موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

فساد آل نهيان: هيمنة كاملة على اقتصاد الإمارات في غياب المنافسة والشفافية

402

تبرز الشركة العالمية القابضة (IHC) بوصفها النموذج الأوضح لتحول بنية الاقتصاد في الإمارات سواء من حيث الحجم والتنوع، أو طبيعة العلاقة بين السلطة السياسية ورأس المال في غياب المنافسة والشفافية ودور الدولة.

فمن كيان محدود النشاط قبل أقل من عقد، تحولت الشركة إلى تكتل اقتصادي ضخم يمد نفوذه عبر معظم القطاعات الحيوية، في مسار يثير الإعجاب لدى بعض المستثمرين، ويبعث على القلق لدى خبراء الاقتصاد السياسي وحوكمة الأسواق.

ولم يعد حضور IHC مقتصراً على قطاعات تقليدية مثل العقارات أو الزراعة، بل امتد ليشمل الكهرباء، والرعاية الصحية، والذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا المتقدمة، إضافة إلى مجالات تبدو هامشية للوهلة الأولى مثل الإعلانات، ومدارس تعليم القيادة، ومزارع الدواجن، والفنادق.

وقد جعل هذا الانتشار الكثيف الشركة لاعباً حاضراً في تفاصيل الحياة الاقتصادية اليومية في أبوظبي، وأضفى عليها طابع “الاقتصاد الشامل” الذي يصعب تجاوزه أو منافسته.

وفق تصريحات رئيسها التنفيذي، تضم المجموعة اليوم نحو 1500 شركة تابعة، وهو رقم غير مسبوق في سوق صغيرة نسبياً مثل سوق أبوظبي. وتعكس هذه الأرقام استراتيجية توسعية واضحة تقوم على الاستحواذ المتسلسل والدمج الرأسي والأفقي، بما يسمح بتجميع سلاسل القيمة داخل كيان واحد، وتقليص المساحات المتاحة أمام المنافسين.

وقد عبّر المدير التنفيذي صراحة عن هذه المقاربة حين تحدث عن السعي إلى “الدمج قطاعاً بعد قطاع”، في صيغة تلخص فلسفة النمو المعتمدة.

وتزامن هذا التوسع مع قفزة هائلة في حجم الأصول، التي تجاوزت 125 مليار دولار، مع طموحات لمضاعفة الرقم تقريباً خلال خمس سنوات، في ظل رئاسة طحنون بن زايد آل نهيان، نائب حاكم أبوظبي.

ولا تعكس هذه الأرقام فقط نجاحاً مالياً، بل تشير إلى تحول نوعي في مراكز الثقل الاقتصادي، حيث باتت IHC أشبه بذراع اقتصادية عابرة للقطاعات، ترتبط عضوياً بمفاصل القرار السياسي والأمني والمالي في الإمارة.

غير أن هذا الصعود السريع لم يمر من دون إثارة أسئلة جوهرية حول طبيعة المنافسة والشفافية.

فخبراء في الاقتصاد السياسي الخليجي يرون أن تجربة IHC تمثل مثالاً صارخاً على تداخل أصول الدولة مع أصول مرتبطة بالعائلة الحاكمة، في نموذج يحدّ من وضوح الحدود بين العام والخاص.

ويذهب بعض الأكاديميين إلى وصف هذا الواقع بكونه تركيزاً غير مسبوق للقوة الاقتصادية في يد كيان واحد، بما يحمله ذلك من مخاطر على توازن السوق واستقلالية القطاع الخاص.

ويصف الباحث شتيفن هيرتوغ المشهد في أبوظبي بأنه يجمع بين “حداثة مفرطة” من حيث الأدوات والخطاب الاقتصادي، و”نظام أبوي كامل” من حيث السيطرة العائلية على مفاصل رئيسية من الاقتصاد.

ويسلط هذا التوصيف الضوء على مفارقة أساسية: انفتاح على الاستثمارات والتكنولوجيا من جهة، مقابل انكماش في مساحة التنافس الحر من جهة أخرى.

من جانبها، تحذر الباحثة كارين يونغ من أن اتساع نفوذ IHC قد يؤدي إلى ظاهرة “التزاحم”، حيث تجد الشركات الخاصة نفسها في مواجهة كيان عملاق يمتلك شبكات تمويل وعلاقات ونفوذاً تنظيمياً يصعب مجاراته.

وفي ظل امتلاك الشركة لعدد كبير من الكيانات المحلية في قطاعات حيوية، تتراجع فرص نمو قطاع خاص مستقل وقادر على الابتكار خارج عباءة الدولة.

وتبرز هذه الإشكالية بشكل أوضح عند مقارنة أبوظبي بتجارب خليجية أخرى، مثل دبي، التي تعتمد نموذجاً أكثر انفتاحاً على القطاع الخاص، رغم استمرار حضور الدولة.

ففي حين ترفع أبوظبي شعار تنويع الاقتصاد وتقليص الاعتماد على النفط، يرى مصرفيون وأكاديميون أن الهيمنة الفعلية للكيانات المرتبطة بالحكم لا تزال السمة الغالبة لمسار النمو.

في المقابل، تؤكد الشركة العالمية القابضة أنها لا تحظى بمعاملة تفضيلية، وأن جزءاً متزايداً من إيراداتها يأتي من خارج الإمارات، في محاولة لتقديم نفسها كتكتل عالمي لا محلي فحسب.

غير أن هذا الخطاب لا يبدد بالكامل المخاوف المتعلقة بقدرة الشركات المحلية والدولية على المنافسة العادلة في سوق تزداد فيه قوة التكتلات المرتبطة بالسيادة السياسية والمالية.

في المحصلة، لا يقتصر الجدل حول IHC على شركة بعينها، بل يعكس سؤالاً أعمق حول طبيعة النموذج الاقتصادي في الإمارات: هل هو مسار تنويع حقيقي يفتح المجال أمام المنافسة والشفافية، أم إعادة إنتاج للهيمنة العائلية في ثوب اقتصادي حديث؟ الإجابة عن هذا السؤال ستحدد ليس فقط مستقبل السوق في أبوظبي، بل أيضاً حدود الثقة الدولية في بيئة استثمارية تتأرجح بين الطموح العالمي والقبضة المحلية.