موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

الإمارات تُعلن إنهاء وجودها العسكري في اليمن: تصدّع مشروع النفوذ وانكشاف حدود القوة

0 88

أعلنت دولة الإمارات إنهاء وجودها العسكري في اليمن، في خطوة جاءت بعد قصف سعودي استهدف مواقع مرتبطة بالقوى الانفصالية الجنوبية المدعومة من أبو ظبي.

وعكس الإعلان، الذي حاولت القيادة الإماراتية تسويقه بوصفه “انسحابًا طوعيًا” و”قرارًا سياديًا”، في جوهره تراجعًا قسريًا تحت الضغط العسكري والسياسي، وكشف حجم الخسارة التي مُني بها أحد أهم مشاريع النفوذ الخارجي للإمارات منذ تأسيسها.

ويبرز المراقبون أن اليمن لم يكن ساحة هامشية في حسابات أبو ظبي. إذ على مدى نحو عشر سنوات، مثّل اليمن الاستثمار الخارجي الأثقل والأكثر كلفة في تاريخ الإمارات السياسي والعسكري.

مئات المليارات صُرفت لتشكيل ميليشيات محلية موالية، وبناء أجهزة أمنية موازية للدولة اليمنية، والسيطرة على موانئ وجزر استراتيجية في عدن وسقطرى وشبوة وأبين والمكلا.

كما جرى استقدام مرتزقة أجانب، بينهم عناصر من كولومبيا، وآلاف المقاتلين المرتبطين بقوات الدعم السريع السودانية، ضمن شبكة عمليات عابرة للحدود هدفت إلى ترسيخ نفوذ دائم في جنوب اليمن.

خلال ساعات قليلة، انهارت هذه البنية أمام واقع جديد. القصف السعودي لم يكن حدثًا معزولًا، بل إشارة سياسية وعسكرية واضحة إلى نهاية مرحلة التعايش القسري مع المشروع الإماراتي في الجنوب.

السعودية، التي قادت التحالف في اليمن منذ 2015، بدت وقد حصلت على ضوء أخضر أميركي لإعادة ترتيب المشهد، بما في ذلك تحجيم أو تصفية الوجود الإماراتي الذي تحول من شريك إلى عبء ومنافس مباشر على النفوذ.

وبحسب المراقبين فإن الرهان الإماراتي الأساسي كان على واشنطن. أبو ظبي افترضت أن بناء علاقات وثيقة مع دوائر القرار الأميركي، والانفتاح العلني على إسرائيل، وضخ أموال طائلة في صفقات السلاح والضغط السياسي، سيمنحها موقعًا متقدمًا على حساب الرياض. لكن الحسابات أخطأت.

ويميل التاريخ الأميركي في الخليج بوضوح إلى السعودية بوصفها “القوة الشرطية” الأكثر موثوقية منذ ستينيات القرن الماضي، بحكم الوزن الجغرافي والديمغرافي والديني. الأموال التي دفعتها الإمارات، بما في ذلك تعهدات قُدّرت بنحو 1.2 تريليون دولار خلال عهد دونالد ترامب، لم تغيّر هذه المعادلة، وذهبت دون تحقيق الهدف الاستراتيجي.

وقد بدأت الخسارة الإماراتية في واشنطن قبل أن تظهر ميدانيًا في اليمن. ومع تراجع الغطاء السياسي، بات الوجود العسكري مكشوفًا. صحيح أن عدد القوات الإماراتية المباشرة في اليمن لم يكن كبيرًا في الأشهر الأخيرة، ولا يتجاوز بضع مئات موزعين بين سقطرى وعدن وأبين وشبوة، لكن النفوذ الحقيقي كان قائمًا على شبكات محلية مسلحة ومدعومة ماليًا ولوجستيًا.

وسحب هذه القوات بات أمرًا محسومًا، لكن السؤال يتعلق بما إذا كانت أبو ظبي ستتخلى كليًا عن أدواتها أم ستلجأ إلى إدارة الصراع من الخلف.

كما أن التجربة السودانية تقدّم نموذجًا واضحًا. الإمارات طورت، خلال السنوات الماضية، مسارات تهريب وتسليح غير مباشرة لقوات الدعم السريع عبر أوغندا وتشاد والنيجر وبنغازي، دون تورط عسكري مباشر.

هذا النمط قد يتكرر في اليمن، عبر دعم غير معلن للمجلس الانتقالي الجنوبي، واستغلال الشواطئ وخطوط التهريب البحرية. غير أن الفارق هذه المرة يتمثل في وعي الرياض بهذه الأدوات، واستعدادها للتعامل معها عسكريًا، وهو ما تجلى في التحذيرات الصريحة من أن أي دعم عسكري سيُقابل بالقصف.

جغرافيًا، تواجه الإمارات حصارًا فعليًا. بخلاف أزمات سابقة في الإقليم، لا تملك أبو ظبي شبكة دعم إقليمي قادرة على تأمين خطوط الإمداد. قطر، التي حوصرت سابقًا، تلقت دعمًا من تركيا وإيران والكويت وعُمان.

الإمارات، في المقابل، لا تحظى بتعاطف مماثل. دول الخليج الأخرى لا ترى مصلحة في إنقاذ مشروع توسعي قائم على تفكيك الدول، وتركيا لا تنظر إلى أبو ظبي كشريك، فيما تحتفظ عُمان بمسافة محسوبة، وتدرك الكويت مخاطر هذا النموذج على استقرار المنطقة.

والرهان الإماراتي على السيطرة على جنوب البحر الأحمر ومضيق باب المندب، بالتوازي مع شراكات أمنية مع إسرائيل، بات مكشوفًا. هذا المشروع، الذي استند إلى قواعد عسكرية غير معلنة في الصومال وإريتريا وبونتلاند، يواجه الآن مقاومة إقليمية متزايدة. التحذيرات السعودية الأخيرة بشأن هذه القواعد تعني أن هامش المناورة يضيق، وأن الظهير العربي لم يعد متاحًا.

وما يجري يمثل اختبارًا غير مسبوق للإمارات. للمرة الأولى، تجد نفسها في مواجهة عسكرية مباشرة مع دولة عربية، لا عبر حروب الوكالة أو العمليات الرمادية التي اعتادت إدارتها. دبلوماسية الشيكات وشراء الولاءات، التي مكّنت أبو ظبي من توسيع نفوذها لعقدين، تصطدم بحدود القوة الصلبة. النتائج تشير إلى أن المشروع الإماراتي دخل مرحلة الاحتضار، حتى وإن استغرق سقوطه وقتًا.

وبحسب المراقبين فإن تداعيات هذا التراجع لا تقتصر على اليمن. في السودان، حيث تُتهم الإمارات بلعب دور محوري في دعم قوات الدعم السريع، تزداد الدعوات لمحاسبتها على كلفة إنسانية فادحة: نحو 140 ألف قتيل، وأكثر من 13 مليون نازح، و17 مليون طفل خارج التعليم. الربط بين الساحات بات واضحًا، وأي تراجع في البحر الأحمر قد يدفع أبو ظبي إلى التشبث بمعاقل أخرى، ما ينذر بتصعيد إضافي إذا لم يُواجَه سياسيًا وأمنيًا.

في المحصلة، تكشف التطورات في اليمن عن فشل نموذج الدولة الصغيرة التي حاولت تعويض محدودية الجغرافيا والديمغرافيا بالمال والقوة الخشنة. الإمارات، التي سعت إلى لعب دور يفوق وزنها، تواجه الآن إعادة تموضع قسرية.

قد تستمر المناورة لبعض الوقت، لكن الاتجاه العام يشير إلى انكماش النفوذ وتآكل المشروع. ما جرى ليس انسحابًا تكتيكيًا بقدر ما هو بداية نهاية لمرحلة كاملة من السياسة الإماراتية في الإقليم.