دعا معهد “باريس الفرانكفوني للحريات” الإمارات إلى وقف حملات الاعتقال التعسفية التي تمارسها جماعات مسلحة تابعة لها في اليمن.
جاء ذلك بعد تلقي معهد باريس إفادات باعتقال مليشيات تتبع للإمارات الناشط السابق في المقاومة الشعبية اليمنية طارق محمد بجاش، في محافظة عدن، بعد أيام فقط من إطلاق سراحه بقرار من النيابة اليمنية بعد اعتقاله لأكثر من عامين دون محاكمة أو تهمة محددة.
يشار إلى أن بجاش اعتقل لدى جماعات مسلحة تتبع للإمارات في عدن، ونُشرت صور له على مواقع التواصل الاجتماعي، توثق تعرضه لتعذيب جسدي ونفسي شديدين خلال اعتقاله، إضافة لإعادة اعتقاله فور انتشار صور تعذيبه.
وحمّل المعهد الفرنسي الإمارات ومليشياتها في اليمن المسؤولية الكاملة عن سلامة وحياة الناشط اليمني، مطالباً بضمان عدم تعرضه لأي تعذيب جديد والإفراج الفوري عنه.
واعتبر المعهد الحقوقي أن الاعتقالات التي تمارسها الجماعات المسلحة التابعة للإمارات، تتم خارج نطاق القانون ومن دون علم النيابة القضائية التابعة للحكومة الشرعية في اليمن، فضلاً عن أنها تتضمن تعذيباً يخالف حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية.
وطالب معهد باريس، الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بالتدخل لوقف انتهاكات المليشيات التابعة للإمارات، وكافة أطراف النزاع في اليمن بحق المدنيين، وعلى رأس ذلك الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري وممارسة التعذيب.
وقبل أيام تم الكشف عن تصفية 23 معتقلاً يمنياً داخل السجون السرية الإماراتية في العاصمة اليمنية المؤقتة عدن.
وتشير تقارير منظمات حقوقية وإنسانية دولية إلى انتهاكات عديدة ترتكبها الإمارات في اليمن، مستغلة مشاركتها في الحرب التي تقودها الإمارات لمقاتلة مليشيا الحوثي منذ 2015.
في هذه الأثناء طالبت منظمة “سام للحقوق والحريات”، بتشكيل لجنة دولية للتحقيق في تصفية 23 مختفيا قسرياً في سجونٍ باليمن تديرها قوات تتبع لدولة الإمارات، وسط عجز الحكومة اليمنية عن القيام بتحرك فعلي في شكاوى أخرى مشابهة، على مدار الأشهر الماضية.
ودعت “سام”، وهي منظمة حقوقية دولية تتخذ من جنيف مقراً لها، وترصد أوضاع حقوق الإنسان في اليمن، في بيان صحافي، إلى “التحقيق كذلك في ممارسات التعذيب البشع بحق المعتقلين والمختفين قسرياً في السجون السرية، ومحاسبة المتورطين”.
وكان عدد من المعتقلين في سجن “بئر أحمد” المركزي سيئ السمعة، والواقع في مدينة عدن جنوبي اليمن، قد وجّهوا رسالة لوزير الداخلية في الحكومة اليمنية الرسمية أحمد الميسري، في 20 يناير/كانون الثاني الحالي، نشرها “العربي الجديد” في حينه، أوضحوا فيها أنّهم يخوضون إضراباً مفتوحاً عن الطعام منذ 4 أسابيع، موضحين أنّ النيابة الجزائية والجهات المختصة الأخرى، لم تباشر مهامها في ملفات المعتقلين، الذين قضى بعضهم 3 أعوام في السجون أو أكثر، من دون أي تهم.
يُشار إلى أنّ سجن “بئر أحمد”، عبارة عن مزرعة استأجرتها القوات الإماراتية في العام 2016، وحوّلتها إلى معتقل خاص يتبع لما يسمى “قوات الحزام الأمني” التي أنشأتها القوات الإماراتية في مدينة عدن جنوبي اليمن.
وأفادت الشكوى المقدمة لوزير الداخلية، بوجود 16 جندياً معتقلاً في سجن “بئر أحمد”، يتعرّضون لشتى أنواع التعذيب الجسدي والنفسي، مشيرة إلى أنّ هناك أشخاصاً تم إخفاؤهم قسراً؛ ومنهم ضباط وجنود ومدنيون.
كما أوردت الشكوى قائمة بأسماء أشخاص تمّت تصفيتهم؛ وعددهم 23 شخصاً، في سجون: “شلال”، “أبو اليمامة”، “صالح السيد/سجن المنصورة”، “يسران”، و”سجن بئر أحمد القديم”.
وتدير دولة الإمارات ما لا يقل عن 13 سجناً، و8 مواقع عسكرية في جميع أنحاء اليمن، عدا عن السجون السرية، والتي تُرتكب فيها جرائم قد ترقى لأن تكون “جرائم حرب” و”جرائم ضد الإنسانية”، وذلك بحسب تقرير لجنة الخبراء الأمميين التي شكّلها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والذي صدر في سبتمبر/أيلول العام الماضي.
وأكدت “سام” أنّها وثّقت، مؤخراً، انتهاكات “واسعة وبشعة” بحق المحتجزين (سوف تصدر في تقرير مستقل)، مشيرة إلى أنّ “كثيراً من السجون اليمنية التي في عدن وحضرموت وشبوة وصنعاء، سواء تحت سيطرة جماعة الحوثي أو القوات المدعومة من الإمارات، تتطابق في بشاعتها وقسوتها بحق المعتقلين”.
وتابعت أنّ هذه السجون “تؤكد على أنّ التعذيب والإخفاء القسري، والتعذيب المفضي إلى الموت، أصبح فعلاً ممنهجاً أشد قسوة وبشاعة، ويعتمد على وسائل ابتكارية لتحقيق أكبر ألم وضرر بالمعتقلين، وتحت إشراف ورعاية خبراء أجانب في التعذيب، ما يستوجب تحرّكاً دولياً عاجلاً؛ لإنقاذ المعتقلين ومعرفة مصير المخفيين قسراً”.
ودعت منظمة “سام”، إلى “الإفراج عن كافة المختطفين والمختفين قسراً داخل السجون والمعتقلات في اليمن، ووقف سياسة التعذيب الممنهج بحقهم”، مشددة على “ضرورة قيام مجلس حقوق الإنسان بتشكيل لجنة لإجراء تحقيق دولي شفاف في الانتهاكات التي ترتكب داخل السجون في اليمن، والتحقيق في ظروف اعتقال السجناء والمعاملة غير الإنسانية التي يتعرّضون لها، وتقديم المسؤولين عنها لمحاكمة عادلة”.
وفي السياق ذاته طالبت أسر مختطفين يمنيين في العاصمة السياسية المؤقتة في عدن (جنوب) القوات الأمنية المدعومة من الإمارات بسرعة الكشف عن مصير أبنائها المخفيين قسراً.
وجددت أسرة التربوي زكريا قاسم، المخفي قسراً منذ نحو عام، السلطات الأمنية بالكشف عن مصيره.
وقالت سهام قاسم شقيقة زكريا، إن مدير أمن عدن، العميد شلال شايع، اعترف بوجوده في مديرية الأمن بعد أيام من اختفائه، وأكد أن الإفراج عنه سيتم بعد الإجراءات الروتينية المُتبعة في إطار القانون، لكن لم يُفرج عنه حتى الآن.
وأضافت “لا يوجد ما يُدين شقيقي زكريا (53 عاماً) حتى أنه لم يحمل السلاح طوال حياته، ويعمل في إدارة التربية بمديرية المعلا إلى جانب نشاطه الإنساني خلال أيام الحرب في عدن بين المقاومة وجماعة الحوثي في مارس/ آذار 2015، وكان ينقل الجرحى إلى المستشفيات والمواد الغذائية إلى الأحياء والمناطق المتضررة بسبب الاشتباكات آنذاك”.
ولفتت إلى أنهم “بحثوا عنه في كل سجون عدن وطرقوا كل الأبواب من أجل معرفة مصيره، لكن دون جدوى، كما أن الأنباء عن أن شقيقي توفي تحت وطأة التعذيب في سجن بئر أحمد في مديرية البريقة، زادت حالة التوتر بين أفراد الأسرة”.
وأكدت سهام أن عملية اختطاف زكريا وعدم السماح لأسرته بزيارته أو التواصل معه لمعرفة وضعه الصحي، تعد انتهاكاً للقانون وحقوق الإنسان.
وحملت سهام الجهات الأمنية في عدن المسؤولية الكاملة عن حياة شقيقها وسلامته، وما قد يترتب من أضرار نفسية وصحية ومعنوية جراء فترة اعتقاله. ودعت المنظمات الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان للضغط على السلطات المحلية والأمنية في عدن للكشف عن مصير شقيقها والإفراج عنه.
واختُطف زكريا قاسم في 27 يناير/ كانون الثاني 2018، أثناء ذهابه لأداء صلاة الفجر في أحد المساجد القريبة من منزله، من قبل أربعة عناصر مُلثمين من جهاز مكافحة الإرهاب في عدن والذي يترأسه يسران المقطري المدعوم من الإمارات.
ويشار إلى أن مجموعة من الناشطين نفذت بالتنسيق مع أفراد أسرة المختطف زكريا قاسم وقفة احتجاجية يوم الجمعة الماضي، لمُطالبة الجهات الأمنية بالكشف عن مصيره، لا سيما بعد تداول أخبار عن وفاته في سجن بئر أحمد الذي تشرف عليه القوات الإماراتية المشاركة بالتحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن.
كما ناشدت زوجة المختطف ياسر محمد قاسم الكلدي، الجهات الأمنية إطلاق سراح زوجها المختطف منذ شهر مايو/أيار الماضي.
وقالت زوجة ياسر الكلدي إن قوات اختطفت زوجي في الثاني من رمضان الماضي الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل من البيت، أمامي وأمام الأولاد بعد أن كسروا باب المنزل دون سابق إنذار”. وأشارت إلى أن القوات احتجزت ابنها الكبير أيضاً، لكن أُطلق سراحه لاحقاً.
وأكدت “سعينا وحاولنا مراراً معرفة مكانه لكن دون جدوى”، مطالبة الأجهزة الأمنية بالكشف عن مصير زوجها وإطلاق سراحه.
وأوضحت زوجة المختطف أن “قيادياً في المقاومة وهو من المخطوفين سابقاً قال إن زوجي كان مختطفاً عند أبو اليمامة اليافعي بسجن الجلاء بالبريقة، وتعرض للتعذيب بالكهرباء حتى توفي”.
وتواصل رابطة أمهات المختطفين والمخفيين قسراً في عدن مطالبة الحكومة بالكشف عن ذويهن المخفيين في سجون سرية، تديرها مليشيات تابعة للإمارات.