا يعتقدون أن الرياض لا تتحمل المسؤولية الفعلية على الرغم من وجود مكون سعودي كبير مشارك في هجمات 11 سبتمبر/أيلول، حيث كان هذا المكون موجودًا في أفغانستان، وتم تنظيمه إلى حد كبير في هامبورج، وتم التنفيذ في الولايات المتحدة.
وبالرغم من ذلك، فإن مزيجًا من الضغط والغضب الأمريكي، وهجمات القاعدة داخل السعودية في عام 2003، على وجه الخصوص، قد غيرت المواقف السعودية بشكل كبير.
أصبحت السعودية أقرب إلى منظور الإمارات في موقفها من الإسلاموية والإخوان المسلمين، على الرغم من تردد الرياض في معارضة أي خلط بين الدين والسياسة بشكل قاطع كما تفعل الإمارات، وذلك نظرًا للدور الرئيسي الذي لعبه الدين تاريخيًا في شَرْعَنة سرديات الدولة السعودية.
ومع ذلك، وتحديدًا بعد انتفاضات الربيع العربي، انضمت السعودية إلى الإمارات في اعتبار جماعة الإخوان المسلمين تهديدًا إقليميًا رئيسيًا، وساعدت في دعم انقلاب 2013 في مصر، وبذلت جهودًا أخرى في المنطقة لمواجهة جماعة الإخوان المسلمين. صنفت الدولتان، بالإضافة إلى مصر، جماعة الإخوان المسلمين، رسميًا، على أنها منظمة إرهابية في عام 2014. وكان الخلاف حول الإسلاموية هو القضية الرئيسية التي أدت إلى الخلاف مع قطر في 2013- 2014، والمقاطعة فيما بعد التي استمرت من يونيو/حزيران 2017 إلى يناير/كانون الثاني 2021.
باختصار، كانت أحداث 11 سبتمبر/أيلول هي محور الخلاف الفكري الذي أعاد تشكيل العلاقات الخليجية العربية ورؤاها المتنافسة حول الأمن والاستقرار.
منذ خريف عام 2020، تشهد المنطقة فترة من الترسيخ الواسع وتقليص النفقات والمناورات الدبلوماسية التي تركز على الدبلوماسية والتجارة بدلاً من الصراع. ومع ذلك، فلم تتم تسوية النزاعات الأساسية إلى حد كبير. حتى إن التقارب مع قطر في مجلس التعاون لدول الخليج العربية ما يزال هشًا نظرًا لأن الخلاف الأساسي حول الشرعية السياسية للإسلاميين، وبالأخص جماعة الإخوان المسلمين، لا يزال محل خلاف كبير.
بشكل عام، عززت هجمات 11 سبتمبر/أيلول من علاقات الولايات المتحدة مع جميع شركائها العرب الخليجيين، ولكن لم يتحقق ذلك دون تعقيدات كبيرة.
في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول مباشرة، ظهرت مخاوف بشأن الدور السعودي، واستمر بعضها، وهو ما ساهم في استمرار التيار المعادي للسعودية في الخطاب السياسي الأمريكي.
ومع ذلك، فقد تم الإقرار بأن الادعاءات حول علاقات القيادة السعودية بهجمات 11 سبتمبر/أيلول أو تنظيم القاعدة غير قابلة للتصديق بعدما أيقن الكثير من الأمريكيين بتصميم المجموعة على الإطاحة بالحكومة السعودية.
وبينما لا تزال الشكوك قائمة في بعض الأوساط الأمريكية، إلا أنه لا يوجد أي دليل يثبت بشكل قاطع وجود أي علاقة. في الواقع، حتى الحكومة السعودية طالبت بالكشف عن الوثائق السرية المتعلقة بالأحداث، مثل ملحق تقرير لجنة 11 سبتمبر/أيلول، الذي يقال إن الرئيس جوزيف بايدن يخطط لنشره في وقت لاحق من هذا العام.
ومع ذلك، هناك انتقادات مبررة لدور السعودية على مدى عقود بسبب ترويجها لنسخة غير متسامحة من الإسلام، وهو ما ساهم في تبرير التطرف الجهادي، بما فيه الفكر الذي روجه تنظيم القاعدة، من الناحية الدينية. كون 15 من الخاطفين التسعة عشر كانوا سعوديين، وكون زعيم القاعدة نفسه معارضًا سعوديًا يشير إلى وجود علاقة ثقافية قوية، وإن كانت معارضة للحكومة.