موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

الإمارات ومراكز “المناصحة”: غطاء قانوني للاحتجاز التعسفي وقمع المعارضة

630

تعرض قانون مكافحة الإرهاب الإماراتي الصادر عام 2014 لانتقادات دولية واسعة بسبب تعريفه المبهم والفضفاض للإرهاب، الذي فتح الباب أمام تجريم وقمع المعارضة السلمية والنشاط الحقوقي تحت لافتة “مكافحة التطرف”. فبدل أن يكون القانون أداة لحماية المجتمع، تحوّل إلى وسيلة لإسكات الأصوات الناقدة وملاحقة كل من يعبّر عن رأي مخالف.

وينص القانون على أن الأفعال التي “تهدف إلى الإضرار بمصالح الدولة أو سمعتها أو مكانتها” يمكن أن تندرج ضمن “الجرائم الإرهابية”، وهو تعريف فضفاض يفتقر لأي معايير محددة أو قيود قانونية واضحة.

وتذهب المادتان 14 و15 إلى أبعد من ذلك، إذ تجرّمان التصريحات المعارضة للدولة أو قيادتها، وتساويان بين الاحتجاج السلمي والأعمال الإرهابية.

وقد جعل هذا التوسع غير المسبوق في تعريف الإرهاب، من حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات حقوقًا مشروطة بإرادة الأجهزة الأمنية، مما يقوّض الالتزامات الدولية للإمارات في مجال حقوق الإنسان.

ومنذ دخول هذا القانون حيّز التنفيذ، دأبت السلطات الإماراتية على احتجاز المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان بشكل منهجي، تحت ذريعة “مكافحة الإرهاب”.

وقد وفّر هذا الإطار القانوني الغطاء اللازم لممارسة القمع الممنهج ضد النشطاء، لا سيما أولئك الذين شاركوا في الدعوة للإصلاح السياسي أو انتقدوا سياسات الدولة عبر الإنترنت.

مراكز المناصحة سيئة السمعة

إحدى أبرز الأدوات التي أتاحها هذا القانون هي مراكز “المناصحة” المنصوص عليها في المادة 66، والتي أُنشئت رسميًا “لتوعية وإصلاح الأشخاص المدانين بجرائم إرهابية أو الذين يُعتبرون خطرًا إرهابيًا”.

لكن في عام 2019، تم توسيع نطاق هذه المراكز بموجب قانون منفصل ليشمل أي شخص يُعتقد أنه يحمل “فكرًا متطرفًا” أو “منحرفًا”، حتى وإن لم يرتكب أي جريمة فعلية.

وتكمن المشكلة الجوهرية في أن القانون لا يحدد عتبة واضحة أو معايير موضوعية لتحديد من يُعتبر خطرًا محتملاً، مما يمنح السلطات سلطة تقديرية شبه مطلقة لاحتجاز الأفراد استنادًا إلى معتقدات أو آراء مشتبه بها فقط.

ويفتح هذا الغموض القانوني الباب أمام انتهاكات جسيمة للحقوق الأساسية، في ظل غياب الإشراف القضائي الفعّال أو الضمانات القانونية الدنيا.

ورغم أن مراكز المناصحة تُقدَّم رسميًا كمنشآت “إدارية” لإعادة التأهيل، فإن الواقع العملي يثبت أنها امتداد للسجون الأمنية القاسية في البلاد. فبدل أن تكون أماكن لإعادة الإدماج، أصبحت وسيلة للاحتجاز المطوّل بعد انتهاء الأحكام القضائية.

وتقع هذه المراكز غالبًا داخل مجمعات السجون نفسها، وتخضع لإدارة الأجهزة الأمنية ذاتها، في ظل ظروف احتجاز سيئة تشمل العزلة، القيود على التواصل، وسوء المعاملة النفسية.

وما يسمى ببرامج “إعادة التأهيل” في هذه المراكز يقوم على التلقين الإيديولوجي والدعاية السياسية أكثر مما يقوم على المعالجة أو التأهيل، إذ يُجبر المعتقلون على حضور جلسات “تثقيف ديني” ودروس عن “الولاء للوطن والقيادة”، ويُضغط عليهم للتخلي عن آرائهم السياسية والتوقيع على تعهدات بالطاعة.

وحتى اليوم، ترفض سلطات أبو ظبي الكشف عن طبيعة هذه البرامج أو معايير إنهائها أو شروط الإفراج عن المحتجزين.

معتقلي الرأي في الإمارات

يبرز دور هذه المراكز في قضية “الإمارات 94” الشهيرة عام 2013، التي شهدت محاكمة جماعية لـ94 من الأكاديميين والنشطاء بتهم “التآمر لقلب نظام الحكم”، رغم غياب الأدلة.

وحتى مارس/آذار 2023، كان 51 من هؤلاء قد أنهوا محكومياتهم لكنهم ظلوا قيد الاحتجاز، حيث نُقل بعضهم إلى مراكز المناصحة بدعوى أنهم ما زالوا يحملون “أفكارًا إرهابية”.

وتشير تقارير حقوقية إلى أن بعض المحتجزين أمضوا أكثر من ثلاث سنوات إضافية بعد انتهاء محكومياتهم الأصلية داخل هذه المراكز، دون توجيه اتهامات جديدة أو صدور أحكام قضائية بحقهم.

فرغم أن المادة 8 من قانون مركز المناصحة تحدد فترة الاحتجاز وتلزم بتجديدها قضائيًا، إلا أن غياب المحاكمات العادلة والتمثيل القانوني الفعلي يجعل من هذه النصوص حبرًا على ورق.

الأخطر أن قانون مكافحة الإرهاب لا يحدد مدة قصوى للاحتجاز في مراكز المناصحة، مكتفيًا بإلزام المركز بتقديم تقرير دوري للنيابة العامة كل ثلاثة أشهر، وهو إجراء شكلي لا يرقى إلى رقابة قضائية حقيقية. وهكذا، يتحول ما يفترض أنه إجراء “إصلاحي” إلى احتجاز لأجل غير مسمى.

وعليه فإن تجربة الإمارات مع مراكز “المناصحة” تكشف كيف يمكن توظيف الخطاب الأمني في تبرير القمع السياسي. فبينما تروج الحكومة لصورتها كدولة “تسامح وانفتاح”، فإن الواقع الميداني يظهر نظامًا يستخدم قوانين الإرهاب لتجريم الفكر المختلف، ويستغل فكرة “إعادة التأهيل” لتمديد معاناة السجناء السياسيين.

ورغم أن الإمارات صادقت على اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وتحظر رسميًا سوء المعاملة، فإن استمرار هذه المراكز يشكل انتهاكًا صارخًا للمعايير الدولية، ويؤكد أن مكافحة الإرهاب أصبحت ذريعة لتقويض العدالة.

وما لم تخضع هذه الممارسات لإصلاح شامل ورقابة مستقلة، ستظل مراكز المناصحة رمزًا لتآكل سيادة القانون وانتهاك الحريات الأساسية في دولة الإمارات.