موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

كيف تتواطأ مصر والإمارات في حرب تجويع غزة؟

1٬682

في الوقت الذي يواجه فيه سكان قطاع غزة أوضاعًا إنسانية متدهورة، تتوالى المؤشرات على أن المجاعة التي تضرب القطاع ليست حصيلة الحصار الإسرائيلي وحده، بل نتيجة لتواطؤ إقليمي تقوده كل من مصر والإمارات بتواطؤ أمريكي ضمني، وبتجاهل فاضح من الهيئات الإقليمية والدولية.

إذ يُعدّ معبر رفح البري المنفذ الأساسي – وربما الوحيد – لأكثر من 2.3 مليون فلسطيني محاصرين في قطاع غزة. ورغم تعهدات متكررة من القاهرة بالسماح بدخول المساعدات، تُظهر الوقائع أن السلطات المصرية تواصل إغلاق المعبر بشكل شبه دائم، وتمنع مرور شاحنات الإغاثة وفرق الإجلاء الطبي.

ومنذ فبراير/شباط 2024، صعّدت مصر القيود على عبور المساعدات، متذرعة بالأوضاع الأمنية المرتبطة بالعملية العسكرية الإسرائيلية في رفح. لكن التوقيت، تزامنًا مع حصول القاهرة على تمويلات خليجية غير مسبوقة، يطرح تساؤلات حول الأهداف الحقيقية لهذا الإغلاق.

المال الخليجي والمقايضة السياسية

خلال الأشهر الماضية، حصلت مصر على أكثر من 40 مليار دولار من تمويلات خليجية ومن صندوق النقد الدولي. وكانت الإمارات العربية المتحدة على رأس الممولين، بتعهداتها الاستثمارية التي شملت صفقة ضخمة في مشروع “رأس الحكمة” الساحلي، بقيمة تتجاوز 24 مليار دولار، تم توقيعها في فبراير 2024.

المثير للانتباه أن هذا التاريخ يطابق تقريبًا إعلان الإغلاق المفتوح لمعبر رفح. وقد وصف محللون هذا التطابق بأنه “أكثر من مجرد صدفة”، معتبرين أن الإمارات تضخ الاستثمارات في بنية النظام المصري مقابل التزام القاهرة بإبقاء غزة معزولة ومحاصرة.

مشاريع “التهجير الناعم” والتواطؤ الرقمي

في موازاة ذلك، برزت مبادرة رقمية غامضة تدعى “المجد أوروبا”، تعرض على سكان غزة تذاكر سفر باتجاه واحد إلى إندونيسيا، مقابل بياناتهم الشخصية ومبلغ 5,000 دولار.

وقد تبين أن المبادرة مدعومة من جهات إماراتية، وتستخدم تقنيات ذكاء اصطناعي لهويات مزيفة، مما أثار مخاوف مراقبين بأنها جزء من عملية مشتركة مع إسرائيل لتسويق “الهجرة القسرية” كحل إنساني.

هيئات رقابية متخصصة في حقوق الخصوصية الرقمية، منها مؤسسة “سيتيزن لاب”، أشارت إلى أن البنية التحتية الرقمية لـ”المجد أوروبا” تستضيفها شركات مرتبطة بأنظمة أمنية في الخارج، ما يعزز فرضية أن العملية تهدف إلى إفراغ غزة تحت غطاء إنساني.

الصمت الأمريكي… والتواطؤ الدولي

رغم التحذيرات المتكررة من منظمات غير حكومية أميركية التمويل، بشأن وجود “مجاعة إبادة جماعية” في غزة، لم تحرّك الولايات المتحدة ساكنًا للضغط على مصر أو الإمارات. وعلى العكس، تواصل واشنطن تقديم المساعدات المالية والعسكرية لكلا البلدين، متجاهلة استخدام المعابر كأداة لخنق الفلسطينيين.

هذا الصمت يعكس دعمًا ضمنيًا للسياسات الجارية، إذ تمنح واشنطن غطاءً دبلوماسيًا لإغلاق رفح، وترفض مساءلة الشركاء الإقليميين، بمن فيهم حلفاء استراتيجيون كالإمارات.

مجاعة موثّقة… وجدران مغلقة

تشير تقارير منظمة اليونيسف ومنظمة الصحة العالمية إلى أن شهر مايو وحده شهد تسجيل أكثر من 5,000 حالة من سوء التغذية الحاد بين الأطفال في قطاع غزة، فيما توفي ما لا يقل عن 66 طفلًا بسبب الجوع أو مضاعفاته.

وتقول منظمات إغاثة عاملة في المنطقة إن الشاحنات المحمّلة بالغذاء والدواء “تُستخدم كسلاح سياسي”، وإن السلطات المصرية تشترط تصاريح أمنية مشددة تمر عبر قوائم معتمدة من المخابرات.

وأكدت مصادر دبلوماسية أن القاهرة وأبو ظبي عرقلتا أي مقترحات لفتح معابر بديلة لغزة، سواء عبر البحر أو من خلال التنسيق مع الأمم المتحدة.

وفي اجتماعات جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، ترفض الدولتان إدراج فتح المعابر على جدول الأعمال، ما يطرح تساؤلات حول هدفهما الحقيقي من استمرار الحصار.

الهندسة الإقليمية للتجويع

الواضح أن ما يجري يتجاوز حدود الإهمال أو البيروقراطية. فمصر تلعب دور حارس البوابة، تغلق الأبواب أمام الحياة باسم السيادة والأمن.

والإمارات تضخ الأموال مقابل صفقات نفوذ واستثمار، وتدعم مشاريع تهجير تستهدف تفريغ غزة من سكانها. أما إسرائيل، فهي تمارس القصف والتجويع المباشر، بينما تجني المكاسب السياسية من هذا التواطؤ الصامت.

في هذا المشهد، تبدو المجاعة في غزة وكأنها مشروع سياسي متكامل، تتوزع فيه الأدوار بين تل أبيب والقاهرة وأبو ظبي، برعاية أمريكية، وصمت عربي رسمي، واستنزاف ممنهج لما تبقى من حياة داخل القطاع.

وعليه لم تعد المجاعة في غزة مجرد نتيجة عرضية لحرب طويلة. إنها سياسة مرسومة، تنفذها ثلاث عواصم بتواطؤ مكشوف. فإسرائيل تلقي القنابل، ومصر تغلق الأبواب، والإمارات تكتب الشيكات، وبالتالي فإن ما يحدث ليس كارثة إنسانية، بل إبادة جماعية مقننة، تُدار على موائد السياسة، وتُنفذ عبر قوافل ممنوعة، وصفقات معلنة، وخطط تهجير مموهة.