موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

مدرج ميون: الإمارات ترسم خريطة سيطرة على باب المندب بالشراكة مع إسرائيل

823

في رمال جزيرة ميون اليمنية، ينبثق مدرّج طائرات طويل بلا ضوضاء إعلامية كأكثر من مجرد مشروع بنية تحتية.

وما يُطرح رسمياً كـ«مشروع مدني» يبدو في الميدان وعلى صور الأقمار الصناعية كخطوة عملية لبناء قاعدة دائمة تطل على أحد أكثر مضائق العالم حساسية: مضيق باب المندب.

هذا المدرّج لا يُقرأ بمفرده؛ إنه قطعة في رقعة أوسع من التحركات الإماراتية التي تهدف إلى خلق نفوذ بحري وجوي يستشرف حركة السفن والطاقة بين الشرق والغرب.

التوسع السريع في البنية التحتية حول المدرّج، وغياب توضيح شفاف من الجهات المعلنة والمسؤولة، ووجود شبكات لوجستية سبق أن ربطت أبوظبي بموانئ وقواعد في القرن الإفريقي، كلها عوامل تضع المشروع تحت مظلة الشبهات.

شريان للاقتصاد العالمي

في منطقة تمر عبرها شحنات نفط ومواد استراتيجية تُمثّل شرايين حيوية للاقتصاد العالمي، فإن أي ظهور لقاعدة أو ممر مراقبة جديدة لا يمكن فصله عن حسابات النفوذ والجغرافيا السياسية.

والتحوّل التدريجي لما يُعلن على أنه مدني إلى بنية ذات إمكانات عسكرية هو نمطٌ تكرر في أماكن عدة، ما يجعل الاعتراض المحلي والإقليمي والدولي أمراً مبرراً.

الهدف الواضح ليس أمن الملاحة بقدر ما هو السيطرة على خيارات المرور البحري والقدرة على التأثير في أسعار التأمين والنقل وفرض معادلات ضغط في الأزمات.

من مدرج واحد في ميون إلى منصات رصد في سواحل القرن الإفريقي، يرسم تحالف من المنشآت “سوار نفوذ” قد يُتيح للدولة المسيطرة مزايا استراتيجية: تتبع السفن، اعتراض الإمدادات، التدخل في أزمات أمنية بحرية، وحتى توسيع مجال النفوذ الدبلوماسي والاقتصادي في دول الجوار.

وأخطر ما في المشهد أنه لا يخص اليمن وحده. تحويل جزيرة يمنية إلى منطلق خارجي يخدم مصالح دولة بعيدة يعني تقويض سيادة بلد منهك بالحرب والشلل السياسي، واستغلال هشاشته لتثبيت وجود دائم.

ويكرس هذا النمط مشكلة أعمق: استبدال الحل السياسي والتنمية المستدامة بتعزيز قواعد نفوذ خارجية قد تؤدي إلى تجزئة جغرافية وسياسية جديدة.

وبدلاً من أن تكون ميون نقطة انطلاق لإعادة بناء يمن موحّد، قد تصبح رقعة نفوذ تُستغل لابتزاز اقتصادي أو للضغط في مفاوضات إقليمية.

البعد الأمني الخطير

يؤكد مراقبون أن أي تواجد عسكري أو شبه عسكري في مضيق بحجم باب المندب سيستدرج ردود فعل من أطراف إقليمية ودولية، ويزيد من مخاطر التصعيد.

فالمطلوب قوة تريد ضمان مرور سفنها قد تواجه تحركات مضادة سواء من الفصائل المحلية أو من دول ترى في هذا التمدد تهديداً لمصالحها البحرية.

وفي بيئة يمنية مخترقة بصراعات متعددة الأطراف، كل متر إسمنتي جديد قد يتحول إلى بؤرة نزاع أو هدف لعمليات مضادة تؤثر في أمن الشحن العالمي.

من الناحية الإنسانية والسيادية، ثمن هذا التمدد باهظ. يُستغل بلد يعاني أزمة إنسانية متفاقمة كمنصة لتصفية الحسابات الجيوسياسية أو لبناء موطئ قدم يمتد على حساب السكان المحليين وحقوقهم. تحويل مشاريع «تنموية» إلى أدوات نفوذ يضرب مبادئ القانون الدولي ويُعمّق الاستغلال الاقتصادي والسياسي للبلدان الضعيفة.

كما يضع المنطقة أمام احتمال تحوّل مضيق باب المندب إلى لاعبٍ استراتيجي يخضع لمقايضات سياسية بدل أن يكون ممراً دولياً محايداً.

والرد المطلوب عاجل وواضح: المجتمع الدولي، دول الجوار، والمنظمات الإقليمية مطالبة برفض أي تحويل لبنى تحتية مدنية إلى قواعد عسكرية دون موافقة سيادية واضحة ومشاركة يمنية حقيقية.

ويجب فرض رقابة دولية على مشاريع هامة في مناطق حساسة، وضمان أن لا تتحول اتفاقيات ثنائية إلى غطاء لفرض واقعٍ مغاير على الأرض.

كما على الأمم المتحدة والجهات المعنية دفع مسارات سياسية تبعيداً للمنطق العسكري عن بنى إعادة الإعمار والتنمية في اليمن.

فميون ليست مجرد مدرج؛ إنها اختبار لموازين القوى في البحر الأحمر. إن ترك تحويل جزيرة يمنية إلى قاعدة نفوذ بلا مساءلة سيمنح من يريدون الهيمنة ورقة قوية لابتزاز المنطقة وإخضاع الممرات البحرية لمنطق النفوذ.

وفي عالمٍ متشابك، لا يمكن لأحد أن يستفيد من أمن الملاحة وقواعدها بينما يُستبعد أصحاب الأرض من قرار مصيرهم. المجتمع الدولي مدعو لأن يضع حداً لاستغلال هشاشة الدول لتحقيق مكاسب استراتيجية، قبل أن يتحول مضيق باب المندب إلى ساحة تجارة نفوذ تُكلف الجميع ثمناً لا طاقة لأحد على دفعه.