موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

الإمارات: دولة الرفاه الاقتصادي وانعدام الحريات العامة

0 107

رغم ما تظهره الإمارات من واجهة اقتصادية متطورة وصورة دولية حديثة تعكس الانفتاح والتسامح، إلا أن الواقع الداخلي يشير إلى تراجع ممنهج وانعدام الحريات العامة وتضييق واسع النطاق على حرية الرأي والتعبير.

فمنذ أكثر من عقد، تتبع السلطات الإماراتية سياسة القمع الشامل لأي صوت معارض، سواء أكان من مواطنين إماراتيين، أو من مقيمين أجانب، أو حتى من شخصيات وناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي.

معتقلو الرأي: ثمن الكلمة الحرة

من أبرز مظاهر القمع في الإمارات هو ملف معتقلي الرأي، الذي يضم عشرات النشطاء والحقوقيين والأكاديميين الذين يقبعون خلف القضبان بسبب تعبيرهم عن آرائهم السلمية.

من أبرز هؤلاء المعتقلين الدكتور محمد الركن، المحامي والحقوقي المعروف، والذي حُكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات في عام 2013 ضمن ما يُعرف بـ”قضية الـ94″، التي استهدفت مجموعة من المثقفين والإصلاحيين لمجرد مطالبتهم بإصلاحات سياسية.

وفي هذه القضية، لجأت السلطات إلى محاكمات جماعية غير عادلة، استُخدمت فيها الاعترافات القسرية، وافتقرت إلى الحد الأدنى من ضمانات المحاكمة العادلة. كما مُنع المعتقلون من التواصل المنتظم مع محاميهم وعائلاتهم، وتعرض بعضهم لسوء المعاملة في الحجز الانفرادي.

وحتى بعد انتهاء فترات محكومياتهم، لا تزال السلطات تحتجز العديد منهم فيما يُعرف بـ”مراكز المناصحة”، في انتهاك واضح للقانون الدولي ومبادئ العدالة.

قمع المعارضة السياسية وتجريم التنظيم

تتعامل الإمارات مع أي شكل من أشكال المعارضة السياسية على أنه تهديد للأمن القومي. وقد أغلقت البلاد الباب تماماً أمام التعددية السياسية، فلا وجود لأحزاب سياسية مرخصة، ولا تُسمح بأي أنشطة تنظيمية مستقلة، سواء كانت سياسية أو حقوقية أو حتى ثقافية، إذا لم تكن تحت مظلة الدولة ورقابتها المباشرة.

وقد طالت هذه السياسة حتى أولئك الذين عبّروا عن آرائهم بأدب ضمن إطار النظام. فالدعوات إلى إصلاح دستوري أو مساءلة حكومية تُقابل غالباً بالاعتقال والسجن، بينما تُستخدم تهم فضفاضة مثل “الانتماء إلى تنظيم سري” أو “الإضرار بالوحدة الوطنية” لتبرير القمع. ونتيجة لذلك، تحولت الإمارات إلى ساحة صامتة سياسياً، حيث تغيب كلياً أصوات المعارضة أو النقد العلني.

تكميم الأفواه وتجريم التعبير

حرية التعبير، سواء في الصحافة أو على وسائل التواصل الاجتماعي، تخضع لرقابة صارمة في الإمارات. وتُعد القوانين التي تنظم المحتوى الإعلامي والرقمي من بين الأكثر قمعاً في المنطقة.

فالقانون الاتحادي بشأن الجرائم الإلكترونية يُستخدم بانتظام لمحاكمة الأفراد الذين ينشرون تعليقات تنتقد الحكومة أو تطرح قضايا سياسية، حتى لو كانت بأسلوب سلمي.

وفي ظل هذه القوانين، يمكن أن تؤدي تغريدة أو منشور على فيسبوك إلى السجن والغرامة والمنع من السفر، بل والطرد من العمل أو الدراسة. وقد استُهدِف بعض المقيمين الأجانب بالترحيل الفوري بعد نشرهم محتوى اعتُبر مسيئاً “لصورة الدولة”.

كما أبوظي تُفرض رقابة مشددة على الصحافة المحلية، التي تعمل تحت سيطرة الأجهزة الأمنية، فلا يُسمح بأي تحقيقات صحفية مستقلة أو تغطية لملفات حقوق الإنسان.

صمت المجتمع الدولي وتبييض الصورة

رغم هذا السجل الحقوقي الكارثي، تحظى الإمارات بدعم غربي واسع، يعود إلى دورها الاقتصادي والأمني في المنطقة. وقد استثمرت أبوظبي المليارات في مشاريع “القوة الناعمة”، من بينها تمويل جامعات ومراكز أبحاث، ورعاية فعاليات ثقافية ورياضية، لتقديم نفسها كدولة متسامحة ومعتدلة.

غير أن هذه الصورة المصقولة تُخفي واقعاً قمعياً يعاني فيه المواطن الإماراتي والمقيم على حد سواء من غياب الحريات الأساسية.

وقد وجّهت منظمات حقوقية كبرى مثل “هيومن رايتس ووتش” و”العفو الدولية” انتقادات حادة للإمارات، مشيرة إلى الانتهاكات الجسيمة بحق المعتقلين، والمحاكمات غير العادلة، وتضييق المساحة المدنية إلى حد الاختناق. لكن دون أن تجد هذه التحذيرات صدى ملموساً في سياسات الحكومات الغربية التي تضع مصالحها الاقتصادية والأمنية فوق الاعتبارات الحقوقية.

نحو انفجار صامت؟

إنّ حالة الانغلاق السياسي وتكميم الأصوات في الإمارات ليست فقط انتهاكاً لحقوق الإنسان، بل تُعد وصفة خطيرة لانفجار اجتماعي محتمل. فحين يُمنع الناس من التعبير عن مظالمهم، ولا تُترك لهم سوى وسائل محدودة لإيصال أصواتهم، تتحول الدولة إلى ما يشبه “غرفة ضغط” مغلقة، حيث يتراكم الغضب والإحباط بصمت.

ورغم أن الإمارات تستخدم أدوات القمع الناعمة مثل التجنيس الانتقائي، والتحكم في فرص العمل، والمنح الدراسية، لكسب الولاءات وتفتيت النسيج الاجتماعي، إلا أن ذلك لا يمنع من وجود شريحة واسعة من الشباب والمثقفين الذين يشعرون بالاختناق السياسي والاجتماعي، ويفتقرون إلى أي أفق للمشاركة أو التغيير.

ويؤكد مراقبون أن النموذج الإماراتي الذي يجمع بين الثروة الاقتصادية والقمع السياسي لا يمكن استدامته على المدى الطويل. فغياب الحريات العامة، وملف معتقلي الرأي، وتجريم التعبير السلمي، جميعها مؤشرات على أزمة داخلية تتعمق تحت السطح.

وما لم تُفتح المساحة المدنية تدريجياً، ويتم الإفراج عن المعتقلين السياسيين، ورفع القيود عن الإعلام والمجتمع المدني، فإن الإمارات ماضية في طريق مظلم قد يُفقدها الاستقرار الذي تسعى لترويجه للعالم.