موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

الإمارات… دستور معلّق وقوانين تُجرّم المواطن بدل حماية حقوقه

472

يكشف الواقع الحقوقي في الإمارات أن الحديث الرسمي عن “حرية التعبير” لا يتجاوز حدود الخطاب الدعائي في ظل دستور معلّق وقوانين تُجرّم المواطن بدل حماية حقوقه.

فالمادة 30 من الدستور الإماراتي، التي تنص على أن حرية الرأي “مكفولة في حدود القانون”، تحوّلت فعليًا إلى أداة لحجب الحرية نفسها، بعدما فُتحت أبواب القانون لتضم قيودًا واسعة تُفرغ هذا الحق من مضمونه بالكامل.

والنتيجة واضحة في واقع الدولة حيث أي انتقاد موجّه إلى الدولة أو رموزها يُواجَه بالاعتقال أو الملاحقة القضائية.

فمنذ صدور الدستور عام 1971، كان من المفترض أن تكون النصوص الدستورية مرجعًا لضمان الحقوق الأساسية. لكنّ القوانين اللاحقة، وخاصة قانون العقوبات، نسفت هذه الضمانات بشكل نظامي.

المادتان 183 و184 مثال مباشر على هذه المنهجية؛ فهما تجرّمان “السخرية أو الإهانة” الموجّهة إلى رئيس الدولة أو الدولة أو أحد مؤسساتها، وتنصّان على عقوبات تبدأ من 15 سنة وتصل إلى 25 سنة سجنًا.

وبحسب المادة 9، تمتد هذه الحماية لتشمل نائب الرئيس وأعضاء المجلس الأعلى وأولياء العهود، ما يجعل النقد السياسي محظورًا بالكامل تقريبًا.

وتصيغ الإمارات قوانينها بطريقة تجعل أي تعليق، أو رأي، أو حتى نقاش فكري، قابلًا للتجريم. فالتعابير الفضفاضة مثل “الإضرار بالهيبة” أو “إهانة المكانة” تمنح السلطات مساحة غير محدودة لمعاقبة المواطنين وفقًا لتفسير أمني واسع، لا يراعي المعايير الدولية للحقوق المدنية.

الفضاء الرقمي… مجال إضافي للقمع

مع نمو وسائل التواصل الاجتماعي، لم تتجه الإمارات نحو فتح مساحة أوسع للنقاش العام، بل أغلقتها أكثر. فجاء المرسوم بقانون 34 لسنة 2021 ليضيف طبقة جديدة من القيود، خصوصًا عبر المادة 43 التي تُجرّم الإهانات عبر الإنترنت وتفرض عقوبات أشد إذا كانت موجّهة إلى مسؤول حكومي.

بهذا، تسد الدولة آخر منفذ للتعبير، وتحوّل المنصات الرقمية إلى منطقة مراقبة تتعامل فيها الأجهزة الأمنية مع كل منشور باعتباره فرصة جديدة للاتهام.

ولا تحتاج القوانين الإماراتية إلى قراءة تأويلية لإثبات خطورتها؛ فالتجارب السابقة تُظهر بوضوح كيف تستخدمها السلطات لمعاقبة كل من يبدي رأيًا مختلفًا.

في عام 2011، اعتقلت الإمارات “النشطاء الخمسة” الذين واجهوا تهمًا تتعلق بإهانة مسؤولين كبار بسبب تعليقاتهم السياسية. كان اعتقالهم رسالة واضحة بأن الدولة لا تتسامح مع النقد مهما كان سلميًا.

أحد أبرز المعتقلين، أحمد منصور، أُطلق سراحه بعفو شكلي في نهاية العام، ثم اعتُقل مجددًا عام 2017 وحُكم عليه بالسجن 15 عامًا لنشره معلومات قالت الدولة إنها “كاذبة وضارة”.

قضية منصور تعكس جوهر السياسة الإماراتية: المواطن الملتزم بالقانون في خطر، والمواطن الصامت فقط هو الآمن.

وفي عام 2012، جاءت محاكمة “الإمارات 94” التي شملت 94 ناشطًا وأكاديميًا، لتؤكد أن المنظومة القمعية ليست استثناءً بل قاعدة ثابتة. المحاكمة بُنيت على اتهامات سياسية واضحة، وافتقرت إلى المعايير الدنيا للمحاكمة العادلة.

ورغم انتهاء محكوميات كثير من أعضاء المجموعة، أعادت السلطات توجيه اتهامات جديدة لهم بزعم الانتماء إلى منظمات إرهابية، ما أدى إلى احتجازهم مجددًا. هذا السلوك يوضح الإستراتيجية المتبعة: حتى من ينهي عقوبته لا يخرج من دائرة الاستهداف.

دستور يُستخدم كواجهة سياسية

لا تعمل البنية الدستورية الإماراتية بوصفها آلية لضمان الحقوق، بل أشبه بغطاء قانوني يخدم السلطة التنفيذية. فالدستور يتحدث عن الحريات، لكن القوانين اللاحقة تُفرغها من معناها.

ويخلق هذا التناقض البنيوي وضعًا تصبح فيه حرية التعبير حقًا نظريًا فقط، بينما الواقع يخضع لمعادلة أمنية صارمة تعتبر أي نقد شكلاً من “التهديد”.

وترفض الإمارات حتى يومنا هذا التوقيع على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، رغم أنه يُعد الإطار الأهم لضمان الحق في التعبير والتجمع والمحاكمة العادلة.

سياسة منهجية لإسكات المعارضة

القمع في الإمارات ليس ناتجًا عن أحداث مفاجئة أو ردود فعل معزولة، بل هو نهج ممنهج.

كل حالة من حالات الاعتقال — من النشطاء الخمسة، إلى أحمد منصور، إلى محاكمة الإمارات 94 — تأتي ضمن مسار واحد: تجريم المعارضة السلمية وإبقاء المجال السياسي مغلقًا تمامًا.

وهذا النهج يُنتج بيئة سياسية قائمة على الردع والخوف، لا على مشاركة المواطنين أو مساءلة السلطة.

وتقدم الإمارات نفسها كدولة استقرار، لكنها تبني هذا “الاستقرار” على غياب المشاركة السياسية وعلى سياسات قمعية صارمة.

فبدلًا من حماية الحقوق، تستخدم الدولة القانون لتقييدها، وبدلًا من تعزيز المشاركة، تحاصر المواطنين بحواجز جنائية، وبدلًا من تطوير المؤسسات، توسّع من سلطة الأجهزة الأمنية.

النتيجة، أن الدستور يصبح وثيقة شكلية لا دور لها سوى إضفاء الشرعية على واقع سياسي ضيق لا يسمح بالنقد أو الاختلاف.