موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

الإمارات.. هندسة الفوضى في إفريقيا تحت ستار التنمية

661

تواصل دولة الإمارات رسم خريطة نفوذ جديدة في القارة الإفريقية، مستخدمة أدوات اقتصادية ظاهرها التنمية وباطنها الهيمنة والتدخل في شؤون الدول.

وتأتي تحركات أبو ظبي الأخيرة في تشاد نموذجاً واضحاً لهذا النهج المزدوج، الذي بات يثير قلقاً متزايداً لدى المراقبين الدوليين ومنظمات حقوق الإنسان.

فبينما تزعم أبوظبي أن علاقاتها مع نجامينا تندرج ضمن “التعاون التنموي”، تشير الحقائق الميدانية والتقارير الأممية إلى ما هو أبعد بكثير من الاستثمار: تورط ممنهج في تغذية الصراع السوداني عبر بوابة تشاد.

وفي الوقت الذي يعاني فيه السودان من حرب مدمرة بين الجيش وقوات الدعم السريع، تتصاعد مؤشرات الدعم الخارجي لهذه الأخيرة.

فوفق تقرير سري للأمم المتحدة، جرى توثيق “نمط ثابت من رحلات الشحن” لطائرات من طراز إليوشن إيل-76 تنطلق من مطارات إماراتية نحو مطار أمجراس التشادي، لتختفي من الرادار في مراحل محددة قبل أن تظهر مجدداً في مسارها نحو مناطق قريبة من الحدود السودانية.

وتوحي هذه التفاصيل، التي يصعب تفسيرها ضمن منطق التجارة أو التنمية، بوجود جسر جوي مريب تُستخدم فيه تشاد كمحطة لوجستية لنقل السلاح إلى قوات الدعم السريع، رغم نفي الإمارات المتكرر لذلك.

ويظهر ذلك أن اختيار تشاد ليس عشوائياً، فهي دولة تقع في قلب الساحل الإفريقي، وتملك موقعاً استراتيجياً يسمح بالتحرك في محيط مضطرب يضم السودان وليبيا والنيجر وإفريقيا الوسطى.

وبالنسبة لأبوظبي، تمثل تشاد بوابة مثالية لتوسيع نفوذها العسكري والاستخباراتي في القارة، مستفيدة من هشاشة أنظمتها السياسية وضعف مؤسساتها الأمنية.

وقد سبق للإمارات أن استخدمت أسلوباً مشابهاً في ليبيا واليمن، حيث دعمت أطرافاً مسلحة تحت غطاء “محاربة الإرهاب”، بينما كانت في الواقع تعيد تشكيل التوازنات السياسية بما يخدم مصالحها وأجندات حلفائها.

خصخصة النفوذ

ما تقوم به أبوظبي اليوم في إفريقيا ليس سوى امتداد لسياسة قائمة على خصخصة النفوذ. فهي توظف المال والاستثمار والمساعدات الإنسانية لتثبيت أقدامها في مناطق النزاع، ثم تحول تلك المواقع إلى أدوات ضغط إقليمي.

وفي حالة تشاد، لا يمكن فصل هذا التحرك عن المشهد السوداني، حيث تسعى الإمارات إلى ترجيح كفة قوات الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو (حميدتي)، بوصفه رجلها المفضل في السودان، القادر على تأمين مصالحها في مناجم الذهب وممرات التجارة غير المشروعة الممتدة حتى البحر الأحمر.

لكن الأخطر أن هذه السياسة الإماراتية تزرع بذور الفوضى في واحدة من أكثر المناطق هشاشة في العالم. فبدلاً من المساهمة في استقرار القارة، تدفع أبوظبي نحو عسكرة التحالفات، وتفكيك الدول من الداخل عبر دعم الميليشيات أو تغذية الصراعات الأهلية.

وقد أثبتت التجارب أن النفوذ الإماراتي في أي بلد مضطرب لا يأتي معه الاستقرار، بل يزيد من عمق الأزمة. يكفي النظر إلى ليبيا واليمن لتأكيد هذه القاعدة: المال الإماراتي لم يُعمّر دولة، بل غذّى الانقسام، وأطلق أذرعاً عسكرية تعمل لخدمة أجندة أبوظبي الأمنية والاقتصادية.

وتتذرع الإمارات بشعارات براقة مثل “التنمية” و“مكافحة التطرف”، لكنها في الواقع تستخدمها كغطاء دبلوماسي لتبرير تدخلاتها.

إذ حين تتحدث عن مشاريع في مجالات الطاقة أو التعليم في تشاد، فإن تلك المشاريع نفسها تمنحها موطئ قدم في البنية التحتية والاتصالات والمطارات، ما يتيح لها مراقبة الحركة الجوية والبرية وفتح قنوات استخباراتية. وبذلك يتحول “الاستثمار” إلى واجهة تخفي عمليات نفوذ سياسي وعسكري متنامٍ.

ويبدو أن أبوظبي، التي فشلت في فرض نموذجها في المشرق العربي، تسعى اليوم لنقله إلى إفريقيا. هناك، حيث الضعف المؤسسي والفقر، تجد بيئة خصبة لشراء الولاءات وبناء تحالفات مع نخب عسكرية وسياسية تبحث عن الدعم المالي.

وقد رصد مراقبون أن الوفود الإماراتية الزائرة لتشاد تحمل معها عروضاً ضخمة في مجالات الزراعة والطاقة والطرق، لكنها في الوقت ذاته تبرم اتفاقات أمنية غامضة لا يُكشف عن تفاصيلها للرأي العام.

شهية مفتوحة للتوسع

إنّ خطورة هذا التوجه الإماراتي لا تقتصر على السودان وتشاد، بل تمتد إلى مجمل منطقة الساحل والصحراء، التي أصبحت ساحة صراع دولي بين روسيا وفرنسا وتركيا، لتضيف الإمارات نفسها لاعباً جديداً يسعى إلى حجز مقعد في معادلة النفوذ.

ومع غياب أي رقابة دولية حقيقية، تزداد شهية أبوظبي للتوسع، مستخدمة ثروتها النفطية لتشكيل محاور تابعة لها في إفريقيا كما فعلت في العالم العربي.

وتحت كل هذه المعطيات، يبدو واضحاً أن الإمارات لا تكتفي بلعب دور “الممول”، بل تسعى لتكون مهندس الفوضى الصامت في إفريقيا.

وإذا استمرت أبوظبي في هذا النهج، فإن نتائج تدخلها لن تقتصر على السودان وتشاد، بل قد تمتد إلى إشعال سلسلة من النزاعات الإقليمية الجديدة، تطيح بما تبقى من استقرار في القارة.

ويؤكد مراقبون أنّ المجتمع الدولي مطالب اليوم بفتح تحقيق شفاف حول تقارير الأمم المتحدة المتعلقة بشحنات الأسلحة الإماراتية، ومساءلة أبوظبي عن دورها في تمويل وتسليح جماعات متورطة في جرائم حرب.

أما صمت العواصم الغربية، التي ترى في الإمارات شريكاً اقتصادياً مغرياً، فهو تواطؤ غير مباشر في استمرار مأساة الشعوب الإفريقية التي تدفع ثمن الطموحات الجيوسياسية لدولة لا تتورع عن إشعال الحروب ما دام ذلك يخدم نفوذها ومصالحها الخاصة.

بهذا المعنى، يمكن القول إنّ الإمارات، وهي تتحدث عن “الاستقرار”، إنما تمارس نقيضه تماماً: هندسة ممنهجة للفوضى، وتوسّع في الظل على حساب دماء الشعوب.