موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

مؤامرات الإمارات في جزيرتي ميون وزقر وباب المندب في اليمن

880

يكشف التحقيق الاستقصائي الصادر عن مركز هنا عدن للدراسات الاستراتيجية حول الدور الإماراتي–الإسرائيلي في جزيرتي ميون (بريم) وزقر، عن مشهد بالغ الخطورة لا يقتصر على اليمن فحسب، بل يمتد ليعكس طبيعة التحولات في النظام الإقليمي العربي خلال العقد الأخير.

فما يظهر من تفاصيل ليس مجرد “خبر” عن قاعدة عسكرية أو اتفاقية سرية، بل هو جزء من مشروع استراتيجي لإعادة تشكيل موازين القوى في البحر الأحمر وباب المندب.

أبعاد المشروع الإماراتي–الإسرائيلي

يمكن تقسيم المشروع إلى ثلاثة مستويات رئيسية:

المستوى العسكري–الأمني

الإمارات عملت على بناء مطارات عسكرية، حظائر للطائرات، مساكن للخبراء، منصات مراقبة، وسجون سرية في ميون وزقر. الهدف المباشر هو السيطرة على حركة الملاحة وتثبيت حضور عسكري دائم، متخفياً خلف واجهة التحالف العربي.

المستوى الاستخباراتي–التقني

بعد اتفاقيات التطبيع، انخرطت شركات إسرائيلية متخصصة في نصب أنظمة رصد واعتراض متطورة في الجزيرة. هذه الأنظمة لا تكتفي بمراقبة السفن اليمنية، بل تشمل حركة ناقلات النفط العالمية والقطع البحرية العابرة من وإلى قناة السويس.

المستوى الاقتصادي–اللوجستي

تحولت ميون إلى محطة ترانزيت وصيانة للسفن التجارية والحربية، مع فرض رسوم تتراوح بين 80 و200 ألف دولار للعملية الواحدة. هذه العوائد تُحوّل إلى حسابات في دبي بعيداً عن أي رقابة يمنية أو دولية، ما يجعل الجزيرة مشروعاً ربحياً يوازي أهميته الاستراتيجية.

البعد الإسرائيلي في اللعبة

الخطر الأكبر يكمن في انخراط إسرائيل المباشر. محضر اجتماع يوليو 2020 بين وفدين إماراتي وإسرائيلي في قاعدة عصب الإريترية، كشف عن خطة واضحة للسيطرة على الموانئ والجزر، وإرسال قوات عربية لإخفاء الحضور الإسرائيلي.

ويوضح ذلك أن المشروع يتجاوز الإمارات، ليشكل غطاءً إقليمياً لمشروع إسرائيلي أوسع للهيمنة على طرق التجارة والطاقة في البحر الأحمر والمحيط الهندي.

ازدواجية الخطاب الإماراتي

الإمارات تروج لنفسها كحليف في “التحالف العربي لدعم الشرعية” وتبرر وجودها بذريعة مكافحة الإرهاب والمساعدات الإنسانية. لكن الوثائق والصور الجوية المسربة تفضح التناقض: الهلال الأحمر الإماراتي يُستعمل كغطاء لأنشطة أمنية، ومشاريع “إعادة الإعمار” مجرد أقنعة لإرساء قواعد نفوذ طويلة الأمد.

هذه الممارسات تعكس سياسة “الاحتلال الناعم”:

لا رفع للأعلام ولا احتلال مباشر، بل إنشاء شبكات عسكرية واقتصادية تدار عبر شركات أجنبية ووكلاء محليين.

الانسحاب المعلن للإمارات من اليمن لم يكن سوى إعادة تموضع، حيث استُبدلت القوات النظامية بمليشيات محلية موالية، أبرزها قوات طارق صالح.

جزيرتا ميون وزقر: نقاط ارتكاز للهيمنة

جزيرة ميون: قلب باب المندب، حيث بُني مطار عسكري موسع، أنظمة مراقبة متطورة، وسجون سرية. التمويل الإماراتي جاء بعشرات ملايين الدراهم خلال فترة قصيرة، مع إدخال أنظمة دفاع إسرائيلية مثل الباتريوت.

جزيرة زقر: تسللت إليها القوات الإماراتية منذ 2016، وأُنشئت مدارج ومخازن أسلحة وميناء صغير. رغم إعلان أبوظبي عام 2019 تسليمها لخفر السواحل اليمني، إلا أن السيطرة الفعلية بقيت بيد مليشيات مدعومة منها، مع تواجد سفن مراقبة مزودة بأجهزة تنصت إسرائيلية.

في الوقت ذاته أشارت التحقيقات إلى بناء سجون سرية في ميون وزقر، مع اعتقالات تعسفية واستجوابات للسكان المحليين.

وقد وثقت تقارير هيومن رايتس ووتش والغارديان بشاعة التعذيب وسوء المعاملة في هذه السجون، ما يؤكد أن المشروع ليس عسكرياً واقتصادياً فقط، بل أيضاً منظومة قمع تهدف إلى إخضاع السكان وترهيبهم.

الأهداف الإماراتية الأعمق

تعويض النقص الجغرافي والديموغرافي: الإمارات، دولة صغيرة المساحة والسكان، تحاول عبر شراء النفوذ الخارجي أن تقدم نفسها كقوة إقليمية فاعلة.

السيطرة على الموانئ والمضائق: من عدن إلى سقطرى، ثم ميون وزقر، تسعى أبوظبي لإنشاء “إمبراطورية موانئ” تربط بين الخليج والبحر الأحمر.

الشراكة الإستراتيجية مع إسرائيل: التطبيع لم يكن مجرد اتفاق سياسي، بل بوابة لتعاون استخباراتي واقتصادي في قلب البحر الأحمر، بما يتجاوز اليمن إلى معادلات الأمن الدولي للطاقة.

الأخطر أن هذا المشروع يجري وسط صمت يمني رسمي وتواطؤ إقليمي ودولي ضمني. لا مساءلة ولا شفافية، بل قبول عملي بتحول الجزر إلى قواعد نفوذ أجنبية. ومع مرور الوقت، تتحول هذه السيطرة إلى واقع اعتيادي، يطبع فكرة أن اليمن بلد مُدار من وراء البحار.

وعليه فإن ما كشفته الوثائق المسربة عن ميون وزقر يعرّي المشروع الإماراتي–الإسرائيلي بأكمله. إنه ليس دعماً للشرعية ولا حرباً على الحوثيين، بل إعادة رسم للخريطة الجيوسياسية في البحر الأحمر.

الإمارات تشتري النفوذ العسكري والاستخباراتي بالمال، وتغلفه بخطاب إنساني وأمني، لتخلق نموذجاً جديداً من الاحتلال: احتلال ناعم، لا يرفع أعلامه، لكنه يقتطع الأرض ويستنزف الموارد ويُخضع السكان.

اليمنيون أمام اختبار تاريخي: إما استعادة سيادتهم عبر مساءلة ومقاومة هذا المشروع، أو ترك جزرهم وموانئهم تتحول إلى أوراق تفاوض في صفقات إقليمية ودولية، ليبقى المواطن اليمني الضحية الأولى لمشاريع الهيمنة التي تُدار من أبوظبي وتُنسق مع تل أبيب.