موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

فضيحة المرتزقة الكولومبيين تكشف الوجه القبيح للنفوذ الإماراتي في حروب المنطقة

911

أعاد تحقيق جديد لصحيفة “الغارديان” البريطانية تسليط الضوء على واحدة من أكثر الملفات السوداء في السياسة الإماراتية: استخدام المرتزقة الكولومبيين كأدوات لتنفيذ أجندات عسكرية وأمنية في دولٍ عربية تمزّقها الحروب والفوضى، أبرزها اليمن والسودان.

فبحسب التحقيق، فإن أبوظبي جنّدت المئات من الكولومبيين عبر شركات أمنية خاصة، وقدّمت لهم تدريبات ومهام قتالية ضمن عقود ظاهرها “العمل العسكري المحترف”، وباطنها القتال في حروبٍ قذرة بالوكالة تخدم مصالحها الإقليمية وتوسّع نفوذها في مناطق النزاع.

من بوغوتا إلى بوصاصو… ثم إلى قلب السودان

يروي المرتزق الكولومبي الذي سمّته الصحيفة بـ“كارلوس” تفاصيل رحلته التي بدأت من بوغوتا بإجراء فحوص طبية وتوقيع عقد مغرٍ براتب شهري يبلغ 2600 دولار.

كان يظن أنه ذاهب لحراسة منشآت نفطية أو موانئ تجارية، لكنه اكتشف لاحقاً أن وجهته النهائية ليست الإمارات بل حربٌ بالوكالة في السودان.

فبعد توقف في أوروبا، نُقل إلى إثيوبيا، ومنها إلى قاعدة عسكرية إماراتية في مدينة بوصاصو بالصومال، وهي القاعدة التي استخدمتها أبوظبي سابقاً في عملياتها بالقرن الإفريقي.

من هناك، تم شحنه مع مجموعة من المرتزقة إلى مدينة نيالا في إقليم دارفور، التي تحوّلت بحسب التقرير إلى مركز رئيسي لتواجد المرتزقة الكولومبيين العاملين لصالح الإمارات.

يصف كارلوس مشاهد مروّعة خلال مهمته، إذ طُلب منه تدريب مجندين سودانيين، معظمهم من الأطفال، على استخدام البنادق والرشاشات وقاذفات RPG، تمهيداً لإرسالهم إلى الجبهات المشتعلة.

يقول: “كان الأمر فظيعاً ومجنوناً، لكن هذه هي طبيعة الحرب”، في شهادةٍ تلخّص بوضوح التحلل الأخلاقي الذي يطبع التدخل الإماراتي في النزاعات.

سيرة قديمة: من اليمن إلى السودان

تؤكد “الغارديان” أن استخدام المرتزقة الكولومبيين ليس سابقة جديدة في سجلّ أبوظبي، بل هو استمرار لنهجٍ بدأ قبل عقد من الزمن، حين استقدمت الإمارات مئات المقاتلين من أميركا اللاتينية للقتال في اليمن ضد جماعة الحوثي.

تلك العمليات، التي تمّت تحت إشراف شركات أمنية غربية، كانت نموذجاً مبكراً لحروب الخصخصة العسكرية التي باتت أبوظبي من أبرز مموّليها في المنطقة.

ففي اليمن، قاتل المرتزقة ضمن وحدات إماراتية خاصة في مناطق عدن والمخا والساحل الغربي، مقابل رواتب مرتفعة وتسهيلات مالية. وعندما بدأت الحرب تتكشف عن جرائم مروّعة بحق المدنيين، استخدمت الإمارات هؤلاء المقاتلين كدرعٍ قانوني لتجنب المساءلة الدولية، بحجة أنهم “قوات متعاقدة” لا تخضع رسمياً لأي جيش.

وفي السودان، يبدو السيناريو أكثر خطورة. فالتقرير البريطاني يربط وجود المرتزقة الكولومبيين بدعم الإمارات لقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وهي القوة المتهمة بارتكاب انتهاكات واسعة ضد المدنيين وبتأجيج الحرب الأهلية في البلاد منذ منتصف 2023.

المرتزقة كأداة سياسية: الالتفاف على القانون الدولي

يقول الخبير الأميركي في شؤون المرتزقة شون ماكفيت، في حديثه لـ”الغارديان”، إن الدول التي تستخدم المرتزقة تشتري “القدرة على الإنكار”.

فحين يُقتل هؤلاء أو يرتكبون جرائم حرب، يمكن للدولة المتورطة أن تنفي مسؤوليتها بكل بساطة، وتُلقي اللوم على “شركات خاصة” أو “مقاتلين غير نظاميين”.

وتمنح هذه الاستراتيجية أبوظبي غطاءً قانونياً وسياسياً يسمح لها بتوسيع نفوذها دون أن تتحمل تبعات الانتهاكات. إنها حرب نظيفة على الورق، قذرة في الميدان، تُدار بأموال النفط وتُنفذ بأيادٍ أجنبية لا تعرف شيئاً عن جغرافيا أو قضايا المنطقة.

كما أن اعتماد الإمارات على الكولومبيين تحديداً ليس صدفة. فهؤلاء المقاتلون تلقّوا خبرات طويلة في حرب العصابات داخل كولومبيا، ما يجعلهم رخيصين ومتمرّسين في الوقت نفسه، مقارنة بجنود غربيين أو مقاولين عسكريين من أوروبا أو أميركا.

السودان… المختبر الجديد لحروب الإمارات

تؤكد الصحيفة البريطانية أن مدينة نيالا أصبحت قاعدة ميدانية للمرتزقة الكولومبيين الذين يتولّون تدريب مجندين سودانيين وتنسيق عمليات ميدانية بدعم لوجستي مرتبط بالإمارات.

ويرجّح محللون أن هذا النشاط يأتي في إطار محاولات أبوظبي ترجيح كفة الدعم السريع ضد الجيش السوداني، لحماية مصالحها الاقتصادية في مناجم الذهب في دارفور وممرات التجارة عبر الحدود مع تشاد وأفريقيا الوسطى.

بذلك، تتحول الحرب السودانية إلى حلبة صراع بالوكالة، تستخدم فيها الإمارات أدواتها من السلاح والمرتزقة والمال، لتضمن استمرار نفوذها في موارد القارة السمراء تحت غطاء “الاستثمار الإنساني”.

النفي الإماراتي.. والحقائق العنيدة

كالعادة، نفت أبوظبي جميع الاتهامات الواردة في التقرير، ووصفتها بأنها “مزاعم غير دقيقة”.

لكن تواتر الشهادات الميدانية، والصور المسربة التي أظهرت مرتزقة يتحدثون الإسبانية في معسكرات سودانية، يجعل من الصعب تصديق الإنكار الرسمي.

بل إن منظمات حقوقية دولية كانت قد وثّقت منذ 2024 تحركات طائرات شحن عسكرية إماراتية بين بوصاصو ونيالا، يُعتقد أنها كانت تنقل معدات عسكرية وذخائر، وربما مرتزقة أيضاً.

وعليه تكشف فضيحة “المرتزقة الكولومبيين” عن الوجه الحقيقي لمشاريع أبوظبي العسكرية في المنطقة: نفوذ قائم على المال لا على الشرعية، وعلى القتل بالوكالة لا على الشراكات الإقليمية.

فبينما تروّج الإمارات لصورتها كـ“واحة استقرار وتنمية”، تعمل في الخفاء على تفكيك الدول العربية عبر مقاولين أجانب، يشعلون الحروب ويغذّون الانقسامات.

لقد أصبحت الحرب تجارة مربحة تُدار من غرف مكيفة في أبوظبي، بينما يُترك الدم العربي ليتدفق في شوارع صنعاء ونيالا وعدن.

وهكذا، تذكّرنا “الغارديان” بما يعرفه الجميع منذ زمن: أن الإمارات لا تستثمر في السلام، بل في الفوضى التي تمنحها السيطرة والنفوذ.