موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

أحدث فصول الانتهاكات الصارخة في الإمارات.. إخفاء قسري لابني معتقل رأي

1٬123

في أحدث فصول الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان في دولة الإمارات، كشفت أوساط حقوقية عن تعرّض راشد وسالم، ابني المحامي الحقوقي البارز والمعتقل السياسي الدكتور محمد الركن، للاختطاف والإخفاء القسري منذ أكثر من شهرين، دون توجيه أي تهمة رسمية أو الكشف عن مكان احتجازهما، في خرق فاضح لأبسط معايير القانون الدولي الإنساني.

وقالت عواطف الريّس، زوجة معتقل الرأي الدكتور عبدالسلام درويش، في منشور مؤلم نشرته على منصة “إكس”، إن عائلة الركن لم تتلقّ منذ اختطاف الشقيقين أي معلومة عن مصيرهما، باستثناء مكالمة هاتفية خاطفة جرت في عيد الفطر الماضي، لم يتمكن فيها راشد وسالم من الإفصاح عن أي تفاصيل تتعلق بظروف احتجازهما أو مكان وجودهما.

وهذا الغموض الكلي دفع العائلة والمراقبين لرفع نداءات استغاثة خشية تعرضهما للتعذيب أو سوء المعاملة، وهي مخاوف مشروعة في ظل تاريخ الإمارات الموثق في إساءة معاملة المعتقلين السياسيين.

وكتبت الريّس بمرارة: “في أبوظبي، لا يكفي أن تُسجن لمطالبتك بالإصلاح، بل يُنتقم منك في أبنائك”. هذا التصريح، البسيط في كلماته، الصادم في دلالاته، يكشف حجم السقوط الأخلاقي الذي بلغته دولة تدّعي في المحافل الدولية أنها “واحة التسامح”، بينما تُمارس الانتقام العائلي الممنهج بحق المعارضين وكل من يطالب بالإصلاح السلمي.

الركن.. رمز مسجون وعدالة مفقودة

الدكتور محمد الركن، أحد أبرز وجوه النضال القانوني السلمي في الخليج، يقبع في السجن منذ عام 2012 على خلفية توقيعه على عريضة إصلاحية تطالب بتحقيق المشاركة السياسية في الإمارات.

ورغم انتهاء محكوميته في يوليو 2022، لا يزال رهن الاعتقال، ما يعدّ – بحسب الفريق الأممي المعني بالاحتجاز التعسفي – “انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي”.

بدلاً من الإفراج عنه، كما تقتضي أبسط قواعد العدالة، أقدمت السلطات الإماراتية في ديسمبر 2023 على فتح ملف محاكمة جديدة ضده، استناداً إلى تهم “إرهابية” ملفقة، تهدف – بحسب مراقبين – إلى تمديد احتجازه التعسفي إلى أجل غير مسمى.

وقد أكدت منظمات حقوقية أن هذه التهم لا تستند إلى أي أدلة قانونية، بل تأتي ضمن سياسة ممنهجة لإسكات الأصوات المستقلة وتصفية ما تبقى من الحراك الإصلاحي السلمي داخل البلاد.

العقوبة الجماعية.. العائلة في مرمى الاستهداف

ما يُضاعف فداحة الانتهاكات في قضية الدكتور الركن هو اتساع دائرة الانتقام لتشمل أسرته.

فاختطاف راشد وسالم، يأتي بعد سلسلة من الممارسات التعسفية ضد أقربائه، من بينهم صهره عبدالله الهاجري، الرئيس السابق لاتحاد طلبة الإمارات، الذي يقبع بدوره في المعتقل ضمن القضية المعروفة بـ”الإمارات 84″.

وليس هذا إلا جزءاً من حملة أوسع تشنّها سلطات أبوظبي ضد عائلات المعارضين.

فمنذ سنوات، دأبت أجهزة الأمن الإماراتية على فرض عقوبات جماعية، عبر سحب الجنسيات، وحرمان الأسر من الحقوق المدنية، والمنع من السفر، والملاحقة الأمنية، ومؤخراً، الإخفاء القسري الذي لم يَعُد مقتصراً على النشطاء بل بات سيفاً مسلطاً على أقاربهم، بهدف بثّ الرعب وتفكيك الروابط المجتمعية.

“الإمارات 84”: قمع على الطريقة الشمولية

في مارس 2025، رفضت المحكمة الاتحادية العليا في أبوظبي الطعون المقدمة من 53 معتقلاً في قضية “الإمارات 84″، رغم أن سير المحاكمة خرق بشكل فجّ كافة المعايير الدولية للعدالة، بدءاً من الاعتقال دون مذكرة قانونية، مروراً بالاحتجاز في أماكن مجهولة، وانتهاءً بمحاكمات سرّية اعتمدت على اعترافات انتُزعت تحت التعذيب.

وفي تقرير صدر حديثاً، وصف مركز الخليج لحقوق الإنسان هذه المحاكمات بأنها نموذج لـ”القمع المنهجي والشمولي” الذي تمارسه الإمارات ضد مواطنيها والمقيمين على حد سواء.

ولفت المركز الحقوقي إلى أن الانتهاكات لا تقتصر على النشطاء الحقوقيين أو السياسيين، بل تطال عمالاً أجانب، وأفراداً من جنسيات مختلفة، ممن يُشتبه بمواقفهم أو نشاطاتهم، دون وجود تهمة واضحة أو إجراء قانوني نزيه.

كذب التسامح.. وواقع السجون

تُكثف دولة الإمارات حملاتها الإعلامية لتلميع صورتها أمام المجتمع الدولي، وتروّج لنفسها كـ”عاصمة للتسامح”، و”نموذج للانفتاح”، بل وتستضيف منتديات عالمية حول حقوق الإنسان.

لكن واقع الحال في السجون الإماراتية يروي قصة أخرى: قمعٌ ممنهج، اعتقال تعسفي، محاكمات صورية، تعذيب نفسي وجسدي، وحرمان من أبسط الحقوق، بما في ذلك الحق في التواصل مع محامٍ أو الحصول على محاكمة عادلة.

وتؤكد منظمات حقوقية أن اختطاف أبناء الدكتور الركن ليس مجرد “حادثة فردية”، بل هو تجلٍ صريح لسياسة دولة تمارس الانتقام السياسي وتستخدم جهاز الدولة بالكامل لتصفية المعارضين ومحيطهم الاجتماعي. وهو ما يشكّل جريمة جماعية تتنافى مع كل القيم والمبادئ التي يدّعي النظام الإماراتي التزامه بها.

دعوات للمحاسبة.. وصمت دولي مخزٍ

رغم تزايد التقارير الدولية التي توثق هذه الانتهاكات، لا تزال القوى الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة والدول الأوروبية، تلتزم الصمت أو تكتفي ببيانات باهتة، حفاظاً على المصالح الاقتصادية والعلاقات العسكرية مع أبوظبي.

هذا الصمت، في ظل ممارسات خطيرة كالإخفاء القسري والتعذيب، يُعد مشاركة غير مباشرة في استمرار الانتهاكات.

وتُطالب منظمات حقوقية مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية المجتمع الدولي بممارسة ضغوط جدية على الإمارات، ليس فقط للإفراج عن المعتقلين تعسفياً، بل أيضاً لوقف سياسة العقاب الجماعي بحق عائلاتهم، والكشف الفوري عن مصير المختفين قسرياً، كراشد وسالم محمد الركن.

وما جرى لعائلة الدكتور الركن يعيد التأكيد على أن حقوق الإنسان في الإمارات ليست مجرد قضية حقوقية، بل قضية سياسية وأخلاقية بامتياز.

فحين تصبح المطالبة بالإصلاح جريمة، ويصبح الأبناء رهائن لمواقف آبائهم، نكون أمام نظام ينهار داخلياً مهما حاول تجميل صورته في الخارج.

لقد آن الأوان لوضع الإمارات تحت المجهر الحقوقي الدولي بشكل جاد، فلا “متحف التسامح” ولا “منتديات المرأة والسلام” تستطيع أن تُخفي واقع السجون، ولا أن تُسكِت صرخات الضحايا خلف القضبان. فالمطالبة بالإصلاح ليست جريمة، والجريمة الحقيقية أن تُداس كرامة الإنسان باسم “الاستقرار” و”الحداثة”.