موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

الإمارات في مفترق طرق: من تنظيم القمار إلى شرعنة الموبقات

568

أقرّت دولة الإمارات مؤخرًا التشريع الرسمي الرامي إلى عملية تنظيم القمار لتضع بذلك حجر الأساس لمرحلة جديدة في تاريخها، بحيث يتحوّل ما كان يُمارس في الخفاء إلى قانون رسمي.

ويفتح هذا القرار الباب لتساؤلات عدة حول القيم والمبادئ التي تروج لها الإمارات داخليًا وعلى الساحة الدولية. فما كان يعتبر استثناءً صار اليوم هو الأصل، لتتسابق الإمارات نحو تعزيز “صورة الحداثة” بينما تتنازل عن قيمها التي كانت تحتفظ بها لسنوات طويلة.

وتاريخيًا، كانت الإمارات تقدم نفسها كمثال على دولة محافظة تحترم التقاليد العربية والإسلامية. ومع ذلك، فإن السياسات التي اعتمدتها الدولة في السنوات الأخيرة تتعارض بشكل واضح مع تلك الصورة.

ففيما كان يُنظر إلى الممارسات مثل المساكنة والعلاقات خارج إطار الزواج على أنها تخرج عن المألوف وتعتبر مسألة استثنائية، قامت الإمارات بتشريعها على مراحل، لتُعلن في النهاية عن فتح الأبواب أمام ما كان يعتبره المجتمع العربي ممارسات دخيلة، ما يعكس تحولًا جذريًا في التوجهات الاجتماعية والسياسية.

وقد كان القمار، من بين هذه الممارسات، محصورًا في إمارة دبي، التي لطالما اعتُبرت “سدوم” الحديثة، حيث تُشرّع كل الموبقات وتُسوّقها على أنها جزء من “السياحة الراقية”.

واليوم، مع تشريع القمار رسميًا في كافة أنحاء الدولة، أصبح هذا الأمر جزءًا من هيكلية القوانين الإماراتية، ليُعزز بذلك صورة الإمارات كدولة تنفتح على الأنماط الغربية والليبرالية، ولكن دون أن تعير اهتمامًا للمخاطر الاجتماعية والأخلاقية التي قد ترافق هذه الممارسات.

تقنين القمار: هل هو “تنظيم” أم شرعنة للموبقات؟

الحديث عن “تنظيم” القمار يبدو وكأنه محاولة لتقديم القمار كممارسة خاضعة للرقابة، تُوجه أساسًا للأجانب، وهو ما يعتبره القائمون على هذا التشريع محاولة لتلطيف الصورة القانونية لهذه الممارسات.

لكن، لا يمكن لأي منطق عقلاني أن يغفل عن الرسالة الواضحة التي يحملها هذا القرار: ما كان يُمارس في الظل من قبل، أصبح اليوم جزءًا من النسيج القانوني للدولة.

قد يكون المقصود بهذا “التنظيم” هو تحجيم الممارسات غير القانونية، لكن تظل الحقيقة البسيطة أن القمار ليس مجرد نشاط ترفيهي يُنظم قانونًا بل هو آلية تستنزف الأموال وتستغل الضعفاء في المجتمع.

وبالتالي، يصبح من الصعب تصديق أن هذه الخطوة هي لمصلحة “الرقابة” أو “التنظيم”، بل هي خطوة تهدف إلى جني المزيد من الأموال، دون النظر إلى الآثار الاجتماعية والاقتصادية لهذه الممارسات.

الشارقة: الإمارة التي ترفض الانصياع للتيار

بينما تسير الإمارات في مسار غير تقليدي، تبقى الشارقة بمثابة الاستثناء الوحيد الذي يقاوم هذا التيار.

فالشارقة، التي لطالما كانت رمزًا للتمسك بالقيم الدينية والاجتماعية، ترفض أن تنحني كليًا لتوجهات محمد بن زايد “شيطان العرب”، كما يسميه البعض في ظل العداء المتزايد للهوية الثقافية والتاريخية في بعض الإمارات.

قد يُنظر إلى الشارقة اليوم على أنها الإمارة التي ترفض هذه “الحداثة” الزائفة، التي يتم تسويقها على أنها مفتاح التنمية.

وربما يكون موقف الشارقة تذكيرًا بأن هناك جزءًا من الإمارات لا يزال يحاول الحفاظ على عراقة تقاليده وهويته، رغم الضغوط التي تمارسها الإمارات الأخرى لتسويق نفسها كدولة منفتحة، متسامحة، وفي نهاية المطاف، ربحية.

وقد يسأل البعض: هل يرضى الشعب الإماراتي عن هذه التغيرات في مجتمعه؟ الواقع يشير إلى أن هناك حالة من الاستقطاب الداخلي بين قطاعات الشعب الإماراتي، فبينما يرحب البعض بتوجهات الانفتاح، فإن آخرين يعتبرون أن هذه الخطوات هي إهانة لتراثهم وهويتهم الدينية.

وقد تكون بعض هذه القرارات في صالح رفاهية الأجانب الذين يساهمون في اقتصاد الدولة، لكنها تفتح بابًا لتغيير ملامح المجتمع الإماراتي على المدى الطويل.

من جهة أخرى، يعتقد كثيرون أن الإمارات اليوم قد تخطّت الحدود الأخلاقية باسم الحداثة والتقدم، متناسية القيم التي كانت تميزها عن باقي دول الخليج.

ومع تزايد الانفتاح على الغرب في مجالات عدة، يصبح من غير الواضح إلى أي مدى سيظل الشعب الإماراتي متماسكًا أمام هذه التغيرات الجذرية.