موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

الإمارات ترسم خرائط جديدة في الساحل الإفريقي: هندسة نفوذ على حساب الجزائر

0 182

في لحظة إقليمية متقلّبة، ومع تصاعد التجاذبات الدولية حول منطقة الساحل الإفريقي، كثّف النظام الإماراتي تحركاته الميدانية والدبلوماسية في دول الساحل، في خطوة تحمل أبعادًا استراتيجية تتجاوز الأطر الاقتصادية المعلنة.

ففي مطلع مايو، حطّ وفد إماراتي رفيع بقيادة شخبوط بن نهيان، وزير الدولة في وزارة الخارجية، في كلّ من باماكو عاصمة مالي، ونيامي عاصمة النيجر، حاملاً خطاب تعاون رسمي، لكنه يخفي في طياته مشروعًا أوسع لإعادة صياغة موازين القوى في المنطقة.

ملامح المشروع الإماراتي: أبعد من التعاون الثنائي

بحسب المعلومات المتداولة من مصادر مطلعة، فإن التحرك الإماراتي الأخير يأتي في إطار ملء فراغ سياسي وأمني ناتج عن برودة العلاقات الجزائرية مع دول الساحل، لا سيما بعد أن تراجعت الجزائر عن لعب دورها التقليدي في دعم الحركات التحررية وقوى المعارضة في المنطقة.

وهذا الفراغ، يبدو أن أبوظبي رأت فيه فرصة سانحة لترسيخ نفوذها عبر هندسة جديدة للمشهد الإقليمي.

الهدف من التحرك لا يقتصر على الجانب الاقتصادي أو التجاري كما يُروّج رسميًا، بل يتمحور حول ثلاثة محاور رئيسية:

ترسيخ شراكة أمنية مع الأنظمة العسكرية الانتقالية التي وصلت إلى الحكم عبر انقلابات في السنوات الأخيرة، مثلما هو الحال في مالي والنيجر وبوركينا فاسو.

توفير مظلة دعم سياسي ولوجستي لتلك الأنظمة في مواجهة الضغوط الغربية والإفريقية، لا سيما في ما يخص قمع الحركات المدنية وقوى المعارضة التي تنادي بالديمقراطية.

المشاركة غير المباشرة في طيّ صفحة “قضية الأزواد” في شمال مالي، وذلك عبر تبني “خريطة أمنية جديدة” يتم رسمها برعاية إماراتية، تتجاهل المطالب التاريخية للطوارق بالاستقلال أو الحكم الذاتي.

مناورات أبوظبي: شراكات فوق رماد الحريات

الخطير في هذا التحرك ليس فقط أنه يتم على حساب القوى المدنية في الساحل، بل إنه يكرّس نمطًا معروفًا للنفوذ الإماراتي الذي بات يتكرر في أكثر من ساحة: من السودان إلى ليبيا، ومن اليمن إلى القرن الإفريقي.

النمط ذاته يتلخص في دعم أنظمة استبدادية انتقالية، وتوفير الغطاء السياسي والعسكري لها من خلال تحالفات اقتصادية وأمنية، غالبًا ما تترافق مع صفقات تسليح أو مساعدات مالية مشروطة.

في حالة مالي، مثلًا، عززت أبوظبي علاقتها بالمجلس العسكري الحاكم الذي يواجه اتهامات متزايدة بانتهاك حقوق الإنسان، فيما تحركت بالتوازي نحو النيجر لتقديم “بدائل تنموية” تغطي على خيبة الأمل الشعبية من الانقلاب الأخير.

هذه البدائل ليست سوى رافعة ناعمة لإعادة تشكيل البيئة السياسية بما يضمن مصالح أبوظبي، حتى وإن كان ذلك على حساب الاستقرار المجتمعي أو المسار الديمقراطي.

التنسيق مع الرباط: جبهة مزدوجة لعزل الجزائر

الأكثر إثارة للقلق أن التحرك الإماراتي لا يجري بمعزل عن ترتيبات إقليمية أخرى، إذ تشير تقارير متقاطعة إلى وجود تنسيق غير مباشر بين الإمارات والمغرب في هذا الملف.

والرباط بدورها قدّمت وعودًا مغرية لدول الساحل بفتح نوافذ على المحيط الأطلسي، وهو ما يلقى صدىً لدى أنظمة تبحث عن بدائل جيوسياسية بعيدًا عن المحور التقليدي الذي تمثله الجزائر.

هذا التناغم بين أبوظبي والرباط في اختراق فضاء الساحل يعكس مشروعًا مزدوجًا لعزل الجزائر جيوسياسيًا، وقطع أي نفوذ مستقبلي لها في المنطقة. فبالتوازي مع تهميش القوى المدنية، تُدفع هذه الدول إلى تحالفات أمنية مع أنظمة ملكية أو استبدادية، تُحكم قبضتها عبر المساعدات والوعود الاستثمارية.

سياسة النفوذ بدل سياسة التنمية

ما يجب التوقف عنده بجدية، هو أن التحرك الإماراتي لا يتعامل مع الساحل الإفريقي بوصفه ساحة تنموية بحاجة إلى دعم متوازن، بل كمساحة فراغ يمكن ملؤها بتحالفات فوقية مع أنظمة مستعدة لتقديم الامتيازات مقابل البقاء في السلطة.

ولعلّ الإمارات تجد في هذه المعادلة ما يلائم نمطها الخارجي القائم على توسيع رقعة النفوذ عبر البوابة الأمنية، لا عبر التنمية المستدامة أو دعم التحول الديمقراطي.

وإذا ما أضفنا إلى ذلك التداخل المتزايد بين الأدوار الإماراتية في ليبيا والسودان والساحل، يتضح أن المشروع الإماراتي لا يستهدف فقط فرض وقائع سياسية جديدة، بل أيضًا إعادة تشكيل البيئة الأمنية والإدارية لتلك الدول بما ينسجم مع رؤية أبوظبي لدور الدولة: مركزي، سلطوي، ومحصّن ضد التغيير الشعبي.

خريطة نفوذ لا تعترف بالشعوب

في خلاصة هذا المشهد، يبدو أن الإمارات لا تدخل أي ساحة نزاع إلا لتُعيد ترتيبها وفق مصالحها الخاصة، ولو على حساب التوازنات الوطنية أو الحقوق التاريخية لشعوب تلك المناطق.

وفيما تواصل القوى الدولية تجاهل هذا النهج الإماراتي، تتسع رقعة الفوضى المنظمة في مناطق كانت يومًا ما محط آمال التحرر والتنمية.

أما الجزائر، المستهدفة من هذا الحراك المزدوج، فهي أمام اختبار حقيقي لاستعادة زمام المبادرة في فضائها الحيوي، بدلًا من الاكتفاء بدور المتفرج على هندسة جديدة تُصاغ على أطراف حدودها.