موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

خفايا أطماع هندسة النفوذ الإماراتي في موريتانيا

1٬843

في أبوظبي، لا يُنظر إلى موريتانيا باعتبارها مجرد دولة صغيرة على هامش الخريطة الإفريقية، بل تُعامل كحلقة استراتيجية أساسية في مشروع أوسع لإعادة هندسة النفوذ الإماراتي على امتداد غرب إفريقيا وصولاً إلى البحر الأحمر.

فالإمارات، التي اعتادت توسيع دوائر تأثيرها في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، باتت ترى في نواكشوط «منفذاً ذهبياً» يفتح لها أبواب الساحل الإفريقي، ويتيح لها ترسيخ أقدامها في واحدة من أكثر المناطق حساسية في العالم من الناحية الأمنية والاقتصادية والجيوسياسية.

والتحرك الإماراتي في موريتانيا لم يبدأ فجأة، بل تسارع خلال العامين الأخيرين مع إبرام أبوظبي صفقات مهمة، أبرزها اتفاقيات تطوير الموانئ الموريتانية، ولا سيما ميناء نواكشوط وميناء نواذيبو.

هذه الخطوة لا تتعلق بالبنية التحتية فحسب، وإنما تشكّل نقطة انطلاق نحو بناء نفوذ متشعب الأبعاد في منطقة الساحل الإفريقي، في توقيت بالغ الحساسية يتزامن مع تراجع فرنسا، القوة الاستعمارية التقليدية، ومع انشغال الجزائر بملفاتها الداخلية والإقليمية.

وترتكز أهداف الإمارات من التغلغل في موريتانيا على أربعة محاور مترابطة، تمثل في مجملها استراتيجية متكاملة لبسط النفوذ السياسي والاقتصادي والأمني، وتحقيق مكاسب جيوسياسية تمتد آثارها خارج حدود موريتانيا نفسها.

أولاً: ممر آمن للطاقة والمعادن النادرة

تسعى أبوظبي لتحويل موريتانيا إلى حلقة في سلسلة ممرات نقل الطاقة والموارد النادرة، حيث تتطلع للسيطرة على ميناءي نواكشوط ونواذيبو، وربطهما بشبكة تصدير تنتهي إلى موانئ إماراتية النفوذ على البحر الأحمر وخليج عدن.

ولا يقتصر هذا المخطط على النفط والغاز، بل يشمل المعادن الاستراتيجية مثل الحديد والذهب والمعادن النادرة المستخدمة في الصناعات التكنولوجية والعسكرية.

وتدرك الإمارات أن السيطرة على مسارات نقل هذه الموارد يمنحها أوراق ضغط قوية في الأسواق العالمية، ويعزز موقعها كمحور لوجستي حيوي بين إفريقيا وأوروبا وآسيا، خاصة في وقت تتصاعد فيه المنافسة الدولية على المعادن النادرة التي تُعتبر موريتانيا إحدى الدول الغنية بها.

ثانياً: بوابة استخباراتية ناعمة نحو العمق الإفريقي

الوجود الإماراتي في موريتانيا ليس اقتصادياً فقط، بل يحمل بعداً أمنياً واستخباراتياً بالغ الأهمية. فقد وقعت أبوظبي اتفاقيات أمنية مع موريتانيا، كما مدّت أذرعها إلى دول الجوار مثل مالي والنيجر، بحجة التعاون في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.

لكن خلف هذه الاتفاقيات تكمن أهداف أوسع، حيث تسعى الإمارات إلى نشر فرق متخصصة في المراقبة الإلكترونية، يعمل بعضها بتنسيق إماراتي-إسرائيلي، لتكون موريتانيا بمثابة منصة لجمع المعلومات عن حركات الجماعات المسلحة، والشبكات الاقتصادية غير النظامية، والتحركات السياسية في منطقة الساحل.

ويساعدها أبوظبي في ذلك خبرتها في تطوير تقنيات التجسس والرقابة، والتي سبق أن وظفتها في أكثر من ساحة إقليمية.

ثالثاً: تطبيع بلا إعلان… انتظاراً لنضوج الظروف

على الرغم من عدم إعلان موريتانيا أي خطوات رسمية نحو التطبيع مع إسرائيل، إلا أن الإمارات تعمل بهدوء لدفع نواكشوط نحو هذا المسار.

وبحسب مصادر دبلوماسية تجري لقاءات على مستويات متعددة في باريس ودبي ونواكشوط، حيث تُطرح فكرة تقديم إسرائيل كـ«شريك تنمية» في مشاريع اقتصادية وتقنية وصحية.

وتدرك الإمارات حساسية الرأي العام الموريتاني الذي لا يزال يحتفظ بمواقف قوية ضد التطبيع، لكنها تسعى إلى تغيير هذا المزاج تدريجياً من خلال تحريك الإعلام، وتمويل أنشطة ثقافية وتنموية تهدف إلى الترويج لفوائد الانفتاح على إسرائيل.

والرهان الإماراتي أن موريتانيا، التي تعاني من تحديات اقتصادية ضخمة، قد تجد في «التطبيع غير المعلن» فرصة للحصول على استثمارات ضخمة ودعم سياسي دولي، خصوصاً إذا نجحت الإمارات في ضمان الغطاء الخليجي والدولي لهذا المسار.

رابعاً: تطويق الجزائر من دون صدام مباشر

في الحسابات الإماراتية، تُعتبر الجزائر منافساً محتملاً في المنطقة، سواء في إفريقيا أو في ملفات الشرق الأوسط. لكن أبوظبي تدرك أيضاً أن الصدام المباشر مع الجزائر قد يُفقدها توازنها في الساحة المغاربية.

لذا، تُفضّل الإمارات استراتيجية التطويق الهادئ، عبر اختراق المجال الحيوي للجزائر في الساحل الإفريقي، وشراء ولاءات سياسية واقتصادية في دول الجوار.

ويندرج التغلغل في موريتانيا ضمن هذه الاستراتيجية، حيث تأمل الإمارات في أن تكون موريتانيا جسراً يتيح لها التأثير في توازنات الساحل والصحراء، ومنافسة النفوذ الجزائري هناك.

ولا تلجأ أبوظبي إلى سياسات حادة كفرض العقوبات أو خلق صراعات عسكرية، بل تعتمد على أدوات ناعمة تشمل الاستثمارات، والدبلوماسية الاقتصادية، وتمويل المشاريع التنموية التي تكسبها النفوذ تدريجياً.

كل هذه التحركات تُدار من غرفة عمليات مركزية يشرف عليها مستشار الأمن الوطني طحنون بن زايد، الذي أصبح يُنظر إليه بوصفه المهندس الحقيقي للسياسة الخارجية الإماراتية في إفريقيا.

وتُنفَّذ هذه الخطط عبر شبكة معقدة من الوسطاء والفاعلين المنتشرين بين باريس وداكار وتل أبيب، بما يضمن لأبوظبي إمساك خيوط اللعبة من وراء الكواليس، دون أن تتصدر المشهد مباشرة.

في المحصلة، يبدو أن الإمارات لم تعد تكتفي بدور اللاعب الاقتصادي أو الشريك في مكافحة الإرهاب في إفريقيا، بل تسعى إلى موقع اللاعب الجيوسياسي القادر على رسم خرائط النفوذ والتحالفات في منطقة الساحل وما بعدها. وموريتانيا ليست سوى بوابة واسعة تفتح للإمارات آفاقاً أكبر في صراع النفوذ الإفريقي والدولي.