تم الكشف عن تحركات خفية لدولة الإمارات في أفريقيا، بحيث تم وصفها بـ”سرطان بطيء” الذي يجتاح القارة، بتكتيكات متعددة تتضمن دعم الميليشيات والمرتزقة، وتأجيج الصراعات، والتدخل السري في الشؤون الداخلية للعديد من الدول الإفريقية.
وطرح تقرير نُشر مؤخراً في صحيفة “تنزانيا تايمز”، تساؤلات حول دور أبوظبي في تهريب الثروات الطبيعية وتواطؤ بعض الزعماء الأفارقة في تسهيل هذه الأنشطة المدمرة.
البحث عن الذهب: طريق الإمارات لاستنزاف الموارد
تبدأ القصة في قطاع الذهب، الذي يشكل أحد المصادر الأساسية للثروات في أفريقيا. رغم أن الإمارات لا تملك مناجم ذهب معروفة، إلا أنها تعد واحدة من أكبر مستوردي الذهب في العالم، حيث تستورد أكثر من 1000 طن من الذهب سنوياً، ويأتي أكثر من ثلثي هذه الكميات من القارة السمراء.
وهناك أكثر من 20 مصفاة للذهب في الإمارات و7000 تاجر ذهب، مما يشير إلى حجم الاستثمارات الإماراتية في القطاع.
ويتساءل التقرير: كيف يمكن لدولة مثل الإمارات أن تتحكم في سوق الذهب بهذه الطريقة دون امتلاك مناجم؟ الجواب يعود إلى استراتيجياتها الماكرة في استغلال الصراعات والنزاعات المحلية في الدول الإفريقية لتحقيق مصالحها الاقتصادية.
كما أن الإمارات تسهم في تأجيج الفوضى عبر دعم الميليشيات والجماعات المسلحة في دول مثل السودان وليبيا وتشاد، مما يضمن لها السيطرة على الموارد المعدنية والطبيعية الثمينة.
التدخلات في السودان: دعم سري للقوات المتمردة
أحد أبرز الأمثلة على هذا التدخل هو الدعم السري الذي تقدمه الإمارات لقوات الدعم السريع في السودان، وهي ميليشيا متهمة بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
ووفقاً للتقرير، هناك دلائل على أن الإمارات تقدم الدعم العسكري والمادي لهذه القوات في إطار محاولاتها للتحكم في الوضع السياسي في السودان وضمان مصالحها الاقتصادية.
ولكن الوضع في السودان أصبح أكثر تعقيداً عندما رفعت الحكومة السودانية دعوى قضائية ضد الإمارات بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية ضد مجتمع المساليت في غرب دارفور.
وكشف التقرير أن بعض الجنود الإماراتيين قد لقوا حتفهم أثناء القتال إلى جانب قوات الدعم السريع، مما يعكس عمق التورط الإماراتي في النزاع السوداني.
دعم المتمردين لتحقيق الأهداف الاقتصادية
إلى جانب السودان، تعتبر جمهورية الكونغو الديمقراطية واحدة من الدول التي تشهد تدخلات إماراتية عبر دعم المجموعات المتمردة. التقرير يبرز دور حركة “كوديكو”، وهي ميليشيا متمردة في الكونغو، والتي كان لها دور في تصعيد النزاعات في المناطق الغنية بالمعادن.
ويؤكد التقرير أن الإمارات قامت بتوجيه الدعم إلى هذه الجماعة المتمردة عبر شراكات مع دول أخرى مثل رواندا، التي أصبحت نقطة انطلاق لتمويل هذه الحركات في محاولات للسيطرة على الأراضي الغنية بالموارد.
التغطية الإعلامية والتضليل
تحركات الإمارات في القارة لا تقتصر على دعم الميليشيات. الإمارات تعمل على تبييض سمعتها عبر تقديم نفسها كداعم رئيسي لأفريقيا، وهو ما يناقض الواقع الذي تكشفه التقارير. ففي الوقت الذي تدير فيه أبوظبي شبكة من العلاقات المشبوهة في السودان والكونغو، تواصل حملاتها الإعلامية لتظهر نفسها كصديقة للقارة السمراء.
هذا التضليل الإعلامي ينطوي على تسويق لأسلوب جديد من التدخل الدبلوماسي، حيث يتم التعاون مع بعض الزعماء الأفارقة الذين يسهلون تلك الأنشطة في مقابل وعود بمساعدات اقتصادية أو مشاريع استثمارية.
ويُعتقد أن الرئيس الكيني، ويليام روتو، قد تساهل مع بعض الأنشطة المشبوهة التي تقوم بها الإمارات في السودان، رغم أنها تتناقض مع مصالح بلاده.
التهريب واستغلال الثروات الطبيعية
إلى جانب نهب الذهب والمعادن، لا تتورع الإمارات عن استغلال الثروات الأخرى مثل الحياة البرية.
ورصد التقرير عمليات تهريب لحيوانات برية من أفريقيا إلى الإمارات، في محاولة لتجديد حدائق الحيوان والمتنزهات، وهو ما يثير تساؤلات حول الدور الذي تلعبه الإمارات في تهريب الأنواع المهددة بالانقراض من أفريقيا.
إلى جانب ذلك فإن من الأساليب التي تميزت بها الإمارات في أفريقيا هو استغلال الأديان لتحقيق أهدافها.
فكما أشار التقرير، تستغل أبوظبي الدين كوسيلة لتوسيع نفوذها في بعض الدول الأفريقية، وهو ما يثير المخاوف من تحول بعض الدول إلى “أرض خصبة” لتدخلات دينية وسياسية تهدف في النهاية إلى ترسيخ هيمنة الإمارات.
تساؤلات حول غياب التدخل الدولي
في ختام التقرير، يطرح المحللون تساؤلات عدة حول غياب ردود فعل قوية من قبل الاتحاد الإفريقي أو المجتمع الدولي إزاء هذه التدخلات الإماراتية المستمرة في القارة.
لماذا لا تتخذ الدول الأفريقية إجراءات ضد التدخلات الأجنبية في شؤونها الداخلية؟ لماذا لا يقوم الاتحاد الإفريقي بمعاقبة الدول المتورطة في دعم الحروب والميليشيات مثل أوغندا ورواندا؟
ويختتم التقرير بالتحذير من أن هذا النموذج من التدخلات الإماراتية قد يضر بمستقبل أفريقيا ويحولها إلى ساحة لصراعات جديدة تحركها مصالح دولية بعيدة عن طموحات القارة الأفريقية.
