الإمارات تقر علنا بتعطيل إنتاج النفط في ليبيا وتصعد مؤامرات نشر الفوضى
أقرت دولة الإمارات علينا بتعطيل إنتاج النفط في ليبيا وسط تصعيد مؤامرات أبوظبي لنشر الفوضى والتخريب في البلاج وخدمة لأطماعها في نهب مقدراتها وثرواتها.
وصرح وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش بأن الإمارات تريد عودة إنتاج النفط في ليبيا، لكنه اشترط أن ألا تؤجج إيراداته الصراع، في إقرار رسمي بدور أبوظبي المشبوه لتخريب الاقتصاد الليبي.
وقال قرقاش على حسابه في تويتر إن الإمارات تريد “عودة إنتاج النفط في ليبيا في أقرب وقت ممكن، وتؤكد أهمية وجود ضمانات لمنع العائدات النفطية من إطالة وتأجيج الصراع”.
ولم يتناول قرقاش بشكل مباشر الاتهامات التي وجهتها المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا للإمارات بأنها أبلغت القوات التي تدعمها في الحرب الليبية بمعاودة ضرب الحصار على صادرات النفط.
وتساند الإمارات ومصر وروسيا ميليشيا شرق ليبيا بقيادة الانقلابي خليفة حفتر الذي يخوض حربا ضد حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا في طرابلس.
وأضاف أن الإمارات ستواصل “العمل السياسي والدبلوماسي والأولوية لوقف إطلاق النار والعودة إلى العملية السياسية” في ليبيا.
تدعو دولة الإمارات وبالتعاون مع شركاؤها إلى عودة إنتاج النفط في ليبيا في أقرب وقت ممكن، وتؤكد أهمية وجود ضمانات لمنع العائدات النفطية من إطالة وتأجيج الصراع. سنواصل العمل السياسي والدبلوماسي والاولوية لوقف إطلاق النار والعودة إلى العملية السياسية.
— د. أنور قرقاش (@AnwarGargash) July 13, 2020
وفي تقاطع واضح مع موقف الإمارات، كان المتحدث باسم قيادة قوات حفتر أحمد المسماري، أعلن عن ثلاثة شروط لعودة تدفق النفط، من بينها فتح حساب لواردات النفط في دولة أجنبية.
وسبق أن اتهمت المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس دولة الإمارات بالوقوف وراء إعادة إغلاق المنشآت النفطية التي استأنفت أعمالها الجمعة الماضي، من دون أن يوضّح بيان المؤسسة أهداف أبوظبي من دفع مليشيات حفتر لإغلاق المنشآت النفطية مجدداً.
وقالت مصادر برلمانية من طبرق إن الخطوة الإماراتية جاءت بهدف التشويش على الخطوة التي قد تسرّع من وصول قادة الأطراف الليبية إلى تفاهمات عسكرية بشأن الأوضاع في قطاع سرت–الجفرة، وبدء تفعيل المسارات المتعلقة بالحلول السياسية.
وأكّد برلماني مقرّب من رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، أن أبوظبي تضغط من أجل استمرار وجود حفتر في أية مشاورات تجرى بشأن الملف الليبي، وأنها لا تدعم صالح كممثل سياسي بديل عن حفتر.
وبشأن التفاهمات العسكرية التي يمكن أن تفضي إلى حلّ في قطاع سرت–الجفرة، قال مصدر حكومي من طرابلس إن تلك التفاهمات تجرى بشكل غير مباشر بين موسكو وأنقرة اللتين تدعمان طرفي الصراع في المنطقة، لكن حكومة الوفاق لا تزال مصرة على موقفها بشأن سيطرتها على المنطقتين.
وكان آمر غرفة عمليات سرت والجفرة، التابعة لحكومة الوفاق، إبراهيم بيت المال، قد أكّد في بيان له، ليل أمس الاحد، تعهّد الحكومة بزيادة الدعم الفني لمحاور قواته بين سرت والجفرة، بعد تواصله مع الحكومة إثر رصد قوات مليشيات حفتر في سرت.
في حين أعلنت شعبة الإعلام الحربي التابعة لحفتر، اليوم الاثنين، أن مليشيات حفتر “في حالة الجاهزية الكاملة لصد أي هجوم”، مشيرة إلى أن “الحقول النفطية لا تزال مغلقة ولن تفتح إلا عند تنفيذ شروط القيادة العامة” لقوات حفتر.
وتابعت الشعبة في بيانها أنه “رغم الضغط الخارجي فإنّ القوات المسلحة للجيش والقيادة (مليشيات حفتر) لا تزال مستمرة في قضيتها المتمثلة في تحرير الوطن بالكامل، وليس الدفاع عن سرت والجفرة فقط”، مضيفة أن “الأيام المقبلة تحمل الكثير من الخير للجيش والهلاك للعدو”.
من جانبها، هددت السفارة الأميركية من يتمسكون بالتصعيد العسكري بأنهم “سيواجهون العزلة وخطر العقوبات”. وقالت السفارة، في بيان لها البارحة، إن “أولئك الذين يقوّضون الاقتصاد الليبي ويتشبثون بالتصعيد العسكري سيواجهون العزلة وخطر العقوبات”.
وتعليقاً على قرار حفتر بإعادة إغلاق المنشآت النفطية، “بعد عدة أيام من النشاط الدبلوماسي المكثف بهدف السماح للمؤسسة الوطنية للنفط باستئناف عملها الحيوي وغير السياسي كوسيلة لنزع فتيل التوترات العسكرية؛ أسفت السفارة الأميركية على الجهود المدعومة من الخارج ضد القطاعين الاقتصادي والمالي الليبي، والتي أعاقت التقدم وزادت من خطر المواجهة”.
وأضافت السفارة إن “غارات مرتزقة الفاغنر (الروس) على مرافق المؤسسة الوطنية، وكذلك الرسائل المتضاربة المصاغة في عواصم أجنبية، والتي نقلتها ما تسمى بالقوات المسلحة العربية الليبية (قوات حفتر) السبت، أضرت بجميع الليبيين الذين يسعون من أجل مستقبل آمن ومزدهر”.
وتعليقاً على المستجدات، رأى الباحث السياسي الليبي، سعيد الجواشي، أن التشويش الإماراتي بشأن النفط لا يمكن أن يكون خطوة إماراتية فردية، مشيراً إلى وجود دفع روسي وراء الخطوة، لكنه يؤكد أن تأثير هذه الخطوة لن يتجاوز عدة أيام.
ويؤكد الجواشي أن كل الأطراف المتصارعة في ليبيا، بشكل مباشر أو على مستوى داعميهم؛ على علاقة بواشنطن بطريقة أو بأخرى، فيما لا تزال موسكو تمثّل عامل القلق وإثارة الشغب في الملف الليبي.
وعن إمكانية وجود مقاربة روسية تركية بشأن إنهاء التوتر حول سرت والجفرة، قال الجواشي إن “موسكو لوّحت أكثر من مرة بنيتها إيجاد تسوية من دون تصعيد عسكري، لكن أي مقاربة مع روسيا تتوقف على أهدافها في الملف الليبي وشكل مصالحها وما إذا كانت تتضارب مع المصالح الأميركية أم لا”.
ويرى الجواشي أن الأحداث الأخيرة كشفت عن سطحية الدور الإماراتي في ليبيا، الذي لا يعدو أن يكون منفذاً لسياسات دول أخرى، لافتاً إلى أن مواقفها المتخبطة وغير المدروسة تتجاوب مع أي طرف ضاغط عليها، سواء كان فرنسياً أم روسيا، وأضاف أن هذا الدور لن يكون مؤثراً أو ذا حجم كبير مقارنة بالدور المصري المتعلق بالأمن المصري وكون ليبيا دولة جارة.
من جانبه، لا يرجح الباحث الليبي في الشؤون السياسية، بلقاسم كشادة، أن تؤثّر الإمارات بدفعها حفتر لإعادة إغلاق المنشآت النفطية على المسار الذي تضغط فيه واشنطن باتجاه الحل، خصوصاً بعد التهديد الذي حمله مضمون بيان السفارة الأميركية ووصفه قوات حفتر بأنها “ما تسمى بالقوات المسلحة العربية الليبية”.
ويوضح كشادة أن روسيا باتت مصدر القلق المشترك لأبرز الفاعلين في المشهد الليبي، سواء واشنطن أم باريس أم أنقرة، ومن ثمّ لا مناص من ضرورة إيجاد تسوية مع موسكو التي أشارت تصريحات قادتها أكثر من مرة إلى رغبتها في تسوية أوضاعها في ليبيا سلمياً.
ويوضح كشادة أن “موسكو لم يعد يعنيها حفتر وبقاؤه في المشهد، وأن مصالحها تتجاوز الأحداث الحالية”، مرجحاً أن تكون الخطوة الإماراتية بدفع روسي جاءت للتأثير على الموقف الفرنسي الذي كان له دور كبير في مفاوضات إعادة ضخ النفط، خصوصاً من خلال ميناء السدرة الذي تملك فيه باريس حصة كبيرة.
ويرى أنه من المحتمل أيضاً أن يكون هدف الخطوة الإماراتية متعلقاً بأحد مطالب حفتر بضرورة فتح حساب لإيرادات النفط الليبي، الذي سبق أن سعت الإمارات عام 2015، من خلال الحكومة المنبثقة عن مجلس النواب، لأن يكون هذا الحساب في أحد بنوكها، لافتاً إلى أن رئيس المجلس الأعلى للدولة لم يرفض من شروط حفتر، في تصريحات أمس الأحد، إلا هذا الشرط، الأمر الذي يعني أنه الشرط الأهمّ!
وتحذر الأوساط الاقتصادية في ليبيا من الضغوط الخارجية المتواصلة التي تستهدف وضع عائدات النفط في حساب مصرفي جديد وتوزيعها وفق آلية تشرف عليها الأمم المتحدة.
ويرى مراقبون أن التوجه الجديد يشبه خطط النفط مقابل الغذاء التي طبقت في بعض الدول، بينما يؤكد آخرون أن غياب الآليات المالية بشأن كيفية التصرف بعائدات النفط في حال فتح حساب مصرفي جديد يثير مخاوف كبيرة ويعد وصاية مالية على ليبيا وثرواتها.
ويأتي ذلك بعد قفل جديد لحقول النفط والموانئ من قبل قوات شرق ليبيا التابعة للجنرال المتقاعد خليفة حفتر، المدعوم من الإمارات ومصر، للمطالبة بإعادة توزيع العائدات بشكل جديد.
ووسط تصاعد الصراع على النفط الليبي تستمر معاناة الليبيين من الأوضاع المعيشية المتردية، كما تواصل حكومة الوفاق المعترف بها دوليا الاستعانة بالاحتياطي النقدي من أجل الإنفاق على الخدمات والرواتب.
وكان تم إنتاج النفط وتصديره في ليبيا لمدة ستة أشهر ما كلف البلاد نحو 6.7 مليارات دولار خسائر بالإيرادات وعمق تداعيات الحرب الاقتصادية والمعيشية على البلاد.
وحسب مراقبين، ستستغرق إعادة الإنتاج النفطي وقتًا للوصول إلى مستويات ما قبل الحظر (نحو 1.2 مليون برميل يوميًا)، بسبب الأضرار الكبيرة التي لحقت بالبنية التحتية للحقول والموانئ نتيجة الحصار غير القانوني المفروض عليها منذ 17 يناير/ كانون الثاني الماضي.
ومنذ سنوات، يعاني البلد الغني بالنفط من صراع مسلح، بدعم من دول عربية وغربية لقوات حفتر التي تسعى لانتزاع السيطرة على ليبيا من الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا، ما أدى إلى دمار مادي واسع.