تحيي دولة الإمارات في الثلاثين من تشرين ثاني/نوفمبر من كل عام يوم الشهيد وسط مطالب شعبية يتجاهلها النظام الحاكم في الدولة بضرورة تصحيح المسار ووقف تورط أبو ظبي بحروب وتدخلات عدوانية خارجية.
وكما كل عام في هذه المناسبة، يتسابق مسئولو النظام الإماراتي في إطلاق شعارات زائفة وعبارات روتينية مكررة بجمل إنشائية لتمجيد المناسبة والتغطية على واقع يجمع فيه الإماراتيون على اتهام دولتهم بالاستثمار الخاطئ لدماء شهدائهم وتضحيات ذويهم.
يطالب الإماراتيون منذ سنوات بتصحيح ومراجعة مسار المعركة في مكانها الصحيح، بدلاً من استثمار دماء أبناء الدولة الزكية في معارك لا ناقة لنا فيها ولا جمل، بل وتضع خيرة قادتها وكبارهم العسكريين والسياسيين على لائحة منتهكي حقوق الإنسان وجرائم الحرب.
وفي يوم الشهيد يستذكر الإماراتيون مناقب الشهداء وتضحياتهم، مكررين في كل عام مظاهر الاحتفال نفسها، وسط انتقادهم إلقاء المسؤولون الكلمات والخطابات الوطنية ذاتها وإعادة وسائل الإعلام التقارير عينها.
وبعد أن استنزفت المعارك الجانبية التي تخوضها قوات الإمارات المسلحة، أراوح الكثير من خيرة رجالها، باتت أهداف تلك الحروب واضحة الأهداف، وأصبح الاماراتيون اليوم أكثر إدراكا للمعارك المحروقة التي تقودها أبوظبي ليس دفاعاً عن الوطن او استعادة جز من أراضيه وجزره المحتلة بل رغبة في تعزيز نفوذ بعض المسؤولين في الدولة.
وفي ظل قوة متنامية للدولة عسكريا وسياسيا وتدخلا في عشرات الساحات العربية والإسلامية، وإمداد ميليشيات خليفة حفتر في ليبيا بالسلاح والمال والطائرات الحربية، وتعزيز نفوذ الانفصاليين باليمن، ومؤخراً دعم أرمينيا في حربها غير المشروعة باتجاه الأراضي الأذربيجانية، أصبح الإماراتيون يعتقدون أن تحرير الجزر الإماراتية المحتلة من جانب إيران منذ نحو 46 عاما أولى أن ترتوي بدماء أبناء الدولة إذا لم يكن من بد للحرب والقتال.
وفقدت الإمارات 108 جندياً من خيرة رجالها، بعد خمسة أعوام من الحرب في اليمن، كما قامت القوات المسلحة بتجنيد وتدريب وتجهيز أكثر من 200 ألف جندي يمني في المناطق جنوب وغرب اليمن، وجميع تلك القوات لا تخضع للحكومة الشرعية التي جاءت أبوظبي لمساندتها واستعادة سيطرتها على مؤسسات الدولة اليمنية، فقد باتوا أولئك الجنود يتلقون الأوامر من أبوظبي وينفذون أجندتها المخالفة تماما لأهداف التحالف الذي تقوده الرياض، وفق تصريحات مسؤولين في الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً.
ورغم إعلان أبوظبي عن حصيلة ضحايا تدخلها العسكري في اليمن، لكنها تتحفظ في الكشف عن ضحايا قواتنا المسلحة الذين يتم الزج بهم في معارك ليبيا بقيادة الجنرال المتقاعد خليفة حفتر ضد حكومة الوفاق المعترف بها دولياً، على اعتبار تدخلها هناك غير شرعي وغير قانوني، عكس اليمن الذي تحركت فيها تحت مظلة تحالف دعم الشرعية.
وعلى هذا النحو تواصل أبوظبي في كل عام، فتح جبهة ومعركة جديدة، خارج نطاق الجغرافيا الإماراتية، التي يقول مراقبون إنها أولى بتحرير ما فقد منها طالما وأن ترغب في تعزيز نفوذها العسكري، على حد قولهم.
ومؤخراً هرولت أبوظبي نحو التطبيع مع إسرائيل تحت مصطلح “السلام” غير أن الهدف الرئيس من ذلك ليس السلام او وقف الضم كما تروج وسائل إعلام أبوظبي بل، إنها محاولة أخرى لتعزيز المنظومة العسكرية لأبوظبي عبر صفقة تتضمن الحصول على مقاتلات “إف-35 ” الأمريكية، بعدد 50 مقاتلة، بالإضافة إلى أسلحة ومعدات عسكرية أخرى بقيمة 23 مليار دولار.
لا أحد في الإمارات لا حكومة ولا مؤسسات ولا وسائل إعلام ولا قطاعات شعبية في الإمارات تجرؤ على الإجابة عن السؤال المركزي: بماذا وكيف استثمرت الدولة هذه التضحيات والدماء الزكية؟.
إماراتيون يعتقدون أنه بوجود “مكتب أسر الشهداء بديوان ولي عهد أبوظبي”، قد أزهرت دماء الشهداء وأن ذويهم قد وجدوا تكريما مبالغا أو على الأقل موازيا لتضحياتهم وآلامهم، وأن “حفل ريهانا” الذي أحيت فيه أبوظبي ذكرى يوم الشهيد قبل عامين لا يزال يشكل سلوى لهم!
اليوم في الإمارات ومنذ الدخول في حرب اليمن هناك عشرات الشهداء في اليمن وأفغانستان لم يتم استثمار هذه التضحيات الزكية في أي مشروع وطني آخر رغم الحديث بكثافة طوال العام عن الوطن والوطنية وحقوقهما، وبقليل جدا عن حقوق المواطن.
إماراتيون يعتقدون أن استثمار دماء الشهداء هو بتركيز الدولة جهودها كافة وليس فقط الدبلوماسية في معركة تحرير جزر الدولة المحتلة إيرانيا منذ 1971 وتحقيق السيادة الفعلية للدولة على كامل أراضيها.
ويؤكد الناشطون الإماراتيون أن احتلال الجزر ليس قدرا على الإماراتيين التسليم به، خاصة في ظل قوة متنامية للدولة عسكريا وسياسيا وتدخلا في عشرات الساحات العربية والإسلامية، وإمداد مجرم الحرب خليفة حفتر بالسلاح أو كما كشفت وسائل إعلام أمريكية باستئجار أبوظبي مرتزقة لتصفية خصومها السياسيين في اليمن.
والإماراتيون لا يدعون للعنف، بل يدعون للسلام والأمن والاستقرار، ولكن العنف الذي يقال إنه يتنقل بين ساحات وأخرى حتى وصلت قوات الإمارات البرية إلى عديد الدول حتى منطقة القرن الإفريقي، فإن الأولى وطنيا ودينيا وسياسيا أن تطلق الدولة برنامج تحرري في الجزر المحتلة للخلاص من الاحتلال الإيراني.
بذلك، يمكن تكريم أول شهيد إماراتي ليس فقط باعتبار اليوم الذي ارتقى فيه شهيدا هو يوم الشهيد. فالشهيد الشرطي سالم سهيل خميس الدهماني الذي استشهد على تراب جزيرة طنب الكبرى لا يزال فردا يتيما، يتنظر قافلة من الشهداء والتضحيات في مكانها الصحيح وفي المعركة الصحيحة، وليس معركة تضع فيها الأمم المتحدة خيرة قادتنا وكبارهم العسكريين والسياسيين وعلى رأسهم محمد بن زايد على لائحة ما يسمى منتهكي حقوق الإنسان وجرائم الحرب في اليمن.
في يوم الشهيد، ينتظر الإماراتيون أن يتم تكريم شهدائهم وجيشهم في تحرير جزرهم المحتلة لا أن يصبحوا مطاردين في أصقاع الدنيا كمجرمي حرب، وإدانة المنظمات الحقوقية الدولية.
أما ذوو الشهداء، فإن تكريمهم إلى جانب المكتب المشار إليه، يكون بالوفاء للقضايا التي ارتقى فيها أعزاءهم والحفاظ على عهودهم وليس فقط بشعارات زائفة للاستهلاك الإعلامي فقط.