اتخذت الإمارات حديثا المزيد من الخطوات من أجل كسر عزلة نظام بشار الأسد في سوريا من بوابة التعاون الاقتصادي المتنامي.
ويبرز مراقبون أن الإمارات تصمم وتستعجل بتحسين علاقاتها وإخراج نظام الأسد من عزلته، أو كسر طوق العقوبات الأوروبية والأميركية.
وقد جاء ذلك على إثر قرار أبوظبي تجديد مجلس الأعمال السوري الإماراتي، بزيادة التبادل التجاري أو جذب الاستثمارات إلى سوريا.
غير أن مراقبين قللوا من أهمية الخطوة. وقال الاقتصادي السوري فراس شعبو إن “المسألة ليست تنظيم أو إعادة انتخابات المجلس، بل المعيقات تكمن بعدم وجود مناخ آمن في سوريا، ما يحول دون جذب الرساميل الخليجية”.
وأضاف شعبو، في تصريحات صحفية أن “إفلاس نظام الأسد سيحوّل التبادل التجاري باتجاه واحد، عدا صادرات الخضر والفواكه والأغنام باتجاه الإمارات”.
وكشف أن الاستثمارات الإماراتية المتجمدة في سوريا، بعد الثورة عام 2011، كانت تقدر قيمتها بنحو 20 مليار دولار، منها مشروع شركة إعمار الإماراتية “البوابة الثامنة” في دمشق، ومشروع “خمس شامات” في ريف دمشق، ومشروع “مدينة بنيان” التي وصلت استثماراتها بمشروع استثماري سياحي بمدينة قطنا إلى أكثر من 10 مليارات دولار.
ويرى شعبو أن “الإمارات تسعى لإحياء تلك المشروعات، بعد صدور قانون الاستثمار الجديد في سورية وتقارب بالعلاقات السياسية”.
وكشف رئيس مجلس الأعمال السوري الإماراتي، غزوان المصري، في تصريحات إعلامية أن “الإمارات تستحوذ على ما تتجاوز نسبته 14% من تجارة سورية الخارجية، مما يجعلها الشريك التجاري العربي الأول والثالث عالميا مع سورية”.
وحث نائب رئيس المجلس، أنس معتوق، رجال الأعمال السوريين على “الاستفادة من كافة آفاق الأعمال في الإمارات وتشكيل شراكات متينة في كافة الأصعدة”.
وأعادت الإمارات فتح سفارتها في دمشق في 27 ديسمبر/ كانون الأول 2018، والذي تلته زيارة وفد من شركة “داماك العقارية الإماراتية” لبحث إقامة مشاريع استثمارية جديدة في سوريا، قبل أن تجري شركة “الفطيم”، بحسب تصريح سابق لمعاون وزير السياحة بدمشق، غياث الفراح، اتصالات لتفعيل مشروعها المتوقف “خمس شامات”.
وسبق أن كشف المركز الخليجي للتفكير خفايا مؤامرة الإمارات في سوريا بعد تطبيعها العلاقات بشكل كامل مع نظام بشار الأسد، مبرزا أن الملف السوري يعد من أهم الملفات التي تركز عليها أبوظبي حالياً.
وذكر المركز في دراسة بحثية أصدرها أن اهتمام الإمارات بالملف السوري لعدة أهداف أهما:
1- الاهتمام الإماراتي بأهمية دمج سوريا في المجتمع العربي لحرصها على إيجاد موطئ قدم لها، فاحتضان الأسد أمر أساسي لبناء نظام إقليمي جديد يهدف إلى الحفاظ على استقرار الإمارات ونفوذها.
فسوريا مكان لنفوذ لقوى مثل تركيا وإيران وروسيا وتريد الإمارات أن تكون في المزيج، وتتنافس مع خصومها الإقليميين لضمان أنها يمكن أن تلعب دورًا في تشكيل مسار سوريا من وجهة نظر إماراتية.
2- يمكن أن تتناسب إعادة تأهيل الأسد مع صفقة كبرى بشأن الأمن الإقليمي مع إيران التي تعد الداعم الرئيسي للأسد، وبهذه الطريقة، ويمكن للإمارات أن تخفف من خطر وقوع مزيد من الهجمات من قبل الحوثيين المدعومين من إيران.
فيمكن اعتبار سوريا كمحطة تهدئة بين الإمارات وإيران، كما تأمل الإمارات أن يساهم تواجدها في تحجيم جزئي للنفوذ الإيراني في سوريا.
3- تأمل الإمارات من الاستفادة من موقع سوريا الاستراتيجي في شرق المتوسط، والتي تتوافق مع استراتيجيتها التجارية بالسعي بأن تكون في قلب التجارة وتدفق الطاقة بين آسيا وإفريقيا وأوروبا.
إذ تحتل سوريا موقعًا استراتيجيًا في هذه الساحة، ففي أوائل عام 2019، أنشأت شركة موانئ دبي العالمية ممر نقل 2500 كيلومتر يمتد من ميناء جبل علي في دبي إلى معبر نصيب جابر الحدودي بين الأردن وسوريا.
قد تأمل الإمارات الآن في الحصول على ميزة المحرك الأول من خلال إصلاح علاقتها مع سوريا قبل منافسيها لتعظيم مكاسبها الجغرافية والاقتصادية.
4- تسعى الإمارات لضم سوريا إلى قائمة الاتفاقيات الإبراهيمية أو على الأقل بناء اتفاق ضمني بين سوريا وإسرائيل للتهدئة بين الدولتين.
5- في غضون ذلك، يحتاج “الأسد” إلى تأمين حليف سياسي عربي قوي لتعزيز مصالحه التجارية المتضررة.
وتناسب الإمارات، تلك الأهداف، واستكشف خلال زيارته الأخيرة إلى الإمارات، آفاقا جديدة للتعاون في المجالات الحيوية، ولتبرير الرحلة، قال محمد بن زايد إن إنهاء الصراع يتطلب البراجماتية، وإن إيران ستعزز قبضتها على سوريا ما لم تنته الحرب، خاصة الآن بعد أن انشغلت روسيا بأوكرانيا.
كما يبدو أن الأسد يريد تخفيف حدة السيطرة الإيرانية من خلال إدخال لاعبين جديد، فقد قال مصدر عسكري إسرائيلي كبير لموقع “المونيتور” “لو كان الأمر متروكا للأسد لما ظل الإيرانيون هناك.
إذ يسعى الأسد الآن إلى الهدوء والاستقرار في الوقت الذي سعى فيه تدريجيا إلى إعادة العلاقات مع الأنظمة العربية، وبالتالي فإن الحرب بين إسرائيل وإيران على أراضيه هي آخر شيء يريده.
التحديات
في ظل الفرصة المتاحة لمزيد من التواجد الإماراتي في سوريا يوجد عدة تحديات منها: –
1- النفوذ التركي فبالرغم من التقارب الحادث مؤخراً، ومع أن تركيا ترى أن وجود عنصر عربي في شرق الفرات مهم بالنسبة لها لتحقيق توازن قوى ضد النفوذين الإيراني والروسي، إلا أن الخلافات بينهما عميقة واستراتيجية.
ولن تسمح أنقره بأن تتهاون في مناطق نفوذها في ظل رفضها لاستمرار الأسد أو إعادة دمجه في المجتمع العربي والدولي، لذا من المتوقع أن تواجه الإمارات بعض المعوقات من الجانب التركي في بسط نفوذها في سوريا.
2- في ظل رفض الإدارة الأمريكية استمرار نظام الأسد وسعي الإمارات لدمجه في المجتمع العربي وفي ظل توتر العلاقات بينهما، قد تستخدم الإدارة الأمريكية “قانون قيصر” لفرض عقوبات على الإمارات وتقييد تدخلها في الملف السوري.
3- التحدي الإيراني، تشعر إيران بالقلق من إعادة دمج سوريا في العالم العربي ونوايا “الأسد”، خاصة بعد زيارته للإمارات.
فإيران تعتبر سوريا محطة نفوذ تقليدي لها، فهي التي حافظت على عدم سقوط الأسد، وتحاول بهدوء خلق طبقة من المواطنين الموالين لها في سوريا، على غرار “حزب الله” في لبنان.
كما تحاول إيران تغيير أسس نفوذها في سوريا ما بعد الحرب، من الوجود العسكري الكبير إلى الهيمنة الاقتصادية، بالرغم من مقاومة “الأسد” غير المعلنة.
وأخيراً من المتوقع أن تنجح الامارات نسبيا في دمج النظام السوري في المحيط العربي وتطوير العلاقات الاقتصادية.
كما قد تنجح في تهدئة الجبهة السورية – الإسرائيلية في ظل التوصل إلى تهدئة ضمنية بدون اتفاق واضح حالياً قد يتطور مستقبلاً إلى اتفاقية سلام بين الدولتين في ظل الدعم الروسي لهذا المسار.
لكن تحقيق الأهداف السياسية وتحقيق تأثير إماراتي في السياسة السورية وتهميش الدور الإيراني فهو أمر معقد نسبياً.