موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

غضب شعبي واتساع حملة المقاطعة: الإمارات دولة منبوذة إقليميا ودوليا

549

تواجه دولة الإمارات موجة غير مسبوقة من الغضب الشعبي والحملات الرقمية الداعية إلى تصعيد المقاطعة إقليميا ودوليا لأبوظبي ردا على دعمها لميليشيات قوات الدعم السريع في الحرب الأهلية السودانية.

ودفع تدفق التقارير الأممية والدولية، والأصوات السودانية على الأرض، بالرواية المناهضة لأبوظبي إلى واجهة النقاش العالمي، محدثًا شرخًا كبيرًا في الصورة التي حاولت الدولة بناءها على مدار عقدين كـ”مركز للتسامح والازدهار والانفتاح”.

وعلى مدى الأسابيع الأخيرة، تحولت المنصات الرقمية إلى ساحة لمساءلة الدور الإماراتي في السودان. فقد تزامن سقوط مدينة الفاشر بيد قوات الدعم السريع مع تدفق شهادات وتقارير عن فظائع واسعة النطاق شملت القتل الجماعي والاغتصاب والانتهاكات الممنهجة.

ومع كل تقرير جديد، كان اسم الإمارات يظهر بوصفه طرفًا يُتهم بـ”تمويل الإبادة الجماعية” أو “تسليح الميليشيات”.

ووجدت هذه الاتهامات أرضًا خصبة على وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصًا مع مشاركة مؤثرين عالميين أمثال الناشطة البيئية غريتا تونبرغ، ومغني الراب ماكلِمور، اللذين دفعا بحملة “حبيبي قاطع دبي” إلى فضاء جماهيري ضخم، مستهدفين جوهرة الإمارات الاقتصادية والسياحية مباشرة.

وباتت الجملة — التي تحاكي بأسلوب ساخر عبارة “حبيبي تعال دبي” — رمزًا للتنديد العالمي بسياسات أبوظبي، ومؤشرًا على حجم الضرر الذي طال العلامة التجارية للإمارات، وخاصة دبي.

دبي في قلب العاصفة

لطالما نجحت دبي في تسويق نفسها كمدينة الأحلام، ومركز عالمي للأعمال والترفيه والنجاح الفردي. غير أن الحملة الجديدة ضربت هذا النموذج مباشرة، وباتت المدينة التي اعتادت على مدح المؤثرين تواجه موجة هجومية غير مسبوقة.

فتصريحات الباحث كريستيان أولريخسن حول “إمكانية تضرر العلامة الإماراتية” تعكس تحوّلًا عميقًا: السودان، الذي كان بالنسبة لكثيرين شأنًا إقليميًا معتمًا، أصبح قضية عالمية تتفاعل معها جماهير واسعة، وتجر معها أسئلة محرجة حول تورط أبوظبي في صراعات دامية.

ولعب النشطاء على منصة “إكس” دورًا محوريًا في نشر الرواية السودانية وتوثيق الفظائع. أحدهم اتهم الإمارات بأنها “الممول الرئيسي للإبادة”، وآخر حمّلها مسؤولية “إطالة المأساة السودانية تحت غطاء المساعدات الإنسانية”. ومع انتشار هذه الاتهامات، بدا واضحًا أن الصورة العامة للإمارات تتعرض لتشويه واسع لا يمكن احتواؤه بسهولة.

وزارة الخارجية الإماراتية ردّت بتكرار نفي الاتهامات، معتبرة أنها نتاج “دعاية متعمدة” من الحكومة السودانية الموالية للجيش. كما أدانت أبوظبي الطرفين في الصراع، في محاولة للظهور كجهة محايدة. إلا أن هذه اللهجة أظهرت محدودية تأثيرها في مواجهة موجة رقمية عاتية.

اللافت أن السلطات سارعت — بحسب مراقبين — إلى تعبئة الموالين لها على منصات التواصل، بل ووُظفت خطب المساجد لحثّ الناس على “تجاهل الشائعات”. هذا يعكس حالة ارتباك داخل الإمارات ومحاولة احتواء هجوم غير مألوف على المستوى الشعبي الدولي، بعدما كانت ضغوطها في العادة مرتبطة بحكومات ومنظمات.

حتى شخصيات قريبة من الدولة، مثل الأكاديمي عبد الخالق عبد الله، أقرت بأن مواكبة الحملة ستكون “صعبة”، وأن التجاهل قد يكون الخيار الأقل ضررًا.

تداعيات سياسية واقتصادية: أين تقف الأمور؟

حتى الآن، يعتقد المحللون أن الضرر الأكبر يتركز في نطاق السمعة وليس في القرارات السياسية. غير أن تصاعد الحملة والرصد الدولي قد يجعل الوضع أكثر تعقيدًا مستقبلًا.

فوزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو أشار بصراحة إلى وجود “دولة يجب أن تتوقف عن إرسال الأسلحة إلى قوات الدعم السريع”، في تلميح واضح نحو الإمارات، وإن امتنع عن تسميتها. هذه الإشارات المتزايدة — ولو دون عقوبات مباشرة — تضع الإمارات تحت مجهر أكثر حدة.

من جانبه، يرى الباحث عماد الدين بادي أن الإمارات تواجه الآن “ارتدادًا سلبيًا على مستوى السمعة” وهو أمر تميل إلى تجنبه، خاصة أنها استثمرت بكثافة في قوتها الناعمة، من السياحة إلى الرياضة مرورًا بالإعلام الدولي.

وتشير القراءات الاستشرافية إلى أن الإمارات قد تلجأ إلى “تعديل هادئ” لسياستها إذا اشتدت الضغوط، وفق أولريخسن؛ أي أنها لن تقرّ بخطأ سياسي، لكنها قد تغيّر السلوك عبر رسائل غير مباشرة، مثل تخفيف دعم طرف على حساب آخر، أو تعزيز الخطاب الإنساني والدبلوماسي.

وفي ضوء ما يحدث، تتشكل ملامح أزمة دولية جديدة للإمارات. فالحملات الشعبية اليوم — على غرار حملة “قاطع دبي” — أصبحت أكثر تأثيرًا من الماضي، ونجحت في النيل من سمعة دول كبرى. ومع دخول مؤثرين عالميين وناشطين بيئيين ومشاهير موسيقيين على الخط، لم يعد بالإمكان احتواء السردية المعارضة بسهولة.

وتراكم هذه الهجمات قد يدفع مستثمرين أو وفودًا سياحية إلى إعادة النظر في السفر أو التعامل مع دبي. وقد تتردد شركات عالمية في التوسع داخل الإمارات خشية الارتباط الأخلاقي بنظام متهم بدعم صراع دموي.

وبينما تصر الإمارات على أنها ليست طرفًا في الحرب، فإن الرواية الشعبية الدولية تتجه عكس ذلك، وتتعزز يومًا بعد يوم مع كل تقرير أو شهادة جديدة من السودان.

وإذا استمرت هذه الحملة بالزخم ذاته، فإن الإمارات قد تجد نفسها أمام مسار خطير: من قوة إقليمية ذات تأثير دولي واسع، إلى دولة تُنظر إليها باعتبارها راعية للفوضى والصراعات — وبالتالي دولة منبوذة أخلاقيًا على الساحة العالمية.