موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

الإمارات في مرمى العاصفة: كيف تحوّل الذهب والتهريب إلى وقود يشعل حرب السودان؟

599

منذ بداية المواجهة المفتوحة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع عام 2023، تحوّل النزاع الداخلي سريعًا إلى ملف إقليمي معقّد تتشابك فيه المصالح الاقتصادية والاصطفافات السياسية ومسارات تجارة الذهب والتهريب العابر للحدود.

فالتقارير الاستخباراتية والصحفية، إلى جانب شهادات منظمات حقوقية، رسمت صورة لخطوط إمداد تشمل أسلحة ومعدات لوجستية وتدفقات ذهب تُنسب إلى شبكات على صلة بالدعم السريع، قيل إنها وجدت طريقها – بصورة مباشرة أو عبر وسطاء – إلى قوى داخل الإمارات أو إلى أسواق مرتبطة بها.

وقد منحت هذه الاتهامات الصراع بُعدًا جديدًا، إذ لم يعد محصورًا في ساحات القتال داخل السودان، بل تحوّل إلى “حرب ممولة” تتغذّى على اقتصاد ظلّ عابر للقارات، فيما تترافق الوقائع الميدانية مع تقارير عن مذابح ودفن جماعي في مناطق مثل الفاشر.

ومع تزايد حدّة الانتقادات القادمة من الكونغرس الأمريكي ومنظمات الرقابة الدولية، وجدت أبو ظبي نفسها في قلب دائرة مساءلة سياسية، رغم تأكيدها الدائم أنها لا تقدّم دعمًا عسكريًا وأن دورها يقتصر على المساعدات الإنسانية.

دوافع الإمارات: قراءة في توازنات الربح والمكانة

تُظهر التحليلات المتقاطعة أن دوافع الإمارات ليست أيديولوجية الطابع بقدر ما هي نتاج مزيج من المصالح الاقتصادية والاستراتيجية.

فالذهب السوداني، الذي يمرّ جزء معتبر منه عبر دبي، يمثل عنصرًا محوريًا في شبكة التمويل التي قد تستفيد منها أطراف داخل السودان. التحكم أو التأثير في سلاسل التصدير يمنح الإمارات قدرة على النفاذ إلى مورد اقتصادي حساس، ويوفّر أدوات غير مباشرة للنفوذ السياسي.

في موازاة ذلك، يشكّل السودان بوابة بحرية على البحر الأحمر، أحد أهم الممرات التجارية وطرق الطاقة العالمية. وجود إماراتي على الموانئ أو قربها – حتى نظريًا – يمنح أبو ظبي مساحة إضافية في معادلة الأمن البحري، وهي ورقة ذات قيمة عالية في سياستها الإقليمية.

أما البعد الثالث، فيتعلق بتوجه ثابت تبنّته الإمارات منذ 2011 يقوم على مواجهة تيارات الإسلام السياسي والتحالف مع قادة عسكريين يرون فيهم ضمانة للاستقرار وفق فهم إماراتي للأمن. ولذلك، فإن أي دعم – إن ثبت – يتناسق مع هذا الخط الاستراتيجي الذي يربط بين الثروة، والسوق المالي، ونقاط النفوذ الممتدة من الخليج إلى البحر الأحمر.

شبكة الفاعلين: توازنات متقاطعة

المشهد السوداني اليوم يقوم على مصفوفة من المصالح المتشابكة. فالإمارات تسعى إلى نفوذ طويل الأمد يضمن لها مدخلًا اقتصاديًا وسياسيًا، لكنها في المقابل تتحمل كلفة دبلوماسية متنامية بسبب الاتهامات الموجهة إليها.

وتستفيد قوات الدعم السريع بشكل مباشر من أي مسار تمويلي خارجي، وهو ما يمنحها قدرة على التوسع العسكري وتثبيت واقع ميداني يزيد من ضعف الدولة المركزية.

أما الجيش السوداني، فيستخدم الاتهامات الموجهة لأطراف إقليمية كورقة سياسية في الساحة الدولية، ساعيًا إلى مزيد من الدعم أو فرض عقوبات على خصومه.

وداخل الولايات المتحدة، تبرز معادلة صعبة: الحفاظ على علاقات استراتيجية مع الإمارات مقابل ضمان عدم تورط أي طرف في تغذية نزاعات دموية. هذا ما دفع نوابًا في الكونغرس إلى ممارسة ضغوط أعلى، بعضها يتضمن الحديث عن إمكانية الفرض التدريجي لعقوبات.

إقليميًا، تقف منظمات حقوقية ودول مجاورة أمام مخاوف من تفكك السودان أو انزلاقه نحو نماذج مشابهة لحروب السنوات الطويلة، الأمر الذي يرفع سقف المطالب بالرقابة والمحاسبة.

تداعيات بنيوية على السودان والمنطقة

استمرار تدفّق الأموال والسلاح يعني مباشرة تكريس المأساة الإنسانية. ملايين يُدفعون إلى النزوح وبيئة أمنية هشة تُفسح المجال لشبكات الجريمة عبر الحدود. سياسيًا، يعزز هذا التمويل منطق القوة على حساب مؤسسات الحكم، ويجعل أي انتقال نحو حكومة مدنية أمرًا مؤجّلًا إلى أجل غير معلوم.

بالنسبة للإمارات، تتزايد كلفة السمعة والضغط السياسي مع كل تقرير جديد، وهو ما قد ينعكس على علاقاتها مع الغرب أو على دورها في المنظومة الأمنية الإقليمية.

وفي الخليج، تلوح بوادر توتر بين أطراف تمتلك مقاربات مختلفة تجاه السودان، الأمر الذي قد ينعكس على التنسيق الأمني في البحر الأحمر. كما أن انتشار الأسلحة المتطورة – من صواريخ مضادة للطائرات وطائرات مسيرة – يزيد خطر انتقالها إلى نزاعات أخرى في المنطقة.

السيناريوهات الممكنة

أول السيناريوهات الأكثر ترجيحًا هو لجوء الإمارات إلى تعديل تكتيكي يعالج جزءًا من الانتقادات عبر تشديد الرقابة على مسار الذهب وقطع القنوات غير الرسمية، دون تقويض كامل لمصالحها في السودان.

فيما السيناريو الثاني يقوم على استمرار الدعم عبر وسطاء ودول ثالثة، ما يضاعف من عمر الحرب ويجعل أي إجراءات دولية أقل فاعلية.

أما السيناريو الثالث، فهو تصعيد دولي يقوده الكونغرس بفرض عقوبات على كيانات إماراتية، وهو احتمال ضعيف على المدى القريب لكنه يبقى واردًا في حال تراكم الأدلة.

وتركز توصيات الجهات الدولية على الربط بين المصالح الأمنية للإمارات وبين قيود ذكية تستهدف فقط القنوات المشتبه بها. ويأتي تعزيز الشفافية في تجارة الذهب على رأس الأولويات، إلى جانب دعم وساطة أفريقية ذات غطاء دولي، وتوسيع التحقيقات في الانتهاكات. كما يُقترح توجيه الاستثمارات الإماراتية نحو مشاريع تنموية خاضعة لرقابة دولية.

وبحسب مراقبين فإن الأسئلة المطروحة على أبو ظبي في الملف السوداني ليست مسألة اتهامات فحسب، بل اختبار لقدرة العالم على ضبط تمويل الحروب ومنع تمدد شبكات الاقتصاد غير الشرعي.

فاستمرار تدفقات الذهب والسلاح يعني حربًا أطول وفاعلين يصعب احتواؤهم لاحقًا، بينما الضغط الدولي المحسوب قد يدفع الإمارات إلى إعادة تموضع لا ينسف مصالحها ولا يترك السودان وحيدًا في فوضى دموية بلا نهاية.