موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

“البيئة مقابل الصمت”: كيف استخدمت الإمارات مؤسسة أميركية لتبييض سجلها الدموي؟

717

بين الشعاب المرجانية في فلوريدا وغبار الحروب في اليمن والسودان وليبيا، تمتد خيوط علاقة مشبوهة تكشف جانبًا مظلمًا من “دبلوماسية البيئة” التي تتقنها دولة الإمارات.

في قلب هذه العلاقة، تقف مؤسسة أميركية محلية تدعى United Way of Collier and the Keys (UWCK)، والتي تحوّلت – وفقًا لتحقيقات واستقصاءات متعددة – إلى أداة ناعمة بيد أبوظبي لتلميع صورتها على الساحة الدولية.

تمويل سخي… ورسائل سياسية خفية

تلقت مؤسسة UWCK تبرعات مالية ضخمة من الحكومة الإماراتية تحت عنوان دعم جهود التعافي البيئي بعد الأعاصير، وترميم الشعاب المرجانية في منطقة كيز بولاية فلوريدا الأميركية.

والمبالغ المقدّمة تجاوزت الملايين، وجرى الترويج لها عبر وسائل إعلامية على أنها تجسيد لحرص الإمارات على البيئة، وإسهامها في المعركة العالمية ضد تغيّر المناخ، لا سيما في سياق استضافتها لمؤتمر المناخ العالمي “كوب 28” في دبي عام 2023.

لكن خلف هذه المبادرات الخضراء، كشفت تقارير استخباراتية وإعلامية أميركية أن هذه التمويلات ارتبطت بمساعٍ منظمة للتأثير على صنّاع القرار في واشنطن، حيث تم استخدام مؤسسة UWCK كغطاء لتحركات سرية نفّذها عملاء مرتبطون بأجهزة الأمن الإماراتية.

الهدف لم يكن البيئة فقط، بل الوصول إلى دوائر النفوذ السياسي الأميركي، وكسب التعاطف والتغطية على سجل الإمارات الحافل بالانتهاكات.

جواسيس ومؤسسات خيرية

بحسب تقارير صحفية أميركية، فإن شخصيات مرتبطة بالإمارات استغلت غطاء UWCK للاندماج في شبكات العمل المدني والمناخ في الجنوب الأميركي، ونسج علاقات مع مسؤولين محليي.

وذلك في وقت كانت فيه الإمارات تُتهم بارتكاب انتهاكات مروعة في اليمن، من دعم ميليشيات مسلحة وقيادة سجون سرية، إلى تأجيج النزاع في السودان عبر تسليح مليشيات الدعم السريع المسؤولة عن مذابح وانتهاكات ضد المدنيين، بينهم أطفال.

ويرى مراقبون أن دولة الإمارات عمدت إلى تحويل “القضايا البيئية” إلى بوابة جديدة لممارسة نفوذها، بعد أن أصبحت صورة “الراعي الإنساني” غير قابلة للتصديق بسبب تورطها في كوارث إنسانية عبر المنطقة.

وقد بات الاستثمار في مؤسسات أميركية مثل UWCK وسيلة لبناء سردية جديدة تقول إن أبوظبي تدعم المناخ والاستدامة، بينما تغض هذه المؤسسات الطرف عن الانتهاكات الممنهجة بحق الشعوب الأخرى.

ما يزيد من خطورة هذه العلاقة، أن مؤسسة UWCK لم تكن ذات طابع دولي أو سياسي، بل محلية تعمل على دعم المجتمعات المتضررة من الأعاصير في فلوريدا.

وهذا ما يجعل تغلغل الإمارات في مثل هذه المؤسسة مؤشراً على عمق اختراقها للمجتمع المدني الأميركي، عبر أدوات تبدو “نظيفة”، لكنها في الواقع محمّلة بأجندات استخباراتية وسياسية.

تبييض الانتهاكات عبر المرجان

بالتوازي مع تمويل مشاريع بيئية في الولايات المتحدة، كانت طائرات التحالف الذي تقوده الإمارات والسعودية تقصف المدن اليمنية، وتفرض حصارًا أدى إلى أكبر أزمة إنسانية عرفها القرن الحادي والعشرين، بحسب الأمم المتحدة.

وفي السودان، وثّقت هيومن رايتس ووتش والأمم المتحدة دور أبوظبي في تسليح قوات الدعم السريع التي ارتكبت انتهاكات جسيمة، شملت قتل مدنيين وحرق قرى كاملة، وتجويع آلاف الأطفال في دارفور وكردفان.

في هذا السياق، يصبح تمويل ترميم الشعاب المرجانية في فلوريدا محاولة مكشوفة لتبييض صورة سياسية ملوثة بالدم، واستخدام البيئة كغطاء لتجاوز المحاسبة الدولية، وصناعة “قصة جديدة” عن الإمارات الملتزمة بالسلام والازدهار.

وحتى الآن، لم تصدر مؤسسة UWCK توضيحات علنية بشأن حجم التبرعات الإماراتية، ولا طبيعة العلاقة التي جمعتها بمسؤولين من حكومة أبوظبي.

كما لم تفتح الحكومة الأميركية أي تحقيقات علنية بخصوص هذا التمويل، رغم الدعوات المتكررة من منظمات حقوقية وإعلامية للتدقيق في مصادر الدعم الأجنبي وتأثيره على عمل المنظمات غير الربحية في الداخل الأميركي.

وينبه خبراء في الشفافية إلى أن التستر على هذه العلاقات يشكل خطرًا على نزاهة العمل المدني الأميركي، ويفتح الباب أمام قوى أجنبية لاستخدام القضايا الإنسانية والبيئية كأدوات ترويج سياسي.

وتكشف العلاقة بين الإمارات وUnited Way of Collier and the Keys جانبًا من الاستراتيجية الإماراتية التي تعتمد “الدبلوماسية الخضراء” كأداة دفاع ناعم، في مواجهة تهم ثقيلة بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان.

وبينما تُزرع الشعاب المرجانية في فلوريدا، تُقتلع حياة آلاف الأبرياء في اليمن والسودان وليبيا.

وإلى أن يتم فتح تحقيق شفاف ومستقل في هذه التبرعات وعلاقتها بالاختراق السياسي، سيبقى شعار “البيئة أولًا” مجرد قناع أخضر يخفي وجهًا مغطى بالرماد والدم.